في الشهر الماضي وحده، تراجعت الليرة التركية بنسبة 30٪ مقابل الدولار.
.
(بي بي سي) – تراجعت قيمة العملة الوطنية التركية بنسبة 45 في المئة مقابل الدولار هذا العام، ورغم ذلك، لا يبدو أن الرئيس رجب طيب أردوغان يشعر بالضيق أو القلق.
إنهارت الليرة التركية إلى مستويات قياسية هذا الأسبوع، لكن زعيم تركيا يمضي قدماً في “حرب الاستقلال الاقتصادية”، مدعومة بأسعار فائدة منخفضة.فلماذا يدفع أردوغان البلاد نحو نموذج يحذر منه المراقبون بما يحمله من مخاطر ارتفاع معدلات التضخم والبطالة والفقر وماذا يعني ذلك بالنسبة للأتراك؟
سياسة غير تقليدية
السبب البسيط لانهيار قيمة الليرة التركية هو سياسته الاقتصادية غير التقليدية المتمثلة في إبقاء أسعار الفائدة منخفضة لتعزيز النمو الاقتصادي في تركيا وإمكانات التصدير بعملة تنافسية.
بالنسبة للعديد من الاقتصاديين، إذا ارتفع التضخم، يمكنك التحكم فيه عن طريق رفع أسعار الفائدة. لكن أردوغان يرى أسعار الفائدة أنها “شرٌ من شأنه أن يزيد الأثرياء ثراء والفقراء فقراً”.
وقال سيفيم يلدريم لبي بي سي في سوق فواكه محلي: “ارتفعت أسعار كل السلع هنا، حتى أنه بات من المستحيل طهي طبق رئيسي لعائلة بهذه الأسعار”.
ارتفع معدل التضخم السنوي إلى أكثر من 21 في المئة في تركيا، لكن البنك المركزي بعد إصلاحه من قبل أردوغان خفض أسعار الفائدة من 16 إلى 15في المئة، وهذه هي المرة الثالثة التي يخفض فيها النسبة خلال هذا العام.
التضخم آخذ في الارتفاع في جميع أنحاء العالم، والبنوك المركزية تتحدث عن رفع أسعار الفائدة. لكن ليس هنا في تركيا، لأن أردوغان يعتقد أنه في نهاية المطاف، سيتراجع التضخم.
في العامين الماضيين، أقال أردوغان ثلاثة مسؤولين تناوبوا على إدارة البنك المركزي، وعين وزير مالية جديد خلال هذا الأسبوع ورغم ذلك قيمة الليرة التركية مستمرة في الانخفاض.
ارتفاع الأسعار
يعتمد الاقتصاد التركي بشكل كبير على الواردات لإنتاج السلع من الأغذية إلى المنسوجات، وبالتالي فإن إرتفاع الدولار مقابل الليرة له تأثير مباشر على أسعار المنتجات الاستهلاكية.
فعلى سبيل المثال، لزراعة وإنتاج الطماطم التي تشكل عنصراً حيوياً في المطبخ التركي، يحتاج المزارعون إلى شراء الأسمدة والغاز المستورد لإنتاجها.
ارتفعت أسعار الطماطم بنسبة 75 في المئة في شهر أغسطس/آب، مقارنة بالعام الماضي، وفقاً لغرفة التجارة في أنطاليا.
“كيف يمكننا كسب المال من هذا؟”
تتساءل سادية كالجي، التي تملك كرم عنب في باموكوفا، بلدة صغيرة تقع على بعد ثلاث ساعات قيادة بالسيارة من اسطنبول.
وتقول المرأة شاكية: “نبيع محاصيلنا بسعر رخيص، لكن اسعار المشتريات باهظة”، مشيرة إلى ارتفاع أسعار الديزل والأسمدة والكبريت الذي يستخدم في الحقول والكروم.
تشتكي مزارعة أخرى تدعى فريدة توفان، من أن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تتدبر بها أمورها هي أن تبيع ممتلكاتها: “يمكننا سداد ديوننا عن طريق بيع أرضنا وكرومنا. ولكن إذا فعلنا ذلك سنخسر كل شيء”.
أصبحت العملة متقلبة للغاية لدرجة أن الأسعار تتغير يومياً. ارتفع معدل التضخم بالنسبة للمنتجين وحدهم بنسبة 50 في المئة.
يقول هاكان آيران، الذي كان يتسوق: “قمت بتخفيف نفقاتي كلها بشكل عام، فلكي يكون بمقدورنا سداد فواتيرنا، جميع أفراد الأسرة يتناولون طعاماً أقل، كما أن التسوق الذي اعتدنا عليه توقف تماماً”.
وينشر العاملون في المتاجر الكبيرة تغيرات الأسعار على وسائل التواصل الاجتماعي، ويعرضون الأسعار القديمة والجديدة للسلع لتوضيح ارتفاع الأسعار. وتشمل السلع السمن النباتي (ماغرين) وزيت الزيتون إلى الشاي والقهوة والمنظفات ومحارم التواليت.
ووضع مخبز في مدينة إزمير – ثالث مدن تركيا – لافتة على الواجهة لتوضيح ارتفاع أسعاره من خلال شرح مفصل لتكلفة المكونات مثل الدقيق والزيت والسمسم، وفي أخر اللافتة كتبت عبارة “كان الله بعوننا”.
تمثل الديون بالعملات الأجنبية مشكلة للقطاع الخاص، ووجدت معظم الشركات أنه من المربح الاحتفاظ بالمنتجات في المخازن بدلاً من بيعها، بسبب تقلبات الليرة والتضخم.
ويؤدي كل ذلك إلى زيادة الفقر واتساع الفجوة في المداخيل والتباين في الثروة.
الشباب الأتراك الغاضبون
تتشكل طوابير خارج محطات الوقود وخارج المكاتب الحكومية المحلية التي تقدم الخبز بسعر رخيص.
ودعت أحزاب المعارضة إلى انتخابات مبكرة.
عندما تراجعت الليرة بنسبة 18 في المئة في يوم واحد في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، كانت هناك احتجاجات صغيرة واعتقلت السلطات العشرات من المحتجين.
لكن الصورة الاكثر وضوحاً للمعارضة هي بين المواطنين الأصغر سناً على مواقع التواصل الاجتماعي من تويتر والبث الحي على تويتش ومقاطع الفيديو على يوتيوب وتيك توك.
وقال شاب لمراسل إحدى قنوات يوتيوب “لست سعيداً بهذه الحكومة أبداً، لا أستطيع أن أرى مستقبلا لنفسي في هذا البلد”.
وهناك شخص واحد من بين كل خمسة، عاطل عن العمل في تركيا، والوضع أسوأ بين النساء.
تحتل تركيا المرتبة الرابعة في العالم من حيث معدل الشباب غير العاملين أو غير المتعلمين أو الذين لم يتلقوا أي تدريب وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ويقارن شباب تركيا مستوياتهم المعيشية مع تلك السائدة في البلدان الأخرى ولا يعجبهم ما يرونه.
يقول شاب يبلغ من العمر 18 عاماً: “بالنسبة للشباب في الولايات المتحدة أو أوروبا، من السهل شراءهم جهاز آيفون براتبه”مضيفاً أنه “حتى لو كنت أعمل لشهور عدة، فلا يمكنني تحمل تكاليفه… لا أستحق أن يحدث لي هذا”.
ويستعد جيل الشباب للعب دور مهم في السياسة في تركيا، التي يحكمها حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان منذ عام 2002.
ما يقرب من تسعة ملايين تركي ولدوا منذ أواخر التسعينيات مؤهلين للتصويت في الانتخابات المقبلة في عام 2023 وقد يتسبب ذلك في مشكلة لحزب العدالة والتنمية.
أظهر أحد مقاطع الفيديو التي انتشرت على نطاق واسع أماً وهي تمدح الرئيس أردوغان بينما يناقضها ابنها البالغ من العمر ثماني سنوات، مشيراً إلى سوء تعامله مع الكوارث الأخيرة.
يعود نجاح الحزب الحاكم جزئياً إلى تدفق التمويل الأجنبي بعد الأزمة المالية لعام 2008.
لكن الكثير من النمو الاقتصادي لتركيا جاء من الإنفاق الحكومي والإقراض الذي ذهب لقطاع البناء.
ونتيجة لذلك، يستمر الإنتاج في الاعتماد على الواردات ويصبح الاقتصاد تحت رحمة تقلبات أسعار العملات.
قلة هم الذين يأملون في أن يؤدي النموذج الاقتصادي الجديد لأردوغان إلى إنقاذ الليرة التركية.
وسط حالة عدم اليقين هذه، يقول الخبير الاقتصادي، أردا تونجا، إن كل الرهانات متوقفة على ما سيحدث بعد ذلك.
وقال: “هذه هي المرة الأولى التي نستخدم فيها نموذجاً يخالف النظرية الاقتصادية تماماً. في السابق، حتى عندما كانت هناك أزمات، كنا قادرين على تخمين ما سيحدث، أما الآن فقد أصبح الأمر مستحيلًا”.