تبقى العلاقة بين الأطفال والوالدين علاقة قائمة على الود والند ، ساعة تلتهب الأصوات ويرتفع الحماس والعصبية وساعة أخرى تفتح الأحضان لتستقبل فلذة الكبد ليدفئ في الحضن ويسترسل في وده ودلاله لكي يحصل على ما يبتغيه من آمال وأحلام الطفولة . إنها علاقة مبنية في أساسها على الحب والتعلق بالآخر لكي يحيا الطرفان لأجل بعضهما فهي علاقة الأمومة – الأبوة – البنوة التي هي سلسلة أحداث وأفعال تختزن الدموع واليأس أحياناً وتبشر بالضحك والأبتسام والتباهي بألآخر في العموم . نحاسبهم ويحاسبونا ، نعلمهم ويواجهونا بما نرى أنفسنا غير قادرين دائما على الصراحة وإيضاح الحقيقة لهم مع مستوى الأعمار الصغيرة ، فلكل حدث أو واقعة بين الكبار والصغار الوالدين والأبناء عدة مقومات تقودنا نحن الكبار أن نُسقط عليهم تبعات أمور نظن أنها ستواجههم في حياتهم ، ونريد أن ندفع عنهم غدر الزمن في كثير من مواقف وحقول
الحياة التي ستلازمهم إن شاءوا أم أبو لأنها مسيرة حياة وسُنتها التي نحن مسجونين بها وسجانين لأجلها . عندما نغضب فغضبنا لم ينبع وينطلق من أسباب واهية ، فلربما السبب هو الغيرة ، أو ضياع الحق كأن نكون في وضع معتدى علينا ، فالخوف ، الضغوط النفسية ، المتاعب اليومية وما تتحمله نفوسنا من مشقات جسدية ، أجتماعية ، مسؤوليات أقتصادية ، تقاليد أحياناً كثيرة تكون ثقلاً كسلاسل المسجونين في سجنهم ، والكل كبيراً كان أم صغيراً هو سجين مجتمعه، ثقافته ،هواياته ، سجين عقيدته ، طموحاته ، وضعه الأقتصادي ، سجين مسؤولياته تجاه عائلته وتجاه كل ما يحيطه ، فالحرية التي يظن أنها ملكه وله الحق أن يتمتع بها قد تصطدم مع حرية الآخر فيستوجب عليه التنازل والأستسلام ولو لبعض ما يحق له لكي يكون في موقع سلام مع الآخر ، وذاك الآخر هو أيضاً له أسبابه وظروفه وهكذا . نحن أين …؟؟؟ والى أين نحن متوجهون ..!!!؟؟مهما حاولنا أن نتبين ونتنبأ فالأرض مستمرة في دورانها ولن تتوقف وكلنا ندور مع هذه الأرض ليل نهار وهكذا دواليك .
اليكم صورة للمواجهة
عندما تسقط الأيام من حساب الأنتظار ، تغدوا كالموج المندفع بقوة نحو الشاطئ
ليسقط فقاعاته التي تصبح في حالة العدم .
هكذا سار هذا الشهر معي .. أياماً بفقاعات معدومة ، دوام في الصباح ، أعمال
منزلية متراكمة في المساء ، لا جديد ، لا أمل ، لا أنتظار …
جاءتني صغيرتي بسؤال لاهث …
ـــ ماما الى أين سيأخذون أبن الجيران ؟؟
ـــ الى القبر .
ـــ ما هو القبر
ـــ حفرة مستطيلة تناسب طول المتوفي لكي يوضع فيها
ـــ إنهم قساة ، كيف يضعوا الإنسان داخل حفرة ، ويحبسوه في صندوق من الخشب ؟!
ـــ لأنه لم يعد له نفع ..
ـــ لماذا يا ماما ؟!
ـــ لأنه قد مات .
ـــ ما هو الموت ؟!
سؤال يتكرر ملايين المرات على أفواه الصغار .الخوف الغريزي من الموت يحمل
معه الرهبة التي تمزق الفرح الطفولي .
ـــ أن يتوقف قلب الإنسان عن العمل ، فتبطل الحياة فيه .
ـــ لكن سمعت بابا قبل أيام يتحدث عن رجل وضعوا له قلبا صناعياً
ـــ كل إختراع صناعي لا يدوم ، لا بد أن يعطب يوماً
ـــ إذن لا بد أن نموت ..؟!
سؤال يحمل حزناً طفولياً أزلياً
ـــ نعم
وخمدت أسئلتها تحت وطأة شرود ذهني قاسٍ ، ثم أردفت
ـــ لكني أكره الموت .
ـــ الموت أحياناً ضرورة يا صغيرتي ، فهو يخلصنا من الأشرار ، أو أنه يضع حداً للالآم
ـــ التي تعذبنا .
وطفقت تسرح بنظرها عبر نافذة المطبخ متطلعة الى الحديقة المنزلية ، كأنها تحاول
سحب سؤال آخر من ذاكرتها التي تجمدت من رهبة النتيجة الحتمية للموت .
ـــ إذن متى يموت اللصوص والقتلة الذين يعتدون على الأبرياء ..؟ وأكملت :
ـــ إنني أخافهم …
ـــ في الخوف موت وضعف يا صغيرتي ، إن أردنا أن ننتصر يجب أن لا نخاف …
وعادت بالسؤال
ـــ أنتم لا تخافون ..؟!
ـــ لا
ـــ إذا لم تكونوا خائفين ، لماذا تضعوا الأقفال القوية على الأبواب ، وتجعلوا
النوافذ مدججة بالحديد .
ـــ لأننا نحذر اللصوص .
ـــ إذن أنتم خائفين …!
وتمعنت في الجواب الطفولي الذي يحمل معه ذكاءً فطرياً ، حيث نعجز
مع ذكاءنا وحذقنا أستنباط الجواب المعقول والمقنع على مستوى عقليتهم
وادراكهم ، وأدركت فعلاً أن في حذرنا عين الخوف ، الخوف من اللصوص ،
الخوف من الأعتراف بخوفنا أمام صغارنا .