هاف بوست عراقي ـ رصد المحرر- ز.ا.و: كتب طارق حرب: المطيرچية؛ أي اللاعبون بالطيور ظاهرة قامت في بغداد من تاريخ بنائها ففي الكتب التي تبحث في الفتره التي تلت بناء بغداد عام 150 هج سنة 762 م ان تخطيط أسواق بغداد بعد ان قرر باني بغداد الخليفه العباسي المنصور نقل الاسواق خارج مدينتة المدوره الصغيره التي تتولى الحكم والاداره تذكر ان مع اسواق بغداد في تلك الفترة.
كان هنالك سوق الحمام نسبة الى الحمامه وليس سوق الطيور كما هو عليه الحال فاللفظ تغير من الحمام الى الطيور الان ويذكر لنا تاريخ بغداد ان ظاهرة اللعب بالطيور كثرت زمن حكم الخليفه العباسي المقتدي بأمر الله الذي حكم بغداد عام 467 هج سنة 1075 م وبسبب كثرتها وكثرة اللعب بها اصدر هذا الخليفه أمراً بتخريب جميع أبراج الطيور معللاً السبب بأن التخريب يأتي صيانة لحرم الناس.
ويذكر لنا تاريخ بغداد انه لما دخلت جيوش هولاكو التي اسقطت الحكم العباسي عام 656 هج سنة 1258م قامت بحرق سوق الغزل بما فيه الجزء المخصص لبيع الطيور فهولاكو احرق سوق الطيور ببغداد وبقى السوق كذلك الى ان اعادته الخاتون مخدوم شاه التي تلقب (ايكچي) وهي مرضعة السلطان أويس الجلائري الذي حكم بغداد سنة 1356م زمن الدوله الجلائرية اذ أعادت مخدوم شاه بناء سوق الغزل مجدداً بما فيه القسم المختص بالطيور سنة 1362م وبعد دخول الانگليز الى بغداد اعتقد الانگليز ان مأدنة جامع سوق الغزل سوف تسقط لذلك أبعدوا سوق الطيور الذي كان بجوار الجامع خشية سقوط المأدنة.
وتدمر الطيور واصحابها ولكنها عزفت عن ذلك بعد حين واذا لم يكن ( مطيرچية) زمن الرسول والخلفاء الراشدين وبعدهم بفترة طويله فأن فقهاء بغداد وعلمائها ناقشوا مسألة قبول شهادة لاعب الحمام (المطيرچي) من الناحية الشرعية وذلك يعني ان هواية اللعب بالحمام او الطيور ظهرت ببغداد والا لما ناقش علماء بغداد مسألة قبول شهادته من عدمه لانه يشترط في الشاهد العداله اي هل تتوفر في ( المطيرچي) العدالة؟.
وهل يمكن قبول شهادته فأتفق اغلبية الفقهاء على عدم قبول شهادة (المطيرچي) وهذا ما أخذ به القانون المدني العثماني المسمى مجلة الاحكام العدلية والذي طبق في ولاية بغداد بأعتبارها جزء من الدولة العثمانية واستمر تطبيقه زمن الادارة الانگليزية وحتى سنة 1953 حيث انتهى تطبيق القانون العثماني وابتدأ تطبيق القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 الذي الغى الحكم الخاص بعدم قبول شهادة بعض الناس منهم ( المطيرچية).
وسبب عدم قبول شهادته هو ما قال به فقهاء بغداد من ان (المطيرچي) مخروم المروءه لانه يلازم سطح الدار ساعات طوال فيطلع على عورات النساء في بيته والبيوت المجاوره عندما كانت بيوت بغداد ذات ارتفاع متماثل وليس عمارات وابراج ومخروم المروءه لا شهاده له كذلك فأنِ( المطيرچي) ذو غفلة اي من المغفلين وهذا يتحقق في قضاءه الساعات وهو ينظر للسماء والطيور وهذا يورث غفلة والمغفل لا شهادة له وان كان قد اضيف لها سابقاً انه يحلف اليمين مرات على طير بخس الثمن لذلك فأن احد اطراف الدعوى امام المحاكم اذا صاح (الشاهد مطبرچي) فا الشاهد اما ان يهرب من المحكمه اًو يوقف القاضي الدعوى لجين التبين من الامر وهل ان الشاهد ( مطيرچي) فعلاً وفي نهايات العهد العثماني وطيلة العهد الملكي وما بعد ذلك كانت سوق الغزل وجامع الخلفاء في رصافة بغداد معلماً تاريخياً لبغداد القديمه حيث السوق الرئيسيه لباعة الطيور في جميع انحاء العراق وليس بغداد فقط بأنواعها من الحمام( الفختي والزرگي والطبانه والببغاء والبلبل والشحرور وطيور الحب والبط والوز والهدهد والدراج والقبچ والمسكي والعنبري والرمادي والاصفر والرمادي والفضي والزنكي وأبو خشيم والمحجل ) ووغيرها.
فهواة الطيور ( المطيرچية) لهم من الاسماء الكثيرة وماكان من تراث بغداد لدى هوءلاء متمثلاً بقيامهم بأطلاقها من ابراجها واوكارها صباحاً ومساء في كل يوم ويستمر تحليقها في سماء بغداد التراثية وتختلط الاسراب حال طيرانها بعضها مع بعض وعيون اصحابها مشرأبه اليها الى ان تنزل ويعود كل سرب الى وكره وبرجه وعادة ما يبني هواة الطيور الاقفاص من جريد النخل والقصب على اسطح منازلهم لايواء الطيور حتى يبلغون عددا وعمراً معيناً حيث يطلقونها تطير في السماء بمجموعات وتدور بنسق جميل حول دار صاحبها الذي يمسك بيده قصبة طويله يربط بطرفها الاخر قطعة من قماش أسود يلوح بها لطيوره كي تبقى طائره وكثيراً ما تصدر منه صيحات عاليه نحو الطيور ليرغمها على الطيران والدوران وبعد ان يصيب الطيور التعب تعود الى سطح الدار حيث يقدم لها طعامها وشرابها بعد تنظيف مكانها مما القت فيه بالليلة السابقه فيكون بذور و حبوب الدخن مفضلاً عند الطيور على انواع الحبوب الاخرى وبعدها تبدأ راحتها والويل الويل لاطفال الدار اذا صدر منهم ما يقلق راحة الطيور ومن محلات بغداد التي اشتهرت بكثرة هواة الطيور ( المطيرچيه) باب الشيخ والصدريه وبني سعيد والجوبه والهيتاويين والفضل والمهديه وقنبر علي والشيخ عمر وسوق حماده وعلاوي الحله وبكلمة موجزه توزع ( المطيرچيه) على جميع محلات بغداد وطبيعي ان سوق الغزل استمر اكبر اسواق الطيور وان ظهرت اسواق صغيرة في شارع عشرين بالاعظميه وفي بداية شارع المغرب في محلة الكسره ولا بد من ملاحظات على هذه الهوايه كثرة الشجارات بين الهواة خاصة عندما يخالف احدهم القواعد التي تحكم شروط حيازته لطير يعود لمطيرچي آخر حيث يجب ان يحصل عليه بطريقه حددتها تلك القواعد اما اذا خالفها( المطيرچي) فعليه اعادة الطير فوراً لصاحبه كذلك حصلت جرائم قتل واعتداء بسبب الطيور كماان هذه الهوايه تشغل الطلبه فتراهم يتركون الدراسه واهم اعداء ( المطيرچيه) هم القطط التي تأكل الطيور لذلك تراهم لا يتوقفون عن قتلها والطيور والمطيرچيه عالم كبير ورحم الله شيخ مطيرچية محلتنا محمد ابو غصون الذي لا يتعامل مع طيوره الا بارتداءه الزي الخاص بالشقاوات الجديد والجميل وعندما نسأله يقول هل تقبلون ان يذهب احدكم لحبيبته بدون ملابس جميله وابو غصون وان لم يكن شقاوه لكن هذه اعتاد على هذا الملبس قبل صعوده السطح متوجهاً للطيور وهذه الهواية التراثيه على وشك الزوال حالياً.