سلط تقرير نشره مشروع “تصالح” الضوء على قصة رجل مسلم ضحى بابن شقيقته من أجل انقاذ 57 شخصا من بينهم 37 ايزيديا من قبضة داعش ليلة دخولهم مدينة سنجار في الـ 3 من آب 2014.
وذكر التقرير الذي أُعد ضمن مشروع “تصالح” المشترك بين الوكالة الفرنسية للإعلام “CIF” والأكاديمية الألمانية للإعلام“MICT” وأعدته الاعلامية سجى شيرزاد، من مدينة دهوك، أن المواطن محمود سعيد برو، روى قصة تضحيته بابن شقيقته (نامق) من أجل إنقاذ 37 ايزيديا مهددا بالقتل على يد تنظيم داعش ليلة سيطرته على سنجار شمال غربي نينوى وفرض قوانينه الخاصة التي تقر بقتل الايزيديين وسبي نسائهم.
وأضاف الرجل الخمسيني الذي يلقب بمحمود مارديني، ان الساعات التي خير فيها بين إنقاذ 57 شخصا من أهالي سنجار بينهم 37 ايزيديا من موت محقق على يد مسلحي التنظيم وانقاذ ابن شقيقته القريب الى قلبه، كانت صعبة، مبينا انه “بعد دخول داعش إلى سنجار، في الثالث من آب 2014، توجه الى المدينة بكامل إرادته لمساعدة بعض اقاربه ومن بينهم بعض افراد عائلة شقيقته الذين كانوا مهددين بالقتل على يد التنظيم لمجرد كونهم من البيشمركة او لمجرد الشبهة بكونهم ايزيديين”.
وتابع انه “في الساعة 2:30 من بعد منتصف الليل دخل تنظيم داعش حدود سنجار، وفر عشرات الآلاف الى الجبال والبراري وأصبحوا بدون مأوى، فيما عجز آلاف آخرون من تأمين وسيلة نقل توصلهم إلى خارج المدينة، وفي الصباح عند السابعة والنصف تحديدا دخل المسلحون المدينة”، وأكد مارديني، وهو يحرك كلتا يديه ويضربها في الهواء انه “خلال 24 ساعة وقع6417 شخصا في أيدي التنظيم وتشكلت عشرات المقابر الجماعية خلال أيام”.
واوضح انه في ساعة مبكرة علمت بوقوع ابن شقيقتي جريحا في مستشفى المدينة، وتوجهت إلى هناك املا في إنقاذه لأن داعش كان يهدد بتصفية الجرحى لمجرد شكه بأنهم شاركوا في الدفاع عن المدينة، بل كان بعض مسؤوليه يبادرون الى قتل كل رجل وشاب بقي في المدينة التي بدت خالية إلا من سيارات التنظيم، واستطرد قائلا “ذهبت إلى المستشفى مع عدد من أقاربي ممن يجيدون العربية بعد أن لبسنا ملابس عربية لنتمكن من الحركة دون أن تثير شكوك من حولنا، ووصلنا الى المستشفى فعلا حيث كان شبه فارغ وتعمه الفوضى وحملنا ابن شقيقتي نامق، سريعا حيث كان يعاني من كسر في يده وجروح في وجهه الى الجزء الخلفي من المبنى و قفزنا من على الجدار الخارجي الذي كان يعلو لأكثر من مترين”.
وأشار إلى انه “في ذات الوقت استقبل اتصالا هاتفيا من ابن عمه يخبره بوجود مجموعة من الايزيديين العالقين في وسط المدينة بينهم أطفال ونساء، بعد حصول حادث عربتهم منعهم من الوصول الى الجبل والآن هم في بيت بحي الشهداء”، وأردف قائلا “كان علينا مساعدتهم وانقاذهم من القتل والسبي الذي انتشر في المدينة عبر ايصالهم الى الجبل، وكنا نسمع اصوات الاطلاقات النارية، وتصلنا حكايات عن عمليات قتل جماعية عديدة، وكان بيني وبين المنزل نحو 700 متر فقط، لكن تجاوزها بدا انه تجاوز لـ700 الف كلم، لأنه كان طريقا مليئا بالخوف فعشرات الجثث بدت على الطرقات وأمام الأبواب، ومقاتلو التنظيم كانوا يملؤون الأزقة ويرفعون شعاراتهم المتشددة ويرددون “ألله أكبر ألله أكبر” وهم يطلقون النار”.
وتابع “عند وصولي إلى بيت ابن عمي، وجدت أطفالا و نساءا يبكون، معظمهم جرحى نتيجة حادث السير الذي تعرضوا له، والخوف يملأ وجوههم، حيث كان هناك 57 شخصا في منزل لا تتعدى مساحته الـ 200 مترا تعلو فيه أصوات الاطفال، فيما كان داعش على الأبواب يفتش البيوت بحثا عن الايزيديين والغنائم والسبايا، ويرددون بصوت عالي: أين ألايزيدية؟ أين يختبؤون؟”.
وقال مارديني، كان الجميع حائرا لا يعرف ما يجب فعله “سريعا جمعنا الاطفال في غرفة واحدة خلفية وكوينا جروحهم بأوراق الشاي اليابسة واستخرجنا القطن من الوسادات وكبسنا بها على جروحهم لكي لاتنزف، وكانت درجة الحرارة تتجاوز الـ 45 مئوية، والكل يفكر بالمصير الذي ينتظرنا لو تم اكتشاف وجودهم”، واضاف “حينها استقبلت اتصالا آخرا من شقيقتي أم نامق، تقول انهم في خطر حيث علم التنظيم بمكان وجودهم مع نامق وان لم تصل سريعا سيصلون الينا ويقتلون اولادي، وهنا كان بين خيارين إما مساعدة 57 شخصا جريحا يبكون ألما وخوفا، أو العودة لانقاذ ابن شقيقتي وعائلته، والفرصة معدومة لانقاذ الطرفين بسبب الوقت”.
واكد انه قال لشقيقته أن هؤلاء هم 57 شخصا فان عاشوا أفضل من أن يعيش شخص أو اثنان، ولم يكن ممكنا التخلي عنهم، مضيفا ان التنظيم وصل لمنزل نامق وقتله، لكنه نجح في انقاذ 57 شخصا، حملهم بعيدا عن يد التنظيم.
من جهتها اعترفت عائلة “أميرة” التي تبلغ 20 عاما، وكانت احدى العوائل الناجية بفضل مارديني، بان ذلك اليوم كان “قاسيا جدا”، وأفادت ” لو لم ينقذنا مارديني لكنا اليوم قتلى وسبايا بيد التنظيم”.
وعن الموقف الانساني لمارديني معهم، قالت العائلة ” لم يكن مارديني هو المنقذ من بعد الله ، فكان سيتم ابادتنا وخطفنا… محمود أنقذنا من دون أي صلة قرابة، أنقذ أطفالنا”.
وختم مارديني، حديثه بالقول إن “كل التطرف والقسوة في قلوب بعض البشر لا يمكن ان تبدد المحبة والسلام التي يكنها ابناء هذه الأرض لبعضهم البعض والى حد التضحية للدفاع عن الآخر المختلف في دينه وقوميته”، وتابع “كنا مهددين بالقتل، وكان يمكن ان نتهم بالخيانة ونحن نحاول مساعدة عشرات الايزيديين ونقلهم من بيت الى آخر وصولا الى الجبل، لكن الانسانية والمحبة هي التي كانت تحكم افعالنا… شاركناهم مصيرهم وخضنا معهم الطريق من الجبل الى سوريا ومنها مجددا الى اقليم كردستان، ودافعنا الوحيد هو انسانيتنا”.
وخلص الى القول “لم تنته علاقتي بهم هناك، بل بقيت الى اليوم، فنحن نتواصل دائما وتربطني بهم علاقة روحية وصداقة قوية، هم يحسبونني واحدا منهم وأنا كذلك.. الحقيقة انهم كانوا مصدر القوة التي دفعتني وآخرين غيري لاحقا، الى انقاذ عشرات الايزيديين والايزيديات من الابادة والعبودية على يد التنظيم“.
وبحسب احصائيات دائرة شؤون الايزيديين لشهر آب 2018 بلغ عدد المختطفين والمختطفات من الايزيديين (6417)منذ سيطرة داعش على سنجار بتاريخ 3 آب عام 2014، من بينهم (3548) مختطفة و (2869) مختطف، وبلغ مجموع الناجين والناجيات (3315) منهم (1155) من النساء و (337) من الرجال (953) من الاطفال الأناث (870) من الأطفال الذكور، كما لا يزال (3102) من المختطفين والمختطفات في قبضة تنظيم داعش منهم (1440) من الأناث و(1662) من الذكور.
ووفقا لآراء بعض الشباب من الاعمار بين 18-22 ومن مختلف الاديان، الذين تواصلت معهم معدة التقرير، فقد أجمع معظمهم على ان تنظيم داعش خلف صورة سيئة عن الدين الاسلامي وأثر على العلاقة مع باقي الأديان، وهذا أزعج المسلمين الذين يرون ان صورة دينهم تشوهت، فيما رأى البعض ان ماقام به مارديني، لا صلة له بالدين لأنه برأيهم ان الاسلام لا يدعو الى مساعدة الآخرين من ابناء الأديان الاخرى.