بحماس كان جليل يقود حديثا متواصلا اشتركت فيه زوجتي وسكينة عن التطورات الجارية في بلدنا، وعن مسار العملية السياسية فيه التي يشير لها الدستور بانها عملية انتقال نحو العراق الديمقراطي الاتحادي. وكونها عملية انتقال من واقع الدكتاتورية الى وضع جديد، حيث تشهد العملية السياسية صراعات بينها وبين اعدائها المعروفين وخاصة من بقايا النظام المقبور الذين يجدون في التغيير الذي حصل بعد 2003 تهديدا لمصالحهم.
كانت زوجتي تكرر ان المهم معرفة ان هناك صراعا داخل العملية السياسية ذاتها حيث هناك اتجاهات بشأن مسارها وحتى في رؤى تشكيل الدولة. كانت سكينة تقول ان العملية السياسية فيها طيف واسع من القوى والشخصيات، ومن الفئات والشرائح الاجتماعية التي ليس بالضرورة مصالحها متطابقة ومتماثلة في كل المراحل.
لم أجد انهم مختلفون في حديثهم ووجهات نظرهم وكدت أقول لهم لماذا أنتم تتجادلون، ثم انتبهت الى ان جليل يقود هذا الحديث لإثارة صديقي الصدوق أبو سكينة ولأجل اشراكه معهم واخراجه من صمته ومزاجه العكر. فعند دخولنا بيته تأخر علينا قليلا وسمعته يكرر بانزعاج لأم سكينة وهو يغادر غرفته: يا بنت الناس راح يصير عمره من عمر نوح.
جلس الى جانبنا متأففا دون كلام كثير، رغم محاولاتنا لإشراكه في الحديث، فبادر جليل لإثارة الحديث عن العملية السياسية في العراق وكونها أقيمت على منهج المحاصصة، وكيف جاء بذلك المحتل الامريكي بعد 2003 وكيف لاقى الامر قبولا من عدد من الأطراف العراقية خاصة التي أصبحت متنفذة في قيادة الدولة.
فحاولت من جانبي الاشتراك في اللعبة التي يقودها جليل فقلت: من جانبي اعتقد ان أي رغبة للتغيير في النظام السياسي في العراق يجب ان تتقدمها عمليات اصلاح جادة، ان تكون هناك ممهدات وفق برامج واضحة مدعومة بإجراءات قانونية. ان عملية التغيير يعني تغيير نمط التفكير، تغيير في بنية المؤسسات والخلاص من نهج المحاصصة الطائفية والاثنية الذي أدى الى انتشار الفساد والتشظي المجتمعي.
سعل أبو سكينة فالتفتنا نحوه جميعا: والله وألف تلاه اعرف انكم تريدون تحجوني، صار لكم ساعة وأنتم تكررون اصلاح لو تغيير؟ وشلون يصير التغيير؟ عيوني أنتم.. يا بعد روحي. سالفتكم عندي كلش بسيطة وواضحة، مثل سالفة هذا القميص اللي معكر مزاجي واجبرتني ام سكينة على لبسه. أقول لها يا بنت الناس بعد ما يفيد بيه لا تقلبين الياخة، ولا تخيطين له ازرار جديدة، يا بنت الناس هو نفس القميص. الحل الوحيد هو قميص جديد وأخلص، بعد ما يفيد، لا تظلين تركعين بالقميص وهو تعبان أساسا، حتى لونه كشف وصار مكانه الوحيد في …
سعل بصوت عال وضاعت الكلمة الأخيرة، لكني فهمتها!
* طريق الشعب . العدد 68 السنة 84 الاثنين 19 تشرين الثاني 2018