.
يتميز المجتمع العراقيّ بالتنوع بالأفكار والاتجاهات، إذ أن هناك عائلات تدعو إلى «الاعتدال»، لا بل حتى «الانفتاح» في مسألة لبس الحجاب من عدمه، فيما أن هناك عائلات تخير بناتها ما بين الحجاب أو عدمه، كذلك هناك من يجبر بناته على ارتداء الحجاب خصوصاً في المناطق الغربية المعروفة بالقيود المجتمعية و«التشدد» الديني، إلا أن الأحزاب والمؤسّسات الدينية تحاول دوما فرض ثقافة دينيّة «متشدّدة»، لا تتناسب والطبيعة التاريخيّة المدنيّة للمجتمع العراقيّ.
وهناك كوادر في وزارة التربية والتعليم، خصوصاً التدريسيين، يجبرون الفتيات على التحجب في أغلب المدارس بالعاصمة العراقية بغداد وحتى باقي المحافظات، والحادثة الأخيرة لفتاة بعمر 12 عاماً والتي طردتها مديرة مدرسة في إحدى أحياء الموصل لأنها غير محجبة ومنعتها من أداء الامتحان عبر تعنيفها وإجبارها على ارتداء الحجاب، ما أدى إلى وفاة الطفلة بعد ذلك، دفع بالكثير من الناشطين إلى التساؤل: هل الحجاب إجباري في المدارس العراقية؟ ولماذا لا تتخذ وزارة التربية العراقية إجراءات بحق هكذا حالات؟.
لا امتحان بلا حجاب
وفي هذا الصدد، تقول الخبيرة في مجال التربوي مها عدنان لـ (باسنيوز)، إن «هناك تدريسيين لديهم اتجاهات حزبية دينية ومتطرفة، وكذلك بعض إدارات المدارس، لذلك دوما يدعون الفتيات إلى الالتزام بالحجاب عبر ترهيبهن وتخويفهن».
وتقول الخبيرة: «على وزارة التربية اتخاذ الإجراءات بحق هكذا نماذج لأنها تعد اعتداءً على الحريات الشخصية، وذلك باعتقادي مخالف للدستور العراقي».
وترى مها عدنان، أن «قضية الطفلة (سما) التي توفيت بعد طردها من قبل مديرة المدرسة ومنعتها من أداء الامتحان كونها غير محجبة، حولها الكثير من الغموض، بالأخص أن الكثير من إدارات المدارس سواء كان في الموصل أو غيرها من المدن تجبر طالباتها على التحجب».
ونشر فريق البصرة النسوي في ‹فيس بوك› وسماً بعنوان «حجابي فريضة أنا الصحيحة وغيري المريضة»، وأضاف الفريق في منشوره «بهذا النهج المتطرف قُتلت الطفلة سما».
فيما قال الناشط (وليد) عبر تويتر: «من القيم الإنسانية الي تربينا عليها انه (الاطفال احباب الله)، اطفال العراق بخطر اليوم اكو طفلة بالموصل اسمها #سما_الموصلية منعوها من دخول الامتحان لانها لم ترتدي حجاب، وطك خشمها دم وتوفت زين ياسفله لمن هيج انتم متدينين ليش ماتجيبون قطع قماش وتغطون روسهن احسن مما تموت….».
وسما الموصلية كانت طالبة وتبلغ من العمر 12 عاما، في الصف السادس الابتدائي، وتدرس في مدرسة أغادير في الموصل، وبحسب إفادات من ولي أمرها فقد تعرضت الطفلة سما للتعنيف والطرد من قبل مديرة مدرستها الابتدائية لعدم ارتدائها الحجاب، وبعدها أعلن وفاة الطفلة.
وتحذر وزارة التربية العراقية إدارات المدارس من محاولة فرض ارتداء الحجاب على الطالبات، بدعوى أن ارتداء الحجاب من عدمه مسألة شخصية وتتعلق بالحريات التي كفلها القانون. بينما يقر لبس الحجاب ضمناً، عبر اجتهادات شخصية من بعض إدارات المدارس.
من جهته يقول عضو لجنة التربية في مجلس النواب العراقي علي جبر حسون، إن «الحكومة والبرلمان لا يستطيعان فرض لبس الحجاب على الطالبات، لأن ذلك يعد مخالفة دستورية»، مشيراً إلى أن «أسباباً سياسية تقف وراء إثارة هذا الموضوع في الوقت الراهن».
إجبار الأطفال على الحجاب
والدة الطفلة (آية أحمد) تحدثت لـ (باسنيوز)، عن محاولة إجبار ابنتها على لبس الحجاب في إحدى مدارس محافظة ديإلى، حيث قالت: «إن ابنتي في الصف الثالث ابتدائي، تقوم معلمة مادة اللغة العربية يومياً بإعطاء الطالبات غير المحجبات نصائح حول ضرورة ارتدائهن الحجاب على الرأس وأن الله سوف يقوم بحرق شعرهن في الآخرة إذا لم يقمن بتغطية رأسهن».
وتضيف والدة آيه، إن ابنتها عندما سمعت هذا الحديث من معلمتها عادت إلى المنزل ترتجف وتبكي خوفا وتردد (الله سيحرق شعري يا ماما) فاستغربت حديثها وعلمت حينها أن معلمتها «أرهبتها» بهذا التهديد الذي وصفته بـ «الفضيع».
واستطردت والدة آية، أن المعلمة حاولت عدة مرات إجبار ابنتها على لبس الحجاب ولكنها ذهبت إلى المدرسة وطلبت من المعلمة عدم التدخل بلبس ابنتها أو حتى ترهيبها أو تخويفها وعدم التاثير عليها «لأنها مازالت صغيرة وعندما تكبر ستختار بإرادتها إن كانت تريد التحجب أو لا تريد ذلك».
الناشطة النسوية إيمان الصالحي تقول لـ (باسنيوز)، إنّ «الكثير من مدارس بغداد تمارس تشدّداً دينيّاً في المناهج وفي أساليب التدريس». وتستبعد الصالحي، أن «تكون هكذا ممارسات من دون علم من وزارة التربية. ففي غالبية المدارس، يتشدّد المشرفون التربويّون المعيّنون من قبل وزارة التربية، في فرض اللباس المحافظ على المعلّمات والطالبات على السواء، ويتسخدمون لأجل ذلك أساليب التخويف كالتهديد بالطرد من المدرسة». وتؤكّد الناشطة أن «هناك مدارس في العاصمة بغداد فرضت الحجاب بالكامل على معلماتها وطالباتها».
وكانت مصادر تربوية قد ذكرت في وقت سابق، أن العديد من المدرسين والمدرسات العاملين في المدارس الاعدادية والثانوية في بعض المحافظات العراقية يقومون بفرض الحجاب على الطالبات، وبضمنهن طالبات من الديانات الأخرى.