.
على وقع أنغام المزامير، وصوت بكاء ذويهم، شارك مئات في شمال العراق الخميس، بتشييع رفات 41 إيزيديا جرى التعرف عليهم مؤخراًبعدما عثر عليهم في مقبرة جماعية خلّفها تنظيم الدولة الاسلامية.
ورحّب كثر في قرية كوجو الصغيرة في جبال سنجار، حيث يقطن الإيزيديون تاريخيا، بفرح بحكم قضائي ألماني على جهادي عراقي بتهمة ارتكاب “إبادة جماعية”، على الرغم من قولهم إنهم لا يزالون ينتظرون المزيد من المجتمع الدولي لإحقاق العدالة في قضيتهم.
ووري الضحايا الخميس الثرى بتوابيت خشبية لفّت بالرايات العراقية وضعت عليها أكاليل من الزهور، فيما رفعت في مقدّمتها صور الضحايا من نساء وأطفال ورجال.
وهؤلاء هم من بين آلاف ضحايا التنظيم الذين قتلوا في صيف العام 2014 حينما بسط الجهاديون سيطرتهم على سنجار وثلث العراق. ونبشت رفاتهم من واحدة من عشرات المقابر الجماعية التي عثر عليها في كوجو، وتمّ التعرف عليها مؤخرا عبر فحوص الحمض النووي.
وحمل عسكريون عراقيون ارتدوا الزي الرسمي توابيت الضحايا على الأكف لنقلهم إلى مثواهم الأخير، على وقع أناشيد دينية رافقت الحدث، فيما بكت النساء ورفعهن أيديهن إلى السماء حزنا.
وجرى دفن الضحايا في مدرسة القرية التي تحولت إلى متحف تكريما لضحايا “مجزرة كوجو”.
ورفعت شابتان البخور في السماء، فيما عزف مئات الرجال بزي تقليدي أبيض على الدفوف والمزامير التقليدية.
“لم نعرف الراحة”
والد سليمان حسين وعمّه وابن عمه كانوا من بين رفات الـ41 شخصا الذين دفنوا. وقبل أن يتمّ إجراء فحوص الحمض النووي على الضحايا، تعرّف الرجل البالغ من العمر 53 عاما على ذويه من خلال بقايا ثيابهم وأغراضهم التي عثر عليها في المقبرة الجماعية.
ويقول الرجل الذي يعمل كاسباً بأجر يومي “نشعر بحزن شديد على شهدائنا”. ويعتبر سليمان الحكم الصادر أواخر نوفمبر عن محكمة ألمانية في حقّ عراقي من تنظيم الدولة الإسلامية بتهمة ارتكاب إبادة بحق الإيزيديين، “نصرا”.
لكن يضيف “لا بد من إجراءات ضد الآخرين… هكذا نستريح ونثأر لشهدائنا وأطفالنا وشرفنا وآبائنا”. وفيما رحب بالقرار الألماني، انتقد الرجل “الاهتمام الضعيف” من قبل المجتمع الدولي بقضية الإيزيديين.
وقال “نتمنى أن تتخذ كل الدول ولا سيما العراق إجراءات ضد الإرهابيين”.
وأعدم مئات الرجال والنساء في كوجو على يد تنظيم الدولة الإسلامية حينما اقتحم قريتهم في أغسطس 2014، والتي منها تنحدر نادية مراد الفائزة بجائزة نوبل للسلام. واختطف الجهاديون أيضا أكثر من 700 امرأة وطفل من كوجو. وجرى سبي النساء والفتيات فيما جنّد الأطفال من الصبيان.
ودّع كيجي عمو سلو أحد الناجين من أهالي قرية كوجو والبالغ من العمر 49 عاما، الخميس زوجة أخيه وأعمامه. وقال الرجل الذي دفن في فبراير الماضي خمسة من أخوته وأولادهم “يوميا جرحنا ينفتح من جديد”.
ويروي “خلال هذه السنوات السبع لم نعرف الراحة”. لكنه يقول إنه على الرغم من ذلك فإن “القرار الألماني أفرحنا كثيرا”، مضيفا “نطالب بمحاكمة جميع مرتكبي جرائم تنظيم الدولة الإسلامية”.
“ناجٍ وحيد”
في فبراير، دفنت رفات 104 إيزيديين في كوجو بعدما تم التعرف عليهم.
ويقطن الإيزيديون وهم أقلية ناطقة بالكردية في مناطق في شمال العراق وسوريا، ويعتنقون ديانة توحيدية باطنية. وهم يتعرضون منذ قرون للاضطهاد على أيدي متطرّفين بسبب معتقداتهم.
وتقول الأمم المتحدة إن تنظيم الدولة الاسلامية خلّف أكثر من 200 مقبرة جماعية قد تضمّ أكثر من 12 ألف جثة في العراق و5 آلاف في شمال سوريا. وعثر في سنجار على عشرات المقابر الجماعية.
ولا يزال 7200 شخص، بينهم نحو 3 آلاف إيزيدي، حتى الآن بعداد المفقودين في محافظة نينوى حيث تقع كوجو والموصل التي اتخذها التنظيم المتطرف “عاصمة” لخلافته قبل تحريرها في العام 2017، وفق السلطات.
وكتبت نادية مراد في تغريدة “اليوم، دفن أهلي 41 ضحية من الإيزيديين (26 رجلا و15 امرأة)”، مضيفة “قلبي مع كل العائلات التي تمكنت اليوم من تكريم أحبائها. لكن آلاف العائلات الأخرى لا تزال تنتظر دفن ذويها”.
وأكّد الطبيب زيد علي عباس، مدير دائرة الطب العدلي المتابع لملف المفقودين، وكان مشاركا في التشييع الخميس، أن العمل متواصل لتحديد هويات الضحايا من خلال “قاعدة بيانات تحتوي على حمض نووي من عائلات الضحايا”.
وأشار إلى وجود الكثير من التحديات في هذا الإطار “فعدد كبير جدا من الأهالي سافر خارج العراق في ألمانيا في كندا في أستراليا في فرنسا”، مضيفاً “هناك أيضاً عائلات بأكملها مفقودة وفيها ناجٍ وحيد لا يكفي من ناحية الحمض النووي”.
وجرى تحويل مدرسة القرية إلى متحف يضمّ بقايا قطع من ثياب الضحايا عثر عليها في المقابر الجماعية. ورفعت فيه عشرات صور لضحايا، منهم من هم في عداد المفقودين وآخرون تمّ التعرف عليهم، صور شابات مبتسمات، وشبان بثياب رياضية، ورجال.