لئن شكلت مواقف الرئيس برهم صالح محل احترام وتقدير من القوى العربية والدولية طيلة السنوات الأربع من رئاسته للجمهورية، فإنها جلبت له خصوما من القوى السياسية المؤثرة في المشهد العراقي والتي تريد رئيسا ضعيفا يأخذ بالاعتبار في تحركاته وتصريحاته مصالحها الضيقة وارتباطاتها الخارجية.
بغداد- يتعرض الرئيس العراقي برهم صالح لحملة ممنهجة تقف خلفها أطراف كردية وشيعية لعدم التجديد له في سدة رئاسة الجمهورية، وتربط أوساط سياسية هذه الحملة بمواقف الرئيس برهم صالح التي تتناقض مع مصالح وخلفيات تلك الأطراف وارتباطاتها الخارجية.
ويحرص برهم صالح الذي تولى منصب الرئاسة في العراق في العام 2018 على التعامل على نفس المسافة من جميع القوى السياسية في العراق، ويلزم نفسه بالدفاع عن الصالح الوطني بعيدا عن أي خلفيات فكرية أو تأثيرات عرقية، أو اصطفافات سياسية لطالما استنزفت الشعب العراقي وقادته إلى حافة الإفلاس.
ويؤكد الرئيس برهم صالح في كل إطلالاته على أهمية الحفاظ على وحدة العراق وسيادته، والنأي به عن لعبة المحاور التي أدخلت البلاد على مدار عقود في حروب وصراعات عبثية انتهت بها إلى حلقة مفرغة من الأزمات التي لا تنتهي.
ولا يملك الرئيس برهم صالح إلا صلاحيات رمزية. ولكنه حتى بقصر ذات اليد حيال آليات عمل نظام المحاصصات الطائفية في العراق نجح في تقديم معيار لإدارة المنصب لا يتوافق مع طبيعة المنظومة القائمة، ولا مع مصالح الذين يقفون وراءها.
وشكلت مواقفه محط احترام وتقدير كبيرين في الأوساط العربية والدولية على حد السواء، حيث نجح في أن يكون رئيسا لجميع العراقيين بدون تمييز.
وفي المقابل أثارت تلك المواقف غضب بعض القوى الرئيسية في العراق وفي مقدمتها الميليشيات الموالية لإيران والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يريد رئيسا من صفوفه يخدم تطلعاته وأهدافه السياسية، وليس شخصية “كردية” تعلي من الراية العراقية.
ويحظى إقليم كردستان بحكم ذاتي بيد أن الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يخفي مساعيه نحو الانفصال، وسبق وأن حاول في العام 2017 ذلك عبر إجراء استفتاء في الإقليم لتقرير المصير إلا أنه فشل في تحقيق هدفه في ظل رفض السلطة المركزية في بغداد وتحفظ المجتمع الدولي، ليدخل الإقليم في أتون أزمة لا تزال تأثيراتها مستمرة إلى اليوم.
وتقول الأوساط السياسية العراقية إن الحزب الديمقراطي يصر على إزاحة الرئيس برهم صالح ليخلفه قيادي من صفوفه يكون صدى صوت الحزب في أحد أهم المناصب في العراق، ويراهن على وجود تحفظات من قوى شيعية رئيسية موالية لإيران على الرئيس برهم صالح.
وتشير الأوساط إلى أن الحزب الديمقراطي الذي يقوده مسعود البارزاني يحاول استغلال حالة الضعف الظاهرة على غريمه الاتحاد الوطني، والانقسام داخل هذا الحزب حول تجديد ولاية برهم صالح لاقتناص المنصب الذي سبق وأن خسره أمام الأخير في العام 2018.
وقال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني عماد باجلان في تصريحات صحافية الاثنين إن الولاية الثانية لبرهم صالح مرفوضة بالأساس من قبل الكتل الشيعية قبل أن يقول الأكراد كلمتهم.
ولفت باجلان إلى أن “المباحثات والمناقشات بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني مستمرة لوضع أسس لتحالف واتفاقية استراتيجية جديدة”.
وشدد القيادي في الحزب الديمقراطي على أن “منصب الرئاسة هو من نصيب الأكراد ضمن العرف السياسي سواء كان من البارتي (الحزب الديمقراطي الكردستاني) أو اليكتي (الاتحاد الوطني الكردستاني)”، مشيرا إلى أن “الولاية الثانية لبرهم صالح مستبعدة حتى من الكتل الشيعية قبل أن يقول الأكراد نعم أو كلا”.
ويرى مراقبون أن الحزب الديمقراطي يراهن أساسا على القوى الولائية (الموالية لإيران) للحيلولة دون إعادة التجديد لبرهم صالح الذي لطالما أثارت تصريحاته الرافضة للتدخلات الأجنبية غضب تلك القوى.
ويشير المراقبون إلى أن المشروع الذي طرحه برهم صالح في وقت سابق من الشهر الجاري بمناسبة الاحتفال بمئوية العراق من شأنها أن تعزز تصلب تلك القوى حياله، حيث أن هذه القوى تريد رئيسا ضعيفا يضع في صدارة أولوياته مصالحها ومصالح القوى التي تقف خلفها، وهذا لا ينطبق على الرئيس برهم صالح الذي يسعى لعراق جديد عابر للطوائف والأجندات وبعيدا عن سياسة المحاور.
وكان الرئيس برهم صالح دعا قبل أيام إلى عقد اجتماعي وسياسي جديد في العراق، وقال في مقال نشرته صحيفة الصباح الحكومية “ونحنُ على أعتاب استحقاق وطني مهم بتشكيل حكومة جديدة يجب أن تكون مُقتدرة، نجد من الضروري الانطلاق نحو عقد سياسي واجتماعي جديد ضامن للسلم الأهلي ترسيخا للحكم الرشيد، يقوم على مُراجعة موضوعية لأخطاء وتجارب الماضي”.
الرئيس برهم صالح يؤكد في كل إطلالاته على أهمية الحفاظ على وحدة العراق وسيادته، والنأي به عن لعبة المحاور التي أدخلت البلاد على مدار عقود في حروب وصراعات عبثية
واعتبر أن “الشروع في هذا العقد ليس مطلباً ترفياً، بل ضرورة حتمية، يُشارك في صياغته الرأي العام الوطني بفعالياته السياسية والاجتماعية، حيث أن المسؤولية التاريخية والوطنية والظرف الراهن الدقيق يقتضيان العمل الجاد على إنهاء دوامة الأزمات. ففي نهاية المطاف لا الشيعة ولا الأكراد ولا السنّة ولا باقي المكونات راضون عن الوضع الراهن، ويُقرّون باستحالة استمراره”.
وشدد برهم صالح على ضرورة “تعزيز السياسة الخارجية المرتكزة على النأي عن سياسة المحاور والصراعات، وبناء علاقات متوازنة مع الجميع، فالعراق الذي كان عنوانا للتنازع يجب أن يكون عنوانا لتلاقي مصالح المنطقة التي من مصلحتها أيضا عودة العراق إلى دوره المحوري، وإنهاء تنافسات الآخرين على أرضه، وعلى أرض العراق تُحسم التوازنات، وفي بغداد تلتقي الثقافات حيث عاصمة الحضارة ومركز التنوع والتسامح”.
ويعد العراق ساحة تنافس رئيسية لدول المنطقة وغيرها مثل إيران والولايات المتحدة، وهو ما انعكس سلباً على الأوضاع الداخلية طيلة سنوات طويلة.