لماذا الآن وليس قبل عدة سنين؟ هل هذه صدفة؟ ألا تعلم أمريكا أماكن تواجدهم حقا؟ ألم تلتق أمريكا معهم في روزئافا بل وربما في قنديل؟ هذه اسئلة تحتاج الى اجوبة من أمريكا بالذات ولكنني هنا سأركز على الاسباب الحقيقية الكامنة وراء نية أمريكا معرفة أماكن تواجدة قادة حزب العمال الكوردستاني ورصد مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات حول هذا الخصوص تمهيدا لالقاء القبض عليهم أو قتلهم ويحلو للبعض القول بأن أمريكا ستسلمهم لتركيا مقابل أشياء أخرى، وكأن أمريكا بمثابة حيوان السلوكي الذي يصطاد الارانب ويسلمها لسيده.
بعد وصول حريق ما سماه المحلليين بالربيع العربي الى سوريا وبالتحديد البداية كانت من درعا بتاريخ 15 / 3 / 2011 م، أخطأ معظم المحللين والسياسيين في العالم وفي سوريا عمّا سيؤول اليه مصير سوريا ونظام حكم البعث هناك، سأكتفي هنا بما كان يفكر به الكورد آنذاك: معظم الاحزاب الكوردية بل وربما جميعها كانوا يؤكدون بأن النظام سيسقط خلال عدة أشهر ولذلك انضموا الى كتلة المعارضة العربية التي سميت فيما بعد بالائتلاف الوطني السوري لغايات كانوا يعلنونها بشكل واضح، وحده حزب الاتحاد الديموقراطي الذي تأسس في عام 2003 م أعلن بأن النظام سوف لن يسقط على المدى القريب وتحرك تكتيكيا واستراتيجيا بهذا المنحى الذي تأكد صوابه بعد مرور حوالي ثمانية سنين.
تبيّن من خلال هذه السنين الطويلة من الحرب الاهلية في سوريا ومن خلال تأسيس دولة الخلافة الاسلامية في سوريا والعراق وتكوين عاصمة لها في الرقة وأخرى في الموصل وبعد القضاء الشبه التام على داعش واسترجاع وتحرير الاراضي، تبيّن للعالم كله مدى صعوبة سقوط النظام السوري والنظام العراقي ايضا وذلك لعوامل كثيرة لست بصدد ذكرها الآن.
معظم المحللين السياسيين وخاصة الاحزاب الكوردية التابعة ل الانكسة تجاهلوا الفرق بين الدول العربية الاخرى التي يحمكها سلاطين وحكام وملوك اوتوقراطيين وبين سوريا التي يحكمها حزب البعث والعراق الذي كان يحكمها ايضا حزب البعث حتى سقوط بغداد وحزب البعث في عام 2003 م، وهؤلاء ايضا لم يكن يدركوا بدخول لاعبين كثيرين الى اللعبة السورية فيما بعد ومنهما اللاعبين القويين أمريكا وروسيا وفيما بعد تركيا وايران وسوريا وحزب الله اللبناني التابع لايران والآلاف من الفصائل المتطرفة من كل انحاء العالم واشتراكهم في الحرب الاهلية القذرة بواسطة ومساعدة تركيا التي فتحت لهم جميع الابواب على مصراعيها للدخول والخروج الى سوريا وروزئافا حين اللزوم.
بعد أن بدأت الحرب المسلحة في سوريا وذلك بعد مرور حوالي نصف سنة من بداية الحراك الشعبي والمظاهرات السلمية بدأ ذلك الحراك يتحول الى حرب مسلحة ضد أركان الدولة مطالبة بسقوط النظام بقوة السلاح وجرى ما جرى حتى الآن ولا زال النظام صامدا لاسباب بات نعرفها الآن جميعا.
منذ بدأ الحرب المسلحة كان موقف الكورد بطرفيه الانكسة و تف دم واضحا حيث أن تف دم اختار الخط الثالث واستفاد من الفراغ السياسي الذي تركه النظام في روزئافا وبدأ بحماية مناطقه وتحريرها من القوى الظلامية مثل جبهة النصرة وداعش وغيرها من القوى المتطرفة التي كانت تنوي ابادة الكورد في روزئافا واما الانكسة فربطوا مصيرهم بالائتلاف الوطني السوري وآلت الامور حتى احتلال تركيا لعفرين في شهر آذار من هذا العام وبمساعدة الائتلاف الوطني السوري الذي ينتمي اليه ايضا الانكسة.
الخلافات التركية الأمريكية باتت عميقة جدا منذ احتلال امريكا للعراق في عام 2003 م وعدم سماح تركيا لاستخدام أمريكا لاراضيها وخاصة قاعدة انجرلك القريبة من العراق علما بأنهم حليفين وعضوين اساسيين في حلف الناتو.
بعد دخول أمريكا الى سوريا وروزئافا باتت تعتمد بشكل اساسي على القوات المقاتلة الكوردية المتمثلة ب قسد وال ي ب ز وال ي ب ك وبذلك حمت عسكرها هناك من الارهابيين واستعبرت من حربها ضد تنظيم القاعدة في العراق، وهنا تلتقي مصلحة الطرفين بالحرب على الارهاب فأمريكا باتت تعتبر الكورد حليفا اساسيا لها في سوريا وباتت تقدم لهم الدعم المادي والمعنوي واللوجستي بشكل دائم، وهذا ما يزعج تركيا التي تهدد الكورد بشكل يوميا وعلى لسان رئيسها وكبار مسؤوليها مدعين بأنهم سيهدمون الهيكل الارهابي بحسب قول أردوغان الكائن في شمال سوريا.
التهديدات التركية لا تتوقف كما لا يتوقف تدفق نهري دجلة والفرات في منطقة روزئافا، ولا يوجد لدي أدنى شك بأن قرار أمريكا بشأن قادة ال ب ك ك نابع من التطورات الجارية في روزئافا بل ويصب في صالح روزئافا.
في كل لقاءات المسؤولين الاتراك والامريكيين تقول تركيا بأن حزب العمال الكوردستاني وحزب الاتحاد الديموقراطي لا يختلفان عن بعضهما والحزب الاخير هو جزء من حزب العمال الكوردستاني في شمال سوريا وبالعكس تؤكد أمريكا بأن الحزبين يختلفان عن بعضهما البعض.
أنا أعتقد بأن القرار الامريكي جاء في الوقت المحدد الذي يتعرض فيه روزئافا الى خطر حقيقي من هجوم تركي شامل بواسطة القوى العسكرية المنضوية في الائتلاف الوطني السوري والقوى الاخرى التي شكلتها تركيا كقوى مرتزقة تابعة لها، جاء بمثابة ارضاء لتركيا وشد لجامها او بمثابة رمي عظم وطعمة لها لتهدأ في الوقت اللازم.
بهذا القرار تؤكد أمريكا مرة أخرى بوجود الفرق بين ال ب ك ك وال ب ي د ولكي تؤكد جديتها لتركيا أعلنت عن مكافأة لمن يدلي بأماكن تواجد ثلاثة من قادة ال ب ك ك وهم: جميل بايك ومراد كريلان ودوران كالكان، وبهذه الطريقة أوقفت أمريكا تركيا بالهجوم الشامل على روزئافا في الوقت الحالي على الاقل، وأعتقد بأن القرار الامريكي جاء لصالح الكورد في روزئافا وستثبت الايام القادمة وربما الشهور والسنين القادمة هل كانت امريكا جدية بشأن القرار المتخذ حول قادة حزب العمال الكوردستاني أم لا أم كان ذلك بهدف حماية مصالحها وحماية روزئافا من الاحتلال التركي؟.
سيف دين عرفات – ألمانيا –