منذ محاولة الانقلاب في عام 2016 وموجة الاعتقالات التي تلتها أصبحت السجون في تركيا مكتظة تماماً. وخطر الإصابة بفيروس كورونا كان مرتفعا بشكل خاص في السجون الضيقة.
وكان رد فعل الحكومة التركية العام الماضي 2020 بقانون عفو سمح بالإفراج المبكر عن حوالي 90 ألف سجين. ومع ذلك، في حين ظل العديد من الصحفيين والمعارضين أو السجناء المصابين بأمراض سابقة رهن الاحتجاز، استفاد أشخاص من القانون مثل زعيم المافيا سيئ السمعة علاء الدين جاكيجي – الذي أصبح طليقاً مرة أخرى منذ أبريل 2020.
وفي نهاية أكتوبر 2021، تم إطلاق سراح كورساد يلماز، وهو أحد زعماء الجريمة في تركيا. وكان يلماز قد حُكم عليه بالسجن 66 عاماً بعدة تهم من ضمنها القتل العمد وتأسيس منظمة إجرامية والتحريض على قتل رئيس بلدية.
مع ذلك، وبعد تقديم طلب لإعادة المحاكمة، تم الإفراج عنه بشكل مفاجئ بعد 17 عاماً في السجن. هذان الرجلان المفرج عنهما لا يتشاركان فقط في السجل الإجرامي الطويل؛ بل كلاهما ينتميان إلى الوسط اليميني المتطرف.
وينتمان لمجموعة “Ülkücüler”، أو “المثاليون”، المعروفة في ألمانيا باسم “الذئاب الرمادية”. بثت هذه الجماعة الخوف والرعب عبر أعمال عنف وحشية وحرق وجرائم قتل، لا سيما في السبعينيات.
علاقة ودية مع رئيس حزب الحركة القومية التركية
مباشرة بعد إطلاق سراحه، زار جاكيجي رئيس حزب الحركة القومية المتطرف دولت بهجلي. وهو الشريك الأصغر لإردوغان في الحكومة، ويعد مقرباً سياسياً من “الذئاب الرمادية”.
بعد الاجتماع، استهدف زعيم المافيا جاكيجي المعارضين لأردوغان. وفي عدة رسائل نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، أراد تشويه سمعة كمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري، وهو أكبر حزب معارض لإردوغان. وذلك لأن أوغلو انتقد إطلاق سراحه.
والتقى يلماز أيضاً برئيس حزب الحركة القومية بهجلي بعد إطلاق سراحه – نشر حساب تويتر الرسمي لحزب الحركة القومية صورة مشتركة بعد ذلك مباشرة، حيث يمكن رؤية الاثنين في مكتب بهجلي.
هل عادت “الدولة العميقة”؟
يتذكر العديد من الأتراك العلاقة الوثيقة بين السياسة و”العالم السفلي” بسبب فصل مظلم في التاريخ التركي. ففي التسعينيات من القرن الماضي -كما يُعتقد- كانت توجد العديد من التشابكات بين كبار المسؤولين الحكوميين والعالم السفلي.
ويُعتقد أن المنظمات الإجرامية مسؤولة عن عدد من جرائم القتل لدوافع سياسية أو حالات اختفاء أشخاص. وعملت هذه المنظمات دون رقابة كدولة داخل الدولة.
هناك الآن تكهنات متزايدة حول ما إذا كانت المافيا تساعد الحكومة في تأمين سلطتها بشكل “شبه عسكري”. إذ أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يفقد على نحو متزايد الدعم الشعبي له، وهو ما يسبب انهيار قاعدة سلطته.
ويخمن فكري ساكلار عضو البرلمان السابق عن حزب الشعب الجمهوري المعارض والخبير في شؤون الجريمة المنظمة، أن “حكومة اليوم تتبع أسلوباً جديداً للحفاظ على موقعها في السلطة”.
ويضيف ساكلار: “إنها طريقة التخويف – خاصة من قبل أناس يشاركون في العملية الانتخابية”.
أعمال ملتوية مع خزينة المدينة؟
أما الصحفي وخبير شؤون المافيا تولغا ساردان من منصة الأخبار تي24 ” T24 ” فيعتقد أن عودة المافيا مرتبطة بالتدفقات السرية للأموال.
من ناحية أخرى، يعتبر أنه من غير الواقعي أن يتحكم زعماء المافيا الآن بالشوارع كقوة شبه عسكرية. ويشير ساردان إلى أن جاكيجي ويلماز “ينظمان حاليا للسيطرة على بعض الأموال مجهولة المصدر، والتي يتم تداولها في إسطنبول على وجه الخصوص”.
في الانتخابات المحلية في عام 2019، خسر حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة إردوغان عدة مدن مهمة مثل إسطنبول لصالح قوى للمعارضة – وخسر معها خزائن المدن الممتلئة.
يقول ساردان: “من المقدر أن هناك حوالي عشرة مليارات دولار من الأموال يتم تداولها سنويا في إسطنبول”. المال الذي يحتاجه الرئيس إردوغان بشكل عاجل لتغذية نظام المحسوبية. ويقول سردان: “هذه المبالغ المالية تجذب بطبيعة الحال الجريمة المنظمة”.
سِيدات بيكِر يقوم “بكشف المستور”
وسبق أن قيل أيضاً إن عراب المافيا اليميني المتطرف سيدات بيكر له علاقات وثيقة مع الحكومة. وهرب بيكر إلى دبي لتجنب مذكرة توقيف بحقه.
وهناك، كان رئيس المافيا المنفي يزعج الحكومة التركية منذ شهور بكشفه الكثير من المعلومات على قنواته في موقعي يوتيوب وتويتر.
يقول شخص من داخل محيط بيكر إن الحكومة والجريمة المنظمة يتحدان في “الدولة العميقة”. وكان وزير الداخلية اسليمان صويلو -المتشدد في قوميته- محور الاهتمام في كثير من الأحيان.
وقام الوزير صويلو بتحذير بيكر وهو صديق دربه السابق، عندما بدأت التحقيقات ضده. في المقابل، دعم زعيم المافيا بيكر المسار الوظيفي لوزير الداخلية.
وذكر بيكر أنه كان هناك تحالف ينذر بالسوء بين السياسة والمافيا التركية، ليس فقط منذ إطلاق سراح جاكيجي ويلماز. وبالإضافة إلى وزير الداخلية، قام بتسمية العديد من السياسيين الحكوميين المعروفين والأشخاص المقربين من الحكومة، الذين يعُتقد أنهم متورطون في أنشطة إجرامية.
دانييل بيريا بيلوت
ترجمة: زمن البدري
حقوق النشر: دويتشه فيله 2021
شارك في إعداد هذا التقرير: أليجان أولوداغ