كتب الشاعر والكاتب حميد قاسم على صفحته في (فيس بوك)، في الأيام الأخيرة من العام المنصرم، جملة لفتت انتباهي: (كانت أمسية رائعة بحضور نوعي وغياب الأدباء “أصدقائي”)! ونشر معها صورا عن جلسة أدبية له خصصت لروايته الأخيرة (ظهر السمكة).
أستوقفني واثارني، هذا الشعور بالحزن أو لنقل الإحباط الذي اوحت به الكلمات القليلة، بسبب من غياب الأصدقاء، خصوصا، من الادباء، عن حضور جلسة أدبية مخصصة لكاتب معروف جيدا بمجمل جهده الإبداعي، فما هي الاسباب؟ هل هو شأن شخصي؟ أم شانا عاما في حياتنا الثقافية؟ أم ان جميع الأصدقاء ـ الادباء صادف وحصلت لهم ـ كلهم! ـ مرة واحدة، احداث طارئة عرقلت وصولهم الى المكان؟
هل هذا العزوف يعكس سيكولوجيه معينة عند مثقفنا العراقي، الذي ربما يرى نفسه مبدعا أوحدا، وينظر لغيره بشيء من التعالي، فلا يجده يستحق جهدا لحضور أمسيته؟ أحزنني ان بعض من قواميس اللغة إذ تذكرنا بان العزوف (أسم من فعل عزف وهو عزوف عن كذا يعني مبتعد، ممتنع عنه)، فأنها في باب اخر تفيد بان (رجل عزوف هو من لا يثبت على وفاء أو مصادقة أحد!) أهذا هو ما يجري يا ترى؟ أم ان البعض من الادباء ـ الأصدقاء، يعمل تحت دافع الغيرة ويرى في ان حضوره قد يمنح الكاتب المعني اهتماما يسلط الضوء عليه أكثر مما يستحق، فهو ليس من مقامه وبقامته و.. الخ؟
عانيت شخصيا من هذا الحزن والاحباط أيضا حين وقعت روايتي الأخيرة (مواسم الانتظار) مؤخرا ضمن فعاليات معرض العراق الدولي للكتاب في اواسط ديسمبر/ كانون العام الماضي في بغداد. كنت وانا على المنصة ابحث بين الجمهور عن وجوه بعض الادباء من المعارف والاصحاب. حرص على حضور مراسيم التوقيع أصدقائي الشخصيين من أيام الدراسة الجامعية، بل وأسرهم، كان هناك حضور جيد من جمهور المعرض، لكني وجدت وبعدد أصابع اليد مثقفين من الذين شخصيا وبشكل مباشر وجهت لهم دعوات للحضور، وكنت قضيت ساعات أوزع الدعوات عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، مرفقا معها جمل لطيفة عن الصداقة والآمل والعراق، واحتفظ بقائمة طويلة من هذه الأسماء. وحتى المثقفين الذين التقيتهم صدفة، في شارع أو مقهى او خلال أيام معرض الكتاب في بغداد، استثمرت الفرصة ودعوتهم فوعدوا لكنهم أخلوا بالوعد دون أي اعتذار!! سالت نفسي يومها بحرقة وألم: أهو موقف شخصي؟، لم أجد ثمت ما يدعو لتصديق هذا التساؤل، فلست على خلاف أو إشكال شخصي مع أي من الذين دعوتهم، وإلا لماذا أدعوهم أساسا؟
كنت اعتقد ولحين ان ثمة لعنة ما تلاحق (كتاب الخارج)، فالمثقفون والصحفيون (من أهل الداخل) بدا لي أنهم ليسوا معنيين بأي نشاط أو ما يقدمه هؤلاء (المترفون بنعم الحياة الاوربية) من جهد وابداع، لكن تعليق صديقي الشاعر حميد قاسم عن جلسته الأدبية وما ذكره عن غياب الادباء ـ الأصدقاء، جاء ليطفأ نيران شكوكي شيئا ما. ولابد من القول هنا ان الصديق حميد قاسم كان الوحيد الذي حرص على لقائي في بغداد بموعد خاص وقدم لي روايته الجديدة كهدية وزينها بإهداء جميل مشترك، لي ولشادمان ـ شريكة حياتي، وقضينا وقتا ممتعا في الحديث في شؤون الادب والعراق.
ان ما كتبه الشاعر حميد قسم، جعلني افهم بان هذه (المحنة) ـ هل هي محنة حقا؟ ـ، محنة حميد قاسم ومحنتي، هي ربما محنة كثير من المثقفين.
نعم، للأسف اعتقد ان هناك ثمت سيكولوجيه ما تنمو طاردة للشعور بالمسؤولية تجاه الاخر، تغذيها روح الشللية والاخوانيات التي تفقد الحياة الثقافية روحها الحقيقية وحيويتها المطلوبة. فيا ترى كم من مثقف بادر وتابع اخبار زملائه وسجل في تقويمه الخاص موعد لأمسية أو نشاط ما وقرر الحضور؟ هنا ازعم بان بعض الحضور في الاماسي والاصبوحات يأتي في سياق المجاملة، وفي سياق نشاط اجتماعي عام (اللقاء بأكبر عدد من المعارف مرة واحدة). فأرى هنا اننا بحاجة للكثير، لننفض عنا روح الكسل في تحمل المسؤولية والاحساس بجهد الاخرين واكتشافه والتفاعل معه بروح التلمذة والتواضع والمحبة.
أن جيلا جديدا يا أصدقائي المثقفون ينهض يراقب افعالنا عن كثب.