بمبادرة من الحزب الشيوعي الكردستاني/ العراق، تم تنظيم ندوة حول الحالة الاقتصادية في إقليم كردستان / العراق بتاريخ 05/12/2021 على الفيديو/الفيسبوك. وكانت محاورها: الفساد الإداري والمالي، والنظام الضريبي في الاقليم. هذا سبق وان أجريت أيضا ندوة مثلها قبل حوالي ثلاثة أشهر عن الوضع الاقتصادي في إقليم كردستان العراق. تم تنظيم وادارة الندوتين باللغة الكردية، من قبل الرفيقة ريواس احمد باني خلاني ورفيق أسو دولت، والمحاضر فيهما، كاتب هذه السطور.
المحور الأول: الفساد المالي والإداري
1ـ أصبح الفساد في العراق ومنه إقليم كردستان، آفة مجتمعية تمارس بشكل ممنهج وتنخر في كل المستويات الادارية والحزبية. وان محاربة الفساد تعتبر واجبا وطنيا يتطلب من الجميع المساهمة في التصدي له والقضاء عليه، لان استمراره ينعكس سلبا على الوضع الاقتصادي، والتنمية الوطنية، ونهب وتهريب الثروة الوطنية، ويعرقل مسيرة التقدم والازدهار.
2ـ هناك فئات أو شرائح برجوازية طفيلية/ وبيروقراطية/وكمبرادورية، إضافة الى فئات من(المافيا). ويتجلى نشاط هذه الفئات في المضاربات العقارية، والمضاربة بالعملة، والهيمنة على التجارة الداخلية، وإنشاء الشركات الوهمية. وتشكل هذه الفئات القاعدة الاجتماعية للحكومات المتعاقبة في الاقليم، وذلك إضافة الى عدد من الشركات التي تملكها الأحزاب الحاكمة. إذ يمتلك الحزب الديمقراطي (شركة كار) والاتحاد الوطني (شركة قيوان)، وهي تزاول كل أنواع الأنشطة الاقتصادية، وتتخذ القرارات الاقتصادية المهمة في الاقليم، وبالتالي فهي بمثابة الدولة العميقة بالنسبة للإقليم.
3ـ هناك عوامل داخلية تساعد على الفساد في الاقليم، منها: غياب الرقابة الحقيقية على عمل الأجهزة الحكومية المتمثلة بالسلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وكذلك تقصير ديوان الرقابة المالية، وهيئة النزاهة، والرقابة الشعبية، في أداء واجبها في محاربة الفساد والحد منه، فضلا عن تفشي الفساد الإداري والمالي في أركانها هي نفسها، وانعدام الشفافية في ما تتخذه من إجراءات وبيانات، مع ان المفروض هو الإفصاح واطلاع الجماهير عليها للتأكد من مصداقيتها.
4 ـ أدى الانتقال من النظام المركزي في تسيير الاقتصاد الى استنساخ نموذج اقتصاد اللبرالية الجديدة، مما اضعاف دور حكومة الاقليم في الاقتصاد وتامين الخدمات الاجتماعية الأساسية للجماهير، خاصة في الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي، كما قاد الى خصخصة المشاريع الإنتاجية والخدمية، كالصحة والتعليم وغيرها، والاعتماد على اقتصاد السوق، وفتح باب الاستيراد من الخارج على مصراعيه للسلع والمعدات، من دون ضوابط ورقابة. كما أن الاستيرادات من نوعية رديئة، ومعظمها ذات طابع استهلاكي، مما ساعد على تهريب الأموال الى الخارج، بأسناد من المصارف، وخاصة الاهلية منها المنتشرة بأعداد كبيرة في الاقليم، والتي يتفشى الفساد المالي والإداري في اركانها، لأنها تمنح القروض للأشخاص المحسوبين على السلطة في الاقليم، ومن دون ضوابط ومتابعة استرجاعها، وعدم تسوية السلف الحكومية المقدمة لشركات المقاولات قبل البدا بالعمل، او لإنجاز بعض المهام، التي تشويها شبهات الفساد.
وكذلك دور المافيا المتخصصة في: سرقة النفط وبيعه، مع تعاطي العملات والرشاوي مع الشركات العاملة في الاقليم في مجال النفط، التي تفتقر عقودها الى الشفافية العالية، بل يجري التعتيم على بياناتها والافصاح عنها، وثمة فساد كبير في انتاج وتسويق النفط. كما ان الاقليم لم ينفذ بنود اتفاقيات النفط مع الحكومة الاتحادية، التي يسلم بموجبها ((250 ألف برميل يوميا من انتاج النفط لتسويقها عبر شركة سومو. كما تتغمر المافيا في التجارة الخارجية، ومتاجرة بالأسلحة والمخدرات.
5 ـ بالنظر لعدم توفر بيانات واحصائيات دقيقة عن عدد العاملين في إقليم كردستان العراق، بسبب عدم اتباع نظام البايومتري في التسجيل، كما في الحكومة الاتحادية، لذا تم الاستعانة ببعض البيانات والمعلومات المنشورة على الانترنيت بذلك. هناك تقدير لعدد العاملين بحدود (1.300.000) فرد، منهم حوالي (10.000) من الموظفين الوهميين (الفضائيين)، بحسب بعض المنظمات، أو 3.000) ـ (4.000، بحسب تقديرات هيئة النزاهة في الاقليم، أو حتى أكثر من 300.000)) فرد، بحسب تقديرات أخرى. وبين هؤلاء الموظفين الفضائيين من يتقاضى راتبين او أكثر او متوفيين و/أو لاجئين في الخارج، وإضافة الى ذلك، تعاني المؤسسات من البطالة المقنعة، التي تعتبر أحد أوجه الفساد المالي والاداري، تنعكس سلبا علي حياة المواطنين في الاقليم، ولكن يتم الاستفادة من أصوات هؤلاء في الانتخابات التشريعية في الاقليم والحكومة الاتحادية.
6ـ بحسب بعض البيانات والتقديرات، بان مديونية حكومة إقليم كردستان للشركات النفطية العاملة فيه، تقدر بحدود(20 ـ30 ) مليار دولار. تتجاوز نسبة البطالة، وخاصة بين الشباب والنساء %30 من قوة العمل. ومستويات الفقر في إقليم، حسب الأمم المتحدة، منذ 2018، نحو ثلث العائلات في الاقليم يحصلون
على أقل من (400) دولار شهريا. هناك نصف مليون نازح والمقيمين في مخيمات، بالإضافة الى أكثر من 250)) ألف لاجئ من سوريا.
7ـ غياب تكافؤ الفرص بين المواطنين في إشغال الوظائف العامة، وجعلها سلعة تباع وتشتري مع زيادة أسلوب الرشي، وتزوير الشهادات، والتهرب الضريبي، وعدم السيطرة على المنافذ الحدودية وضبط مواردها، والغش في ادخال البضائع المهربة عبر المنافذ الحدودية، وسوء التخطيط للمشاريع وعدم وجود رؤى واستراتيجية واضحة ومعللة لعملية التنمية الاقتصادية/ الاجتماعية المستدامة.
8. لم تقدم الحكومات المتعاقبة في الاقليم (وزارة المالية) حساباتها الختامية عن تنفيذ موازنتها وتقيم اداءها وحسن استخدام مواردها، منذ عام 2003 وحتى الان. ومن المفروض رفع هذه الحسابات مع تقارير ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة الى برلمان كردستان، لدراستها والوقوف على أوجه الفساد فيها، واتخاذ إجراءات الرقابية والقانونية اللازمة بذلك.
9ـ اما العوامل خارجية، فهي تتمثل بالعلاقات التجارية مع الدول المجاورة تركيا وإيران عبر المعابير الحدودية بين هاتين الدولتين مع الاقليم، حيث يجري دخول وخروج السلع والبضائع وتهريب النفط بدون رقيب او مسائلة، وبدعم من الأحزاب الحاكمة في الاقليم.
المحور الثاني: النظام الضريبي
ـ يمر الشعب الكردي في الاقليم اليوم بحالة اقتصادية صعبة للغاية، وهي متراكمة منذ فترات طويلة من دون المعالجة. فالاعتماد على الاقتصاد الريعي، وانتهاج سياسة البراليين الجدد المعروف ب “بإجماع واشنطن” كانت له تداعيات واثار سلبية على ايرادات الموازنة العامة للإقليم. تتألف هذه الموازنة بحسب بعض المصادر، من: %34بيع النفط مباشرة من الاقليم، %42 من حصته من الموازنة الاتحادية، والباقي %24 ، عبارة عن إيرادات أخرى من الضرائب، ورسوم المعابر الحدودية والاعانات، وغيرها. وهكذا يتبين أن حوالي %76 من مجموع الإيرادات هي إيرادات ريعية تأتي من انتاج وتصدير النفط الخام، فضلا عن انها، وكذلك بقية الإيرادات، تنقصها الشفافية والافصاح وعدم معرفة أوجه انفاقها ومصيرها.
ـ ينتج الطابع الريعي لاقتصاد الاقليم عن الضعف الشديد لمساهمة القطاع الإنتاجي، وخاصة الزراعة والصناعة التحويلية في تكوين الناتج المحلي، وعلى نحو لا يتناسب مع الموارد المالية وغير المالية الكبيرة المتاحة للإقليم، مما جعله يعتمد على قطاع النفط في تمويل معظم جوانب الاستهلاك والاستثمار.
ـ وتلعب الضرائب كما هو معروف دورا كبيرا في المجالات المالية والاقتصادية والاجتماعية، منها: دعم الموازنة العامة، والانتعاش الاقتصادي، وتحقيق العدالة في توزيع الدخل بين فئات المجتمع، وخاصة الضعيفة منها، ومعالجة بعض المشاكل الاقتصادية: كالتضخم النقدي، والاستثمار، وتغطية العجز في ميزان المدفوعات، وتحقيق التنمية الشاملة.
– والضرائب على أنواع. فهناك الضرائب المباشرة التي تفرض على اجمالي الإيرادات خلال سنة واحدة مطروحا منها حسومات أو إعفاءات الضريبية وفق القانون، والباقي يخضع للضريبة وبنسب مختلفة. وهناك الضرائب غير مباشرة التي تفرض بنسب معينة، تتراوح بين (10 ـ25 )% عند شراء وبيع السلع والخدمات، وتسمى بضريبة القيمة المضافة، وكذلك الرسوم الجمركية المفروضة علي السلع المستوردة، وضرائب الاستخدام، وضرائب الأملاك. وتم توضيع هذه أنواع من الضرائب وتطبيقاتها ودورها في تمويل الموازنة العامة.
ـ ليس هناك نظام ضريبي شفاف في الاقليم. وتنتشر في أجهزته الكثير من المظاهر السلبية مثل: الفساد الإداري والمالي، والتهرب الضريبي، وتعدد الانظمة المحاسبية والضريبية في مؤسسات العامة والخاصة، وانعدام الرقابة الشعبية. ويفتقر الاقليم الى التشريعات المالية الصالحة، والمؤسسات المالية المناسبة، ومنها: المصارف وشركات التامين. كما نشير الى انعدام السيطرة على المنافذ الحدودية، ويفترض كذلك تحويل%50 من الإيرادات غير النفطية الى الخزينة الاتحادية.
ثالثا: الخلاصة والنتائج
يحتاج اقتصاد الاقليم الى إصلاحات حقيقية وتغييرات بنيوية، وفق رؤى وايدلوجية واضحة ومعللة في عملية التنمية المستدامة، تستند على التخطيط الاقتصادي والاجتماعي، لتشخيص الوضع القائم، وتحديد الأهداف والبرامج الانية وفي المدى المنظور، وآليات ضرورية وفعالة من شانها تحقيق الأهداف المرسومة. وعلى راسها معالجة الفساد المالي والاداري ومحاربته والحد منه، على النحو التالي:
إ. تفعيل دور اجهزة الرقابة والنزاهة، ونشر اخلاقيات الوظيفة بين العاملين على كافة المستويات الادارية؛
ب. تفعيل أركان ومبادئ الادارة الرشيدة في الادارة العامة والشركات، وفق اسس: الديمقراطية الحقيقية والشفافية والنزاهة والمسؤولية والافصاح عن المعلومات ومحاربة الفساد المالي والاداري؛
ج. إصلاح وتنظيم نظام الضرائب، وتشريع قوانين خاصة به بما يحقق العدالة والحد من الفساد المالي والاداري المستشري فيه؛
د. تنشيط دور منظمات المجتمع المدني في الرقابة والشفافية على مؤسسات الحكومية؛
ه. تفعيل دور القضاء والشرطة في عملية مراقبة ومكافحة الفساد؛
ح. انهاء المحاصصة الحزبية بين الأحزاب الحاكمة في الاقليم، والتي تهدف الى الاستحواذ على السلطة والمال والنفوذ، مما أضعف إمكانيتها في محاربة الفساد والحد منه؛
ص. النضال من اجل اسقاط المشروع السياسي للأحزاب المهيمنة على الحكم في الاقليم، والتي تتغذى على النظام الريعي والفساد المالي والاداري، وتساعدها على ديمومة بقاءها في سدة الحكم، وذلك عن طريق محاربة هذا الفساد بالقوة، والحفاظ على المال العام، وانفاقه بشكل عقلاني في خدمة التنمية الاقتصادية/ الاجتماعية المستدامة، وإقامة نظام سياسي تتحقق فيه الديمقراطية والمساواة والحريات والعدالة الاجتماعية، ويضمن غدا مشرقا لهذا الجيل والاجيال القادمة.
ختاما، وفي نهاية الندوة قدم عدد من المشاركين بمداخلات معينة او أسئلة معينة حول محتويات المحاور، وتم توضيحها والرد عليها. وقد شارك في الندوة74 فرد، واستغرقت حوالي ساعة ونصف، مع تقديم الشكر لمنظميها والمشاركين فيها.