متابعة سياسية من فنلندا
هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز
عن طريق الشعب عدد يوم 31 كانون الثاني 2022
صوت الفنلنديون الاحد الماضي 23.1.2022، على اختيار مندوبيهم، في اول انتخابات إقليمية تجرى في البلاد، ارتباطا بسياسة الدولة في إصلاح الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية في فنلندا، المعروفة في وسائل الاعلام بالاسم المختصر Sote، تبعا لأول الحروف في الكلمات. قسمت عملية الإصلاح البلاد، الى 21 اقليما، يتولى تطوير مسؤولية الرفاهية للسكان، في تنظيم الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية والطوارئ، والتي تغطي الدولة بأكملها إضافة إلى جانب العاصمة هلسنكي وجزر أولاند المتمتعة بالحكم الذاتي، حيث يتولى برلمان أولاند هذه الصلاحيات، وكذلك يفعل مجلس مدينة هلسنكي الشيء نفسه بالنسبة للعاصمة. حظي نظام الإصلاح الإداري الجديد، بنسخته الحالية، بدعم من قوى اليسار والوسط بينما عرقلته وعارضته طويلا أحزاب اليمين التقليدي والمتطرف، التي ارادت دورا أكبر للقطاع الخاص في قطاع الخدمات الصحية، ولطالما طرح للنقاش والتصويت في ظل عدة وزارات ومجالس برلمانية سابقة ولم يكتب له النجاح بنسخته السابقة، بل وتسبب في سقوط واستقالة حكومة اليمين عام 2019، حتى مجيء حكومة اليسار ـ الوسط على أثرها فنجحت بإقراره وتمريره في حزيران 2021. ووفقا لبرنامج الإصلاح الحالي بدلا من ان تكون الصلاحيات موزعة سابقا على 310 من مجالس البلديات، اختصرت الى 21 من مجالس الأقاليم على أمل تحقيق توفير في الانفاق العام والتسريع في تبسيط الإجراءات. يذكر ان هيئة الإحصاء الفنلندية قدرت أنه بحلول عام 2030، سيكون حوالي 26 ٪ من السكان أكبر من 65 عامًا، مقارنة بأقل من 20٪ وفقا لإحصاءات 2017، ومع حاجة استخدام كبار السن لمزيد من خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية، ستصبح الحاجة للإصلاح ضرورية. وحيث سيتم نقل مسؤولية تنظيم الخدمات الصحية والاجتماعية والطوارئ من البلديات إلى مقاطعات خدمات الرفاهية، فأن البلديات ستظل مسؤولة عن تعزيز صحة ورفاهية سكانها، والاهم في هذا كله ان القطاع العام سيظل هو المنظم والموفر الأساسي للخدمات. وايضا ستكمل الجهات الفاعلة في القطاع الخاص والقطاع الثالث (المختلط) خدمات الصحة العامة والخدمات الاجتماعية. وسيتم إنشاء خمس مجالات تعاونية للرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية لتأمين الخدمات المتخصصة، أيضا سيستمر السماح للناس باستخدام الخدمات الصحية والاجتماعية عبر الحدود الإقليمية.
وخاضت مختلف الاحزاب طيلة الشهور الماضية، حملات انتخابية حيوية، حيث ورغم إجراءات التقييد في الكورونا، تجول قادة مختلف الاحزاب ومرشحي احزابهم في غالبية المدن الفنلندية، بينما شهدت وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي حضورا كبير للمرشحين ومناصريهم. وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 47.5 ٪، واعتبرت ضعيفة مقارنة بالانتخابات البلدية التي أقيمت في العام الماضي، حيث ان هذه اول انتخابات إقليمية، فلا يوجد رقم انتخابي سابق للمقارنة، وبهذا تكون سجلت انخفاضا بنسبة 55.1 ٪.
والمتابع لنتائج الانتخابات والحياة السياسة الفنلندية، ومقارنتها بنتاج الانتخابات البرلمانية، وانتخابات المجالس البلدية، سيرى بأن أكبر الخاسرين، كان حزب الفنلنديين الحقيقيين، اليميني المتطرف، حيث تراجع الى المرتبة الرابعة بنسبة 11,1 ٪، بينما كان يحتل المركز الثاني في استطلاعات الرأي الدورية، وعزا قادة الحزب اليميني المتطرف نتائجهم المريعة الى الاقبال الضعيف للناخبين بسبب جائحة الكورونا. ورغم تصدر حزب الائتلاف الوطني الفنلندي ( يمين تقليدي) قائمة الفائزين بنسبة 21,5٪ من أصوات الناخبين، ويأتي بعده الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار)، حزب رئيسة الوزراء الشابة سانا مارين (35 سنة)، بنسبة 19,3٪، الا نتائج أحزاب اليسار مجتمعة دفعت بأحد المراقبين لوصفها وكأنها عودة بألة الزمن الى تلك السنوات التي كان الفاصل فيها كبيرا بين قوى اليسار واليمين، حيث تصدرت من جديد قوى ما يعرف بالأحمر ـ الاخضر الصدارة، ورغم ان محللين سياسيين يرون ان هذا لن يؤثر على السياسة الفنلندية على المستويات البعيدة، الا انه وفقا لمحللين اجتماعيين يعتقدون ان الامر هنا، لا يتعلق بالموقف من سياسة توزيع الدخل بل تتعلق بالقيم الاجتماعية والثقافية.
وفي أول تعليق لها عن نتائج الانتخابات الإقليمية، قالت رئيسة الوزراء سانا مارين، وهي زعيمة الحزب الديمقراطي الاجتماعي بنفس الوقت، ومعروف انها تقف على يسار حزبها في مواقفها، ان النتيجة تمثل (العودة الى تقدم الثلاثة الكبار، والعودة الى السياسة التقليدية الفنلندية، بعد عقد من هيمنة اليمين المتطرف على الشارع الفنلندي)، وهي تقصد تقدم حزبها وحزب الوسط واليمين التقليدي. ويذكران بعض التوقعات كانت تأمل ان حزب الوسط، سيحظى بموقع متقدم في بعض الأقاليم، حيث يتمركز جمهوره وانصاره من المزارعين، الا نتائجه وضعته في المرتبة الثالثة بعد الحزب الديمقراطي الاجتماعي.
واعربت زعيمة تحالف اليسار (يسار)، لي أندرسون، إنها مسرورة للغاية بالنتائج، بالنظر إلى أن هلسنكي لم تشارك في الانتخابات، وفقا للإصلاحات الإدارية، ويذكر ان سكان فنلندا يبلغون 5,5 مليون نسمة، يقيم أكثر من مليون ونصف منهم في العاصمة هلسنكي.