من المستهدف؟:
نفط المنطقة الكوردية، البضاعة السهلة نهبها، للكل منها حصة، وعلى قدر مكانتهم، من السارق العادي إلى تجار الحروب، إلى السماسرة، لتستقر في أحضان المسؤولين الكبار، الذين استخدموا أسم الشعب دون أن يتلقى سوى الكوارث منه.
تكالبت على هذا القطاع الاقتصادي الحيوي القوى المدمرة لسوريا، من أكثرهم شراهة وجشع، نظامي البعث والأسدين، إلى أغربهم عبثية؛ دولة الخلافة الوهمية (داعش) والدول الإقليمية المساندة لها، لتستقر الأن في يد قوى الإدارة الذاتية، وهو ما أدى بناهبيها والمتربصين بالحراك الكوردي، إلى تصعيد هجماتهم الإعلامية والعسكرية، ويخططوا لتقويض المكتسبات التي حصلت عليها الإدارات الكوردية، وإخراج قوات التحالف من المنطقة الكوردية.
وقد كان الخبر الإعلامي-الاقتصادي التالي، حول تطوير قطاع النفط، أقوى رد فعل لمخطط الأعداء، على أن مديرية حقول رميلان بالحسكة عقدت اتفاقية مع احدى الشركات الأمريكية على تركيب مصفاة نفط بطاقة تصل إلى 3000 برميل يومياً إلى الواقع العملي، والتوسع فيه لاحقاً.
المشروع لا يزال في أبعاده النظرية، غير معروف فيما إذا كانت قد تمت بعد قناعة أمريكا على أنه يجب توسيع التعامل مع الإدارة الذاتية، ونقلها من المجال العسكري إلى المجال الاقتصادي، وربما فيما بعد إلى السياسي الرسمي، وإن بدأت بها عمليا، فستكون نقلة نوعية ناجحة للإدارة الذاتية في البعد الاقتصادي مع العالم الخارجي، لأن المخطط تعني دخول شركة أمريكية دولية إلى المنطقة، وبناء مصفاتي نفط متوسطتي الحجم، علما أن الخبر كان قد نشر قبل سنتين وأكثر، لكنه ظل في طي النسيان ، وبدأت تروج ثانية دون أي خطوات عملية حتى الآن.
ومن المهم جدا التركيز عليه، فهو القطاع الذي سيساهم في تطوير المنطقة وبنيتها التحتية، وإنقاذ المجتمع من الفاقة، على أمل ألا يقحم بين العقود شبكات تجار الحروب، والسماسرة، كما تم أثناء التصدير إلى الإقليم الكوردستاني الفيدرالي، الذين سيتكالبون، باحثين عن الأرباح وليس عن نجاح المشروع.
وهنا يبقى السؤال:
1- هل هي رسالة مثل سابقاتها، للقوى الإقليمية؟
2- هل هي للتغطية على ما ينشر على الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي حول عمليات الفساد المستشري ضمن الإدارة الذاتية، وكثرة تجار الحروب في المنطقة؟
3- هل الاتفاقية مؤشر على أنه للإدارة الأمريكية الجديدة رؤية مخالفة للماضي، وستنقل تعاملها مع الإدارة الذاتية والحراك الكوردي بشكل عام إلى سويات أعلى؟
نعلم أن إعلام الدول المتربصة بالمنطقة الكوردية، تهاجم الوجود الأمريكي من البعد القانوني، وبأساليب ساذجة أحيانا، وربما هذه الصفقة رد فعل على ما يتم. فعلى سبيل المثال، نشرت احدى القنوات التابعة للنظام السوري فيديو على أن الأمريكيين يهربون النفط السوري من شرقي الفرات إلى الإقليم الكوردستاني الفيدرالي، والفيديو يبين صورة صهريج وحيد ملوث من منتصفه، وغير معروف جهته.
والغرابة أن هؤلاء يتناسون أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تستغني عن نفط دول الخليج، على خلفيات إستراتيجية الاكتفاء الذاتي والتي بدأتها منذ قرابة عقد، وهي الأن تصدر نفطها المعروف بنفط تكساس، كما وتركز على أرباح عقود شركاتها النفطية في العالم.
كمعلومة، قبل سنتين تجاوز إنتاج نفط ولاية تكساس سويات الاستهلاك وتخزينه، إلى أن أصبح عبء كبير على أصحاب الآبار، فدفعوا كمية من الدولارات لكل من يحمل طن من النفط الخام من مخازنهم، نشرت دراسات وتقارير اقتصادية عديدة حول هذه الإشكالية في نيسان-أيار عام 2020م، وذكروا أن الأسعار الآجلة لخام غرب تكساس تهاوت إلى ما دون صفر دولار للبرميل نتيجة قرب نفاذ القدرة الاستيعابية لمنشآت التخزين في سوق النفط الأمريكي الذى شهد contango لعدم استلام المشترين لعقودهم الآجلة، لعدة أسباب.
ومن المضحك حقا، الترويج الساذج، والدعاية البائسة، حول حاجة أمريكا لنفط المنطقة الكوردية، أو نفط شرق سوريا، والذي لم يتجاوز كميات تصديره إلى الإقليم الفيدرالي الكوردستاني، عن 30 ألف برميل يوميا، والمتوقع على أنه لصالح أمريكا، والغاية من هذا الترويج، أولا، للتشهير بالعلاقات الاقتصادية المتوقعة توسعها، بين الإدارة الذاتية الإقليم الفيدرالي الكوردستاني، والتي قد تدعمها بعض الشركات الأمريكية. ثانيا، للطعن في احتمالات توسع علاقات الأمريكيين مع الإدارة الذاتية إلى السويات الاقتصادية-السياسية، معتبرين وجودهم في المنطقة اجتياح غير قانوني.
وفي الواقع الترويج الإعلامي وفي هذه المرحلة، حول قضية النفط على الساحة الكوردية الداخلية، والتشهير بالفساد، حتى ولو أنها مبنية على الخلفية الثقافية التي رسخها النظام في المنطقة، سيكون له صداه، ليس لأنها حرب إعلامية، بل لوجود الإشكالية على أرض الواقع، انتشرت وتوسعت في السنوات الأخيرة، لتشمل مسؤولين في الإدارتين، وكانوا يتغاضون عن فساد السماسرة وتجار الحروب، على خلفية فائدة غير مباشرة، والتغطية على سمعتهم وأساميهم، إلى أن تجاوزت شرورهم سويات سماسرة عبثيين للصفقات، علماً أن الصفقات التجارية بين الدول لا تحتاج إلى وسطاء ولا سماسرة، عادة ومن البعد الاقتصادي، التصدير والاستيراد، تتم عن طريق العقود الآجلة أو الآنية للنفط، ولكن وبما أن العلاقة مباشرة بين الطرفين الكورديين، فلا يحتاجون إلى السماسرة ولا إلى هذا النوع من العقود أيضاً. فقضية ظهور أسماء لا مكانة اقتصادية لها على الساحة ويكون لهم دور في الاتفاقيات، ليست بأكثر من تغطية على أسماء مسؤولين غارقين في الفساد والنهب للقطاع، وهذه الحقيقة تساهم ليس فقط في إنجاح الدعاية ضد الإدارتين، وتوسيع شرخ الخلافات بين الأطراف الكوردية، وتحد من نهوض حراكنا، بل تؤثر على مسيرة إعادة الإعمار وتحسين مستوى المعيشة والبنية التحتية، والحد من التضخم.
لا شك القوى الإقليمية المتربصة تأبى أن يتمكن الكورد من استغلال مواردهم الجغرافية، وتعمل على أن يستمروا في واقع الاستجداء، والطلب، وهو ما يدفع بهم التركيز على الترويج للتشهير بالفساد الذي لا يستبعد أن يكون لهم اليد الطولا فيه، كسلاح جديد يستخدمونه، ولا يهم من أية جهة تصدر وضد أي طرف، المهم هو الطعن في مصداقية القيادات النزيهة في الإدارتين، والواقع الاقتصادي للمنطقة، رغم إنها في منطقة الإدارة الذاتية أفضل من منطقتي المعارضة والسلطة معاُ، مثلما تتجاوز الإقليم الفيدرالي الكوردستاني بقية مناطق العراق، لذلك تركز القوى المعادية على إثارة القلاقل والخلافات في الجوانب السياسية تحت أغطية عدة.
فكم من المناسب أن نقف كحراك كوردي بشقيه الثقافي والسياسي مع قادة الإدارتين على ما يجري، وندرسها بدراية، بعد الانتباه إلى أن مواردنا نهبت وعلى مدى قرن كامل، وما كانوا يقدمون للمنطقة ولشعبها، كان بالمثقال، وتلك أيضا اعتبروها منة.
وقد أدرك أعداؤنا أن مخططات التخوين الداخلي لم يجدي نفعا بقدر ما كانوا يؤملون منه، فتحولوا إلى العامل الاقتصادي وشرور الفساد، الوباء المبتلى به أنظمة شرقنا ومعظم إداراتها، ويأملون أن يجدوا لها البيئة الملائمة بين الشعب الكوردي من خلال شخصيات إدارية فاسدة، الذين يحملون ثقافة الأنظمة الشمولية وتأثيراتها السلبية، والمستهدف هنا ليس المسؤولين الملوثة أياديهم، بل مستقبل الإدارتين، ومكتسباتهما، وقادم الشعب الكوردي، لئلا يتحرروا وحراكهم من سجونهم الثقافية-السياسية.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
23/1/2022م