خصائص الاسلوبية في التجربة الابداعية في فن السرد الروائي المعاصر للكاتب ( واثق الجلبي ), ربما غير مألوف في المنظور السرد الروائي العراقي الحديث . لانه يحمل سمات تجربة الابتكار والمغامرة في الصياغة الفنية ( اللغة ومتعلقاتها وتقنياتها الحديثة ) و الغوص الى الاعماق من تجربته المعرفية الواسعة التي يمتلكها في الثالوث ( الاسطورة . الدين . التراث ) يغوص فيها ويخرج منها بقراءة جديدة خلاقة تتلائم مع مقتنيات الواقع والوجود الحالي . وخاصة في البحث عن اصل العراق من خلال الأسطورة , والبحث عن قصص الانبياء من خلال متعلقات الدين , والغوص في التراث العراقي والعالمي , ويستلهم منصات الاسطورة التراثية الفارسية ( السيمرغ ) وكذلك استلهام الدراما المسرح القديم , لكل مشهد ينتهي بتراتيل شعرية تضيء بؤرة الجوهر والفكرة في الختام , يجعلها لنهايات المحطات التسع في مسارين الحدث السردي , وفي المحطة العاشرة : البداية من جديد , تجربة خلاقة في التحديث والصياغة , أن يكون نسق السرد الروائي بمسارين يسيران بشكل متوازيان . في سخونة المحاججة والجدل من أجل كسر الشك باليقين واكتساب معالم القناعة واليقين , يضعنا الكاتب ( واثق الجلبي ) في مغامرته الجديدة , في عمقها الفكري و الروحي والصوفي . في منطق الطير ومحنة الشيخ يوسف . هذه جدلية الصراع القائم , بين الخيبة والأمل , بين الموت والحياة . بين الظلام والنور . بين الشك واليقين , بين الزيف والافتراء والصدق الإيمان . لتسليط الضوء على كامل بانوراما المأزق العراقي الحالي , الذي يغوص في دهاليز مظلمة لا مخرج منها . واستلهام التراث المشرق في إنسانيته في الحب والجمال يزرع بذور الأمل للخروج من عنق الزجاجة , ومن هذا المنطلق يستلهم معاني التراث في معالمه المشرقة ( الطير الحكيم أو الحمامة الحكيمة . السيمرغ / الاسطورة الفارسية . الشيخ يوسف يستلهم في عقله النير معاني الدين المشرقة بما فيها القرآن الكريم , لينطلق منها الى المعاني الانسانية النقية بالصفاء الروحي والذهني , بالتقوى والايمان , لان رب العالمين خلق الأديان والرسل والأنبياء , لهداية البشر على طريق الصراط المستقيم ) . ولكن الأمور تدهورت وانحدر الى حافة الهاوية في الأرض المباركة أصل البشر والانسانية , في عاصمة حمورابي التي كانت تتحكم بعواصم أصقاع العالم , المجد السومري والبابلي والكلداني , أصبح يغوص في الظلمة والتيه , وخاصة بعد الاحتلال الأمريكي . ان يعبث بالخراب في هذه الارض المباركة . التي كانت منبع النور والجمال والانسانية . ولا ننسى الفضل العظيم لسيدنا ( نوح ) وهو يعتبر ( الاب الثاني للبشر بعد آدم ) بأنه اطلق حمامة من سفينة الانقاذ , ومنذ ذلك الحين يطلق على العراق : ارض السلام . أو ارض حمامة السلام , ومهما حاول ابليس وأحفاده الحاليين , اغتيال حمامة السلام , فأن التاريخ سوف يخلدهم بحروف الخزي والعار , وكما فشل ابوهم هولاكو في اغتيال العراق , حتما هم سيفشلون , ربما الزمن خذل العراق وكسر ظهره . لكن الملهم العراقي الجبار ( الطاووس ) اله الطير والجمال والخير , اله الحكمة والاقدام والشجاعة والصمود والتحدي هذا الطاووس العراقي في طلعته البهية , أصبح الملهم نبراساً يضيء طريق الحرية والانعتاق , والخروج من عتمة الظلام , مهما كانت التضحيات الباهظة , ومهما نزفت الدماء بالعنف الدموي فإن الأمل المعقود على اله الطير , الطاووس العراق الملهم والجبار , الذي غير مسار التاريخ قبل وبعد انتفاضة تشرين العظيمة بطلها وقائدها عقل الشيخ يوسف , الشهيد الحي نبراس الأمل على تلاميذه الابطال . هذه عوالم الفكرية والفلسفية في المحطات التسع والمحطة العاشرة هي البداية من جديد , في روايتي ( منطق الطير والشيخ يوسف ) هما روايتان في رواية واحدة . أن مصباح الطاووس سيظل مضيئاً لعقول الناس . فهو شمس العراق , وستشرق عدالة الشمس , لتضع النقاط على الحروف ( أنا للطيور كالشمس للكواكب . أنا قبلة العارفين الذين رموا كل شيء خلفهم , واقبلوا اليّ , الى حضرتي , يترنمون بأسمي و امنحهم الثقة الكاملة , وانير لهم طريق الهداية , و أعطيهم مفاتيح الأسرار ) ص16 .والشيخ يوسف الضمير العقل العراقي النقي والصافي بالتقوى والإيمان في قلبه الأبيض محبة الله والناس . مذهبه ودينه الصدق والزهد والمحبة للخير والجمال ( مذهب الشيخ يوسف حب الله ونقاء القلب , حيث أن القلب هو بيت الله سبحانه وتعالى , لذا وجب على الانسان السكن في قلبه وتنقيته من الشوائب وتجنب الأمراض والعفن ) ص20 . هذا الحكيم الملهم يمثل عقل العراقي الزاهي بالمحبة والايمان والاندفاع نحو منصات النور , هو نبراس الخلاص من الظلام الذي أطبق على عاصمة حمورابي , وأرض حمامة السلام : العراق . رغم أن الشيخ يوسف كبقية العراقيين , اصابهم ويصيبهم الظلم والحرمان , يتجرع مثل بقية الناس : المآسي والقهر والجوع والفقر , من هذا المنطلق فأن محنة الشيخ يوسف كبيرة , هي محنة العراق الحقيقية . حينما جلب الاحتلال الامريكي الاقطاعيات الحزبية الفاسدة , التي فتحت شهيتها على نهب البلاد والعباد , وساد الظلام من الكرخ الى الرصافة , الى بقية أجزاء العراق . بعدما سيطر احفاد هولاكو على العراق وعاصمة حمورابي بغداد. مما زادت معاناة ومحنة الشيخ يوسف اضعافاً واصبحت لا تحتمل ولا تطاق , فالقى بالعمامة جانباً , وترك الجامع بعد اصبح مرتع العناكب والافاعي , واصبح مقصده شارع المتنبي كل يوم جمعة . هذا الاعتزال الروحي حينما دخلت على الدين شوائب هجينة حتى وصلت الى بيوت الله وحرفته عن وصايا الخالق , بعدما كانت الجوامع تملك صدق القلب والإيمان والتقوى ( يجب أن ترعى بيت الله في نفسك وتوسعه وتجعله موئلاً للنور , وسُكانه التقوى والمحبة والدعاء للناس بالهداية والصلاح )ص23 . وعبثوا بالدين وحولوا فاكهته الطيبة الى عفن وفتن ونعرات وفساد , بدلاً من ان تغسل قلوب الناس بالمحبة والإخاء والتعايش مثلما بشر به الرسل والانبياء . وليس جعل منبر الجامع , الضحك على عقول الجهلة والاغبياء بالكذب والافتراء والنفاق والدسيسة , ولابد من ذكر الحقيقة المرة , بأن سيدنا ( نوح ) أرتكب خطيئة كبرى , أكبر من خطيئة تفاحة آدم . حين سمح الى أبليس أن يركب سفينة الانقاذ , ألم يلاحظ ذلك ؟ ( : طيب كيف ركب أبليس السفينة وتعلق بالحمار, أما شاهده نوح ؟ ) ص107 . هذه الخطيئة أو الجريمة الكبرى , منذ الازل والى يومنا هذا , يدفع العراق الثمن الباهظ , بنزيف وجريان انهاراً من الدماء , من شبابه الطموح الى المستقبل والحياة الكريمة , وهؤلاء أحفاد أبليس , الماسكين بزمام الامور والذين يتحكمون في مصير وحياة العراق . عندهم اهدار الدم العراقي الطاهر كشربة ماء , وبسهولة يفتحون الرصاص الحي على صدور الشباب العارية ( الحزن العراقي له مذاق خاص … أن الدم العراقي أزكى من روائح البخور ) ص104 . وانتفاضة تشرين العظيمة شاهداً حياً على جرائم القتلة من مليشيات هذه الاحزاب الحاكمة , ولكن شعلة الانتفاضة تظل مضيئة للنور في عاصمة حمورابي بغداد وبقية ساحات المدن العراقية , سينهض أسد بابل من جديد لطرد الذباب الوحشي عن وجه العراق . والشباب الثائر على حق وصواب ( شاهدت شباب العراق وهم ينتفضون على حكم الظالمين , مضت السنين وهي تأكل أجساد العراقيين , ساحة الوطن زرع فيها قلب آخر للعراق , أنطلقت حمامة بغداد حماسة , كانت المجاميع المتدافعة لنيل الحرية من زمرة خائنة , لا يهمها الموت الساخن ) ص153 . العراق لم ولن يموت طالما يحمل في اعناقه وصية الشيخ يوسف : الشهيد الحي , طالما حمامات بغداد ترفرف على ساحة التحرير والساحات الاخرى , نوارس للحرية , طالما الطاووس المارد العراقي الجبار ينير بالعزيمة والشجاعة على مواصلة طريق الحرية مهما كلف الامر , ان مذبح الحرية صعب , ولكن نيل الأمل والطموح من منبر الانتفاضة العظيمة , انتفاضة شعب .انتفاضة العراق . والف رحمة وغفران الى شهداء العراق الابرار , هم أحياء يضيئون طريق الخلاص للعراق.