.
“أجواء حرب” تعيشها الأحياء التي تسيطر عليها القوات الكردية في محافظة الحسكة السورية، منذ ليلة الخميس – الجمعة، بعد تمرد داخلي وهجوم خارجي بدأته خلايا “نائمة” تتبع لتنظيم “داعش” في سجن الصناعة بحي غويران.
ويضم “غويران” نحو 3500 سجين من عناصر وقيادات “داعش”، وهو أكبر سجن للتنظيم في العالم أجمع، بحسب ما يقول “المرصد السوري لحقوق الإنسان” في تقرير نشر له الجمعة.
وعلى الرغم من أن السجن شهد خلال السنوات الماضية الكثير من حركات “تمرد السجناء”، إلا أن تفاصيل الحادثة التي استهدفته في الساعات الماضية تعتبر الأولى من نوعها، من حيث التخطيط أولا وطريقة التزامن اللافت ما بين الداخل والخارج ثانيا.
وبدأت القصة، بحسب ما قالت مصادر صحيفة في الحسكة لموقع “الحرة” بتفجير خلايا داعش سيارة مفخخة بالقرب من السجن، في منطقة تضم العديد من الصهاريج المحملة بالمحروقات.
وبعد ذلك وبالتزامن مع الانفجار الذي أدى إلى اشتعال عدد من الصهاريج بدأ السجناء تمردا داخل المهاجع التي يحتجزون فيها، حيث أقدموا على حرق الأغطية والمواد البلاستيكية، في محاولة لإحداث الفوضى، بحسب بيان نشرته “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تسيطر على المنطقة هناك.
وعلى إثر الحادثتين المذكورتين دارت اشتباكات ما بين “قسد” والقوى الأمنية المعروفة باسم “أسايش” من جهة وعناصر داعش الذين حاولوا اقتحام البوابة الغربية والشمالية لـ”غويران” من جهة أخرى.
وما تزال الاشتباكات مستمرة حتى اللحظة، وتتركز بشكل أساسي في حي الزهور المحاذي لحي غويران، بحسب ما يقول الناطق باسم “قسد”، فرهاد شامي لموقع “الحرة”.
ويوضح شامي أنهم “تمكنوا في الساعات الماضية من السيطرة على محاولتين للفرار الجماعي لعناصر داعش من السجن”.
ويضيف: “الاشتباكات مستمرة وبشدة في محيط السجن من الجهة الغربية والشمالية. داعش يستخدم منازل المدنيين كخنادق، ومنع لحد اللحظة أكثر من 250 عائلة من مغادرة حي الزهور”.
وبحسب ذات المتحدث: “داعش يستخدم المدنيين كدروع، ونحاول التحقق من تقارير تؤكد تصفية أربعة مدنيين في حي الزهور من قبلهم”.
وفي رده على سؤال يتعلق عما إذا كان سجناء داعش قد سيطروا على السجن من الداخل بالفعل كما ذكر “المرصد السوري”، أجاب شامي: “تلك الأخبار دقيقة. هي عمليات عصيان وتمت السيطرة على محاولتين منذ أمس”، مشيرا إلى أن قواتهم “تتحرك بكل حذر ودقة وتأخذ سلامة المدنيين في أي خطة عسكرية”.
“التحالف على الخط”
ونشرت الصفحة الرسمية لـ”قسد” تسجيلا مصورا عبر “فيس بوك” وثقت فيه دخول قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية على خط الاشتباكات في حي الزهور، الذي تنتشر فيه خلايا داعش التي حاولت الاقتحام.
وقالت “قسد” في بيان: “قوات تابعة للتحالف الدولي تقوم باستهداف مجموعات من خلايا تنظيم داعش محيط سجن الصناعة في مدينة الحسكة، موقعة جميع أفراد الخلية بين قتيل وجريح”.
وجاء في البيان أيضا: “قوات سوريا الديمقراطية تتمكن أيضا من إلقاء القبض على نحو 110 من عناصر تنظيم داعش الذين تمكنوا من الفرار من سجن الصناعة وتعيدهم إلى أحد سجونها الأخرى”.
من جهته ذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أن القوى العسكرية تحاول استعادة زمام الأمور، وأشار إلى سقوط 18 قتيلا من القوات الكردية، إثر الاشتباكات.
ولفت بيان للمرصد، الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له، إلى أنه “وثّق مزيدا من الخسائر البشرية على خلفية الهجوم”، إذ “ارتفع تعداد قتلى أسايش وحراس السجن إلى 18، ممن قضوا جميعا بالأحداث التي تشهدها المنطقة” منذ ليلة الخميس.
ويشير الصحفي السوري المقيم في مدينة القامشلي، عكيد جولي إلى أن العديد من عائلات حي الزهور نزحت بسبب الاشتباكات إلى أحياء: الناصرة، الكلاسة، تل حجر.
ويقول جولي لموقع “الحرة”: “هجوم داعش كان مدروس بشكل دقيق جدا”، وهذا يرتبط بسر التزامن مع بين تمرد السجناء في الداخل وهجوم نظرائهم من عناصر الخلايا في الخارج.
ويتابع الصحفي السوري: “السجن هو قنبلة موقوتة، إلى جانب قنبلة مخيم الهول. من يقوم بالاشتباك مع قوات سوريا الديمقراطية في حي الزهور هم العناصر الذين قدموا من الخارج”.
ولم يصدر حتى اللحظة أي تعليق من جانب تنظيم داعش، والذي كان ينشر أخبار هجماته منذ ظهوره عبر حسابات وهمية في مواقع التواصل الاجتماعي، سواء تويتر أو عبر تطبيق “تلغرام”.
“أمر خطير”
وبحسب السلطات الكردية في شمال وشرق سوريا، يحتجز أكثر من 12 ألف شخص يشتبه في انتمائهم إلى التنظيم، مع وجود أكثر من 50 جنسية مختلفة في عدد من السجون التي يديرها الأكراد.
واللافت أن ما شهده سجن غويران تزامن مع إعلان مصادر أمنية عراقية عن سقوط 11 قتيلا من الجيش العراقي، بينهم ضابط، بهجوم لداعش في محافظة ديالى، الواقعة شمال شرق بغداد.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية (واع) عن مصادر أمنية، قولها إن “عناصر من داعش هاجموا فجر اليوم الجمعة، بشكل مباغت، مقرا للجيش العراقي، يقع بين قرى الطالعة وأم الكرامي غربي بلدة العظيم بمحافظة ديالى شرقي العراق، وتمكنوا من قتل 11 عنصرا بينهم آمر الفوج وهو برتبة ملازم أول”.
وأشارت الوكالة إلى أن القوات العراقية اتخذت “إجراءات أمنية مشددة” على الشريط الحدودي مع سوريا، بالتزامن مع إعلان فرار عدد من عناصر داعش من سجن غويران.
من جهته يرى الباحث السوري المختص بالشأن الكردي، شيفان إبراهيم أن “نوعية الهجوم تعني أن تنظيم داعش يطوّر من هجماته وآلياته. هناك تغير في التكتيك، لكن لا أعتقد أنه تطور استراتيجي في المنطقة المحصنة من قوات التحالف الدولي”.
ويضيف إبراهيم لموقع “الحرة”: “لا نجد تمدد عميق ونوعي لداعش في المنطقة، لذلك سيلجأ لهذه الهجمات مستغلا الظروف الجوية”.
ويأتي الهجوم “استمرارا للأزمة التي تعيشها المنطقة”، بحسب الباحث الذي يشير “هذه الأزمة تتعلق بوجود هذه الكمية الكبيرة من داعش سواء في الهول أو في سجن الصناعة. هي أزمة أمنية وسياسية وإنسانية، وعلى المجتمع الدولي أن يحلها”.
واعتبر إبراهيم أن أحداث سجن غويران “أمر خطير، ويدفع المنطقة نحو شيء من القلق والخوف، لاسيما أن مناطق تواجد سجناء داعش قريبة من أحياء المدنيين”.
وتحدث الأكاديمي الكردي، الدكتور فريد سعدون أن “داعش هي فكرة متجددة عبر العصور الإسلامية، وانبعاثها يتعلق بالمظلومية أولا، وبالظروف السياسية ثانيا. هي حالة متكررة ذات بنية عقائدية متجذرة لا يمكن استئصالها”.
ويضيف سعدون لموقع “الحرة”: “مسألة نقل الآلاف من مقاتلي داعش، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من عوائلهم إلى سجون ومخيمات محافظة الحسكة، كانت شديدة الحساسية”.
وذلك من كونها شكلت “قضية ذات وجهين، الأول إنساني بسبب حجز الأطفال والنساء الذين لا ذنب لهم في هذه الحرب في ظروف استثنائية سيئة، والثاني السجون التي اكتظت بالمقاتلين، والتي باتت تشكل عبئا ثقيلا على قسد”.
وبحسب سعدون: “كلا الحالتين تمثل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة وتدمر معها ما حولها. هي كارثة مؤجلة، وتتجلى صور هذه الكارثة في المحاولات المتكررة التي تستهدف السجن بغية تحرير الأسرى”.
ماذا بعد؟
وخسر تنظيم داعش، الذي أعلن خلافة في أجزاء من سوريا والعراق عام 2014، جميع الأراضي التي كانت تحت سيطرته عام 2019.
ومع ذلك، تواصل الجماعة الإرهابية شن تمرد منخفض المستوى في العراق وسوريا على حد سواء.
ويرى الأكاديمي الكردي، فريد سعدون أن المحاولة الحالية لداعش في سجن غويران “ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة”.
ويقول: “قد يتوفر لهم في لحظة ما دعم وإسناد خارجي، فضلا عن الحاضنة المحلية، مما يؤدي إلى تمرد قد لا تستطيع قسد السيطرة عليه، وتغرق المحافظة في موجة إرهاب جديدة”.
ويضيف سعدون: “لذلك المطلوب هو إيجاد حل جذري لهذه المشكلة، ولا يمكن تحقيقه إلا بتضافر جهود دولية. على دول المنطقة وكذلك جميع الدول المهددة بالإرهاب أن تسارع إلى وضع خطة متكاملة لحل هذه المشكلة وإنهائها”.
أما الباحث السوري، شيفان إبراهيم فيوضح: “ما حصل منذ ليلة الخميس أنه تم استغلال منطقة سادكوب المليئة بالنفط لإحداث تفجيرات. يبقى السؤال كيف كان هناك تنسيق بين الخارج والداخل؟”.
ويضيف إبراهيم: “السجن خطير وهو من أخطر مناطق العالم على ما أعتقد. الحل ليس من دول التحالف فقط، بل على الإدارة الذاتية أن تدرك أن تقوم بخطوات لإيجاد حل يمس مستقبل وأمن ومصير الناس”.