.
تصعيد ملحوظ لنشاط تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في مناطق محاذية لإقليم كردستان العراق خلال أقل من أسبوع، في مؤشر على استغلال التنظيم المتشدد لـ”غياب التنسيق” الأمني في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، وفقا لمحللين ومسؤولين.
أعنف هذه الهجمات وقعت فجر الجمعة، في قضاء مخمور، وأسفرت عن مقتل 13 شخصا على الأقل، هم ثلاثة قرويين وعشرة جنود من قوات البيشمركة.
ويقع قضاء مخمور، على بعد 70 كيلومترا جنوب شرقي الموصل و60 كيلومترا جنوب غربي أربيل عاصمة إقليم كردستان، ويعد نقطة رئيسية لنشاط تنظيم داعش، ويشهد هجمات منتظمة على القوات الكردية والعراقية والمدنيين في كثير من الأحيان.
وقبل ذلك قتل خمسة من البيشمركة وجرح أربعة آخرون في انفجار عبوة ناسفة استهدفت آليتهم العسكرية، ليل السبت- الأحد.
وأفاد بيان رسمي الأحد، بأن الهجوم استهدف “قوة كانت متوجه للمساندة إثر هجوم لتنظيم الدولة الإسلامية ضد البيشمركة في بلدة لولة جوي التابعة لقضاء كرميان” شمالي محافظة ديالى، جنوبي إقليم كردستان.
وألقى مسؤولون ومحللون عراقيون باللوم في استمرار تنظيم الدولة الإسلامية في شن هجمات دموية على غياب التعاون في رقعة من الأراضي تطالب بها كل من السلطات الاتحادية وحكومة الإقليم.
تعاون غائب
وقال الأمين العام لوزارة البيشمركة، جبار الياور، إن “عدم التعاون في مجال العمليات المشتركة بين البيشمركة والقوات العراقية” في المناطق المتنازع عليها هو أحد أبرز الأسباب في تصاعد الهجمات.
وأضاف الياور في حديث لموقع “الحرة” أن انعدام التعاون لا يشمل فقط المناطق التي تتعرض للهجمات المتكررة وإنما “على خط بطول 500 كيلومترا يمتد من خانقين في محافظة ديالى على الحدود الإيرانية إلى مناطق سحيلة قرب الحدود السورية”.
“تسبب انعدام التنسيق هذا في حصول غياب تام لقوات الأمن من الطرفين في مناطق يصل عمقها لـ 40 كيلومترا وطولها لنحو 20 كيلومترا” وفقا للياور.
يقول المسؤول العسكري الكردي إن داعش استغل هذه المناطق كملاذات آمنة للتدريب وتخزين السلاح والعتاد والانطلاق منها لشن هجمات ضد البيشمركة والقوات العراقية على حد سواء”.
أبرز المناطق الخالية من قوات الأمن، وينتشر فيها عناصر داعش، تمتد من جبل قره تشوغ، ومناطق غرب كركوك في الحويجة والعباسي، إضافة لقضاء الدبسن، ومناطق شاسعة، بين قضاءي كفري، وطوزخورماتو جنوب غربي كركوك.
ويستغل تنظيم داعش، كذلك، التضاريس الوعرة لسلسلة تلال حمرين التي تمتد من شمال ديالى وحتى جنوبي الموصل، فضلا عن مناطق في قضاء قولهجو وناحية جلولاء في ديالى التي تمتاز بكثافة بساتينها وانتشار المسطحات المائية التي يستغلها عناصر التنظيم في التخفي.
ولم يعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجوم حتى الآن.
ويشن تنظيم الدولة الإسلامية هجمات منتظمة على قوات الأمن والمدنيين في المنطقة بين الحين والآخر.
ودعا مسؤولون عراقيون إلى التحرك السريع من أجل مواجهة هذه الهجمات.
ووصف رئيس الجمهورية برهم صالح في تغريدة باللغة الكردية الهجوم بأنه “مستجدات خطيرة.. وأن مواجهتها تشكل واجبنا في الوقت الحالي، مع تقوية التنسيق بين البشمركة والجيش العراقي لاجتثاث الإرهاب وبسط الاستقرار في المنطقة”.
پهلامارەکانی داعش بۆ سەنگەرەکانی پێشمەرگە لە مەخمور پێشهاتی مهترسیدارن، ڕوبەڕوبونەوەیان ئەرکی بەپەلەی ئێستامانە؛ پتهوکردنی ههماههنگی پێشمەرگە وسوپای عێراق پێویستە بۆ ریشەکێشکردنی تیرۆریستان ودابینکردنی ئاسایشی ناوچەکە. پرسە وھاوخەمیم بۆ کەسوکاری سەربەرزی شەھیدە قارەمانەکان.
— Barham Salih (@BarhamSalih) December 3, 2021
وشدد رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني على أهمية “التعاون بين البيشمركة والجيش العراقي والتحالف الدولي بأسرع وقت ممكن” لمواجهة تنظيم داعش ووقف هجماته.
وقال بارزاني إن “حكومة إقليم كردستان تؤكد استعدادها لتعزيز أي تعاون وتنسيق لمكافحة الإرهاب وتحقيق استقرار الوضع في العراق بشكل عام، والمناطق التي تتعرض إلى اعتداءات داعش بشكل خاص”.
ولم يرد أي من المسؤولين العسكريين العراقيين على اتصالات موقع “الحرة” للتعليق.
وقالت قيادة العمليات المشتركة في بيان إن “التنسيق والتعاون الكبير مستمر بين قطعات الجيش العراقي وقوات البيشمركة في محافظات ديالى وكركوك ونينوى”. ووعدت بأن هذا التعاون “سيأخذ أبعادا أوسع” في المستقبل.
على قرية خضرجيجة بالقرب من جبال قرجوغ حيث راح ضحية هذا الاعتداء الغادر عدد من المدنيين العزل وعدد آخر من قوات البيشمركة بين شهيد وجريح.
أن قيادة العمليات المشتركة وفي الوقت الذي تعزي فيه أبناء شعبنا الكريم باستشهاد هذه الثلة المؤمنة فإنها تؤكد أن التنسيق والتعاون الكبير مستمر— خلية الإعلام الأمني🇮🇶 (@SecMedCell) December 3, 2021
“خلافات عميقة”
ويرى الخبير الأمني فاضل أبو رغيف أن الخلافات عميقة في المناطق المتنازع عليها بين القوات العراقية وقوات البيشمركة حول من “يمسك الأرض”.
ويضيف أبو رغيف لموقع “الحرة” إن “هناك تفاهمات سابقة بين الإقليم والمركز وبين البيشمركة والعمليات المشتركة لكنها لا تلبي الطموح”، مؤكدا في الوقت ذاته “نحتاج إلى تفاهمات وتنسيق أكبر حتى لا نسمح للتنظيم باستغلال الأماكن الرخوة والخلافات لشن هجماته”.
وشهدت السنوات الماضية تأكيدات متبادلة من مسؤولين عراقيين وأكراد بشأن عقد تفاهمات تتعلق بالمناطق المتنازع عليها وإدارة الملف فيها.
ويشير الياور إلى “وجود مراكز تنسيق مشتركة في ديالى ومخمور وكركوك وبغداد واربيل، لكنها فقط لتبادل المعلومات الاستخبارية والتنسيق بين القوات ومرور الأرتال العسكرية وتسليم المطلوبين، وليس في مجال تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة”.
ويبين أن “الفراغ الأمني حصل في نهاية عام 2017، بعد طلب الحكومة المركزية من قوات البيشمركة الانسحاب من جميع المناطق المتنازع عليها”، مضيفا أنه أعقب ذلك “صدامات بين القوات العراقية والبيشمركة، أجبرت الأخيرة على الانسحاب من تلك المناطق”.
ومع ذلك يؤكد الياور أن “اجتماعات كثيرة عقدت مؤخرا مع قيادة العمليات المشتركة لإيجاد حل”، مضيفا “ستكون هناك اتفاقات قريبة لشن عمليات عسكرية مشتركة أو تشكيل دوريات مشتركة”.
وأيضا جرى الاتفاق على تشكيل لواءين مشتركين من الجيش والبيشمركة لنشرهما في هذه المنطقة، وفقا للياور.
لكنه بين أن “العملية تسير بشكل بطيء”، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الهجمات الأخيرة لداعش “سيكون لها تأثير كبير على تسريع الخطوة”.
ورغم إعلان السلطات العراقية دحر تنظيم الدولة الإسلامية نهاية 2017 بعد سيطرته على ثلث مساحة البلاد، ما زالت خلايا التنظيم المتطرف تنفذ هجمات من حين لآخر، ليس فقط في المناطق المتنازع عليها.
ويقول مسؤولون عسكريون غربيون إن ما لا يقل عن عشرة آلاف مقاتل من التنظيم ما زالوا في العراق وسوريا.
وأشار تقرير للأمم المتحدة نشر في فبراير الماضي إلى أن “تنظيم الدولة الإسلامية يحافظ على وجود سري كبير في العراق وسوريا، ويشن تمردا مستمرا على جانبي الحدود بين البلدين مع امتداده على الأراضي التي كان يسيطر عليها سابقا”.
الهجمات ستستمر
ويرجح الخبير الأمني العراقي أمير الساعدي استمرار هجمات داعش “ما لم تتمكن أجهزة الأمن تطوير قدراتها، وخاصة في مجال المعلومات الاستخبارية لملاحقة التنظيم في تلك المناطق على أقل تقدير”.
ويقول الساعدي لموقع “الحرة” إن “مخمور وباقي المناطق المتنازع عليها معقدة جغرافيا وفيها تضاريس صعبة، لا ينفع معها انتشار قوات اتحادية أو بيشمركة”.
يؤكد الساعدي أن تنظيم داعش يستغل أيضا الخلافات السياسية وحالة عدم الاستقرار والمشاكل العرقية والطائفية والقومية، لتعزيز هجماته”.
ويضيف “نحتاج الى تقنيات متطورة لضبط تحركات التنظيم في المنطقة”. وتابع “نحتاج أيضا لتعاون أكبر بين البيشمركة وقوات الجيش العراقي وجهود الولايات المتحدة التي سبق وأن نفذت الكثير من الضربات المؤثرة ضد داعش”.
ويبين الساعدي أن العراق بحاجة إلى “واشنطن مرحليا على الأقل لمواجهة داعش، من خلال الاستفادة من التقنيات العالية والمتطورة والأقمار الصناعية التي تمتلكها الولايات المتحدة” للمساعدة في الكشف عن مواقع التنظيم.
ويقدم التحالف الدولي الدعم للقوات العراقية في حربها على تنظيم الدولة الإسلامية منذ العام 2014، ويضم 3500 عسكري، بينهم 2500 أميركي، ستتحول مهمتهم إلى “استشارية” و”تدريبية” تماما بحلول نهاية العام.