لازالت اغلب الشعارات التي يرفعها المتظاهرون في العراق والبلدان العربية تتمحورحول حقوق المواطنين المغيبة في عقول الحكام الفاسدين، فلا تنمية ولافرص عمل ولاعدالة اجتماعية ولاخدمات، ولاتعامل مع المواطن الا لتنفيذ الواجبات، بعد اختصار تعريفه بـ ( رقم ) ضمن قوائم الاحصاءات الأمنية، المراقبة تفصيليا على مدار الساعة، في صورة تعكس خواء العقول التي اعتمدت منهج القمع المفرط لادامة السيطرة الامنية على البلدان .
لقد عانى شعبنا العراقي من تراكمات ثقيلة ومستمرة بسبب برامج الحكومات الفاشلة منذ عقود، والتي انتجت واقعا مريرا، تراجعت فيه مؤشرات العدالة واحكامها امام طغيان الفساد وتداعياته الاجرامية،ليعم الخراب ويتصاعد الارهاب، كنتيجة طبيعية لاعتماد الطائفية منهجاً عقيماً لادارة البلاد منذ سقوط الدكتاتورية .
لقد بدد حكام العراق الثروات والفرص الثمينة للتطوروالبناء، بمغامراتهم في الحروب في زمن الدكتاتورية، وبالسرقات والمشاريع الفاشلة والوهمية في زمن الطائفية، ليتحول العراق الى ساحة صراع للاعبين الاقليميين والعالميين على حساب مصالح العراقيين، وليدفع الفقراء الاثمان الباهضة من دماء ابنائهم وممتلكاتهم وأمنهم ومستقبل اجيالهم، في تسلسل متصاعد للمآسي العبثية منذ تاسيس الدولة العراقية .
ارتبطت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 باتفاقيات وبرامج لوجستية مع شركات توريد السلاح الغربية والأمريكية على وجه الخصوص، أكثربكثيرمن نظيراتها شركات تطوير الخدمات التي يحتاجها المواطن، او الشركات المتخصصة باعادة تشغيل آلاف المصانع والمعامل العراقية المتوقفة عن الانتاج، لتوفر فرص عمل للعراقيين ودعم لميزانية البلاد ، وهو منهج تشجع عليه وتدعمه سياسات الغرب وحلفائه، المرتكزة على خلق الأزمات وأدارتها في العراق والمنطقة، وفق مسلسل مدروس يضمن استمرار دوران خطوط انتاج مصانع السلاح، التي توفرأعلى نسب الارباح للشركات الرأسمالية المتحالفة مع الادارات السياسية في بلدانها .
ان الأمان الاجتماعي الذي توفره التنمية هو الأساس في تطورالبلدان وحفظ كرامات الشعوب، وليس سياسات القمع والحروب، وهوماافتقرت اليه برامج الحكومات العراقية منذ عقود، ليتحول العراق الى سوق استهلاك مفتوح يلعب فيه تجارالسلطة بلاضوابط ولااحكام، بدلا من تحويله الى قلعة انتاج زاخرة بالطاقات والامكانات والعقول، لتساهم في اعادة البناء لبلد انهكته موجات الصراع واراقة الدماء .
كل الاطراف تعرف تماماً اسباب وتداعيات وتفاصيل احداث انتفاضة تشرين، والظروف التي احاطت بها، وتعرف كذلك امكانية انطلاقها من جديد بقوة وعزم اكبر، لانها لازالت قائمة ومتجددة في ضمائرالتشرينيين وعموم العراقيين، وان اكبر محركاتها التي لاتهدأ، ملف الكشف عن قتلة الشهداء ومصير المغيبين، ليتحقق مبدء ( عدم الافلات من العقاب ) الذي هو قاعدة اساس لتحقيق العدالة، الضامنة للحقوق والمراقبة للواجبات والمحققة للمساواة امام القانون .