المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
اما المجموعة التي تحركت نحو الفوج الثالث والدوسكي فكانت تتكون من (حازم القوشي.. وسمير حناوي ـ رائد القوشي.. وأبو عهد وكاروان كوجر من سميل وكانوا بحدود 12 نصيراً) اما مجموعة أبو أمجد فقد كان معه الدكتور باسل وكنار وام أمجد وسالم شقيق أبو ظافر وأبو أيار وأبو احرار ـ سربست والآخرين لا اتذكرهم الآن للأسف) وتعرضت الى صعوبات كانت نتيجتها خسارة الشهيد الفنان أبو أيار.. واعتقد ان سبب هذه الخسارة اختيارهم لموقع غير ملائم.. وعدم تمكن أبو أيار من مواصلة السير بسبب التعب والارهاق.. ومعاناته من جرح سابق في رجله.. مما جعله يتأخر في السير والابتعاد عن المجموعة التي كان مسؤولها غير مؤهل.. وبدت عليه ملامح الخوف والانهيار..
وكنت انا في هذه الأثناء مخبئاً في كهف.. بعد ان قررت الابتعاد عن المجموعة لأسباب خاصة.. والتقيت بابو بسام بالقرب من الروبار في منتصف ايلول او ما بعده بأيام.. وتفاهمنا على اللقاء مع أبو رنا واخبرت من معي..
وشاهدت المجموعة التي رجعت من الدشت مع سربست ـ ابو احرار ـ الذي حاول ان يأخذ سلاحي مني بحركة سريعة ونهرني بسبب تصرفي.. ومن ثم عاتبني لأنهم كانوا بحاجة لي ويعتمدون علي في مثل هكذا أوقات حرجة..
وجرى الاتفاق مع أبو رنا.. على التفكير بسحب الأنصار المحاصرين.. ووعدني بتسهيل أمري.. وكلفت باستطلاع منطقة العمادية من فوق قمة كارة مع سالم شقيق او ظافر.. قال لي سالم منذ أيام استطلع والوضع صعب في هذه المنطقة..
شاهدنا نصيرين قادمين.. من جهة العمادية عبر معبر اسبندار خلفو.. كانوا كل من ديار وآزاد جاءا لمساعدتنا وسحبنا بالتنسيق معي.. بعد أن تعرضوا لأربعة أيام الى حصار وخطر الاصطدام بالقوات المنتشرة في منطقة سبندار خلفو القريبة من العمادية..
وجرى سحب مجموعة كبيرة تكونت من 38 نصير (منهم أبو سلوان أبو حازم الإداري وزياد وكفاح كنجي وثائر بطرس من القوش ومنار ـ ازاد القوشي) وكلفت بمسؤولية المجموعة لغاية وصولنا الى اسبندار خلفو.. حيث وجدنا مجموعة بحدود 10 أنصار من سرية العمادية بينهم ديار وبعد ليلة واحدة تحركنا الى ما وراء العمادية.. وعبرنا باتجاه زيوا وكاني ماسي.. ووصلنا الى منطقة آمنة لم يكن فيها تواجد عسكري للنظام..
وكانت في نفس الوقت قد تحركت مجموعة أخرى من أطراف مراني بقيادة سالم شقيق أبو ظافر ومعهم فيروز علي خليل وزيا وأبو احرار بهدف اللقاء مع مجموعة محاصرة..
ومنها انطلقنا عصراً نحو الحدود التركية.. بالقرب من شرق (سر بزير ـ رأس الذهب) التي كانت ترابط فيه قوة عسكرية للنظام.. ومنها نفذنا نحو الحدود التركية.. وكان الاتفاق ان اعود ومعي نصير آخر الى أطراف مراني من جديد للقاء بالمجموعة الباقية.. وفقاً لما كنا قد اتفقنا عليه سابقاً.. لكن لم يبادر أحد للعودة معي..
عدت باتجاه الشارع وكانت قطعات الجيوش متمركزة بكثافة على طول الطريق.. وقررت الاختفاء والانتظار لليوم الثاني.. مع الاستطلاع المستمر للمنطقة واختيار المنفذ الملائم للعبور ومعرفة نقاط تمركز الجيش.. عدت الى منطقة سر زير وبقيت اراقب المنطقة.. سمعت أصوات ناس تتحدث باللغة العربية.. فتسللت بين الأشجار مع السفح وكان الأصوات تتضح وتقوى وعرفت انهم من الأنصار ونزلت إليهم وشاهدتهم يعدون وجبة أكل.. بعد ان حصلوا على خروف اشتروه من تركيا.. وكانت كل المجموعة التي رافقتها الى الحدود.. وتبين ان الجيش التركي رفض دخولهم واستلامهم لذلك بقوا على الحدود..
واحتد النقاش بيني وبينهم.. وتجادلت مع أبو سلوان.. قلت له هذا هو الطريق الوحيد الباقي.. ومن المحتمل ان يبلغ الأتراك الجيش العراقي بوجودكم.. وانت تبحث عن خروف وتلتهي بوجبة طعام دسمة في الوقت الذي مطلوب منكم التحرك ومواصلة المسير.. خاصة وإنكم مكشوفين للدولتين..
وطلبت من كفاح كنجي بعض المسكنات.. وعدت مع شخص من عوائل الأنصار شخصه أبو سلوان لمرافقتي الى مراني واحتمال عودة مجموعة من الدشت الى المكان المتفق عليه.. وقال هذا الشخص سيقوم بتسليم نفسه واعتقد هو شقيق لـ جمال مراني..
عدت في ذات اليوم.. كنت تعبا للغاية.. رافقها حذري الشديد من الذي يرافقني.. وتمكنا من الوصول الى أطراف مقر زيوا المطلة على موقع الدوشكا.. كان الجيش والجحوش متواجدين بكثافة والدخان يتصاعد من بقايا مقر زيوا..
في اليوم التالي عبرنا بسهولة من نفس المكان المفتوح.. الى محطة سبندار خلفو التي فرغت هي الأخرى من تواجد الأنصار.. وكان الجيش والجحوش يحيطون بنا من كل الجهات.. ونسمع أصواتهم عن قرب..
وكان من يرافقني خائفاً مني.. ومن الجيش.. بعد ان نبهته وحذرته من أي خطأ او سوء تصرف منه.. وتأخرنا في العبور من شارع العمادية.. بسبب كثافة تحركات الجيش.. ومع الفجر تمكنا من العبور.. لكن كان الجو قد انكشف.. وكنا نعاني من الإرهاق.. وواصلنا العبور نحو كاره..
طلبت منه ان يسير امامي.. قلت له انا سأجيب على كل ما يصادفنا من مفاجآت.. ووصلنا مع الفجر الى مكان مرتفع مطل على المنطقة لنتخفى بين الأشجار.. ومع الظهيرة سمعنا أصوات وجلجلة للعسكر المقتربين منا..
شاهدت الجيش يتقدم نحو القمة فوقنا.. وعندما كنت اسمع الأصوات بالعربية.. لم أكن اعير انتباها لها لأنها لجنود عرب سيتمركزون في مواقعهم.. ولن يتحركوا بسبب جهلهم للطرق والمسالك.. اما الذين يتحدثون بالكردي من الجحوش فكنت احسب 100 حساب لهم.. وكان صاحبي شبه منهار من الموقف..
بقينا أربع ساعات نعيش وسط هذا الحصار المخيف.. مع العصر تحركنا نحو كاره.. لم يبقى الا عدة ساعات لنتجاوز السلسلة نحو مراني.. وعادت الأجواء بيننا تعود لطبيعتها.. وبدأ الحذر يترك مكانه في نفسي وأخذنا رغم هذه المأساة ننكت.. ونجتاز المسافة الباقية نحو قمة كارة المطلة على مراني.. وفي الكلي الذي كنا نطل عليه من فوق.. وجدنا الجيش يتقدم وينتشر.. كانوا يسعون للامساك بالخرفان التائهة.. التي كانت منتشرة في عدة مناطق بين أشجار البلوط.. واختبأ مرافقي بين الأغصان والأشجار وكان مرتبكاً..
وشاهدتهم يتمركزون في الوادي.. قلت له احتمال ان نصطدم بالجيش ويجب ان نتهيأ للمفاجآت ولم يكن لدينا طريق آخر.. بعد ساعة انتظار بدأ الجيش بإشعال النيران والتمركز وكنا نلاحظ تجمعات الجنود من خلال الضياء الذي ترافق مع شعلة النيران.. وعبرنا بالقرب منهم دون ان يشاهدونا..
وتوجهنا للجهة الجنوبية من سلسلة جبل كارة.. وتمكنت من ابعاده من منطقة تواجد الأنصار كي لا يشاهدهم.. وقلت لهم يجب ان نتحرك اليوم.. بعد عدة ساعات من الاستراحة.. كانت المجموعة تتكون من (سربست ـ أبو احرار.. سالم شقيق أبو ظافر.. أبو سلام ـ رضوان من الناصرية وكريم دويه الذي يعمل على اللاسلكي.. وكان ما زال بحوزته جهاز اتصال كبير.. وزيا وكريم شقيق أبو جاسم)..
كانوا بمعنويات عالية.. بعد ان عادوا من الدشت.. لأنهم بقوا بلا من يتابعهم بعد ان خرج عدد من المسؤولين.. بمن فيهم أبو رنا.. وعبروا من محطة لا نعلمها نحن الى سوريا.. بمساعدة التنظيم المحلي..
ويبدو وجود فوضى وضعف في الوثائق والسبب الرئيسي الانقطاع عمنْ تحملوا مسؤولية قيادتهم واخراجهم.. وأصبحنا 16 نصيراً نواجه مصيرنا لوحدنا.. كما قال المسؤول الأول ـ أبو رنا ـ قبل أيام كل واحد يدبر نفسه ويجد له طريق للخلاص.. وهذا يتطابق مع ما سمعته عن موقف أبو أمجد الذي قال لهم في الاجتماع القيادي لن اتحمل مسؤولية أحد ما عدا عائلتي..
كانت هناك بقايا المواد الغذائية البسيطة متواجدة في أماكن خاصة خزناها.. لكن العسكر تمكنوا من التمركز والانتشار مما صعب الحركة قياسا للأيام الماضية.. وانعكس ذلك على وضع عدد من الرفاق الذين بدأت عليهم مظاهر الارتباك والعصبية والنرفزة بسبب القلق من المصير واحتمالات الوقوع في الكمائن او عدم التمكن من النفاذ من هذا الحصار الكبير..
كنت أقول لهم.. يجب ان تسيروا على نسق “الموسيقى” التي تترافق مع حركة قدمي وإذا قلت لكم او اشرت بالجلوس.. يجب ان تجلسوا.. لحين تجاوزنا المخاطر.. وان الوصول الى المناطق الآمنة في الحدود التركية يستغرق حوالي 3 أيام.. إذا لم تواجهنا مفاجآت.. ويجب ان نتحمل ونتعاون بغية انقاذ المجموعة.. أصرّ سالم وأبو احرار على ان يحتفظوا بالسلاح.. فبادرت لتسليم سلاحي لهم أولاً.. كي يطمئنوا لما أقول.. بحكم خبرتي ومعرفتي بالطريق..
وهكذا قبل ان ننطلق قررنا إخفاء عدد من البنادق.. مع جهاز اللاسلكي.. وبعض الوثائق.. وأخذنا معنا كمية من المواد الغذائية والماء.. وانطلقنا عصراً نحو قمة جبل كارة.. المواجهة للعمادية من ذات الطريق الذي عبرنا منه ووصلنا اعلى منعطف.. ومن ثم نزلنا نحو مكان الزومات مستغلين ضوء القمر..
وقلت لهم سنواجه بعد هذه المرحلة مصاعب جدية.. بسبب وجود الجيش والجحوش.. وكنا نقترب من نهاية شهر أيلول.. ووصلنا الى منطقة اسبندار خلفو بالقرب من العمادية.. في الوقت الذي كنت قد حسبته ليتفق مع محاولة العبور.. وكان جميع من في المفرزة متعاوناً.. وبمعنويات عالية.. وروح تدفع للتفاؤل.. وقرب وصولنا للمناطق الآمنة.. وعززت هذه الروح والاندفاع عندهم.. بالتأكيد للجميع في حالة تعرضنا لموقف.. ان الاتجاه سيكون الى تلك القمة.. التي تلي العمادية.. ومنها باتجاه القاطع ومن هناك لن يبقى الا مسافة ساعات..
لكننا واجهنا مشكلة ونحن بالقرب من مقر القاطع.. اثناء العبور بموازاة سفح من منطقة كانت خالية من الجيش.. تفاجأنا بأصوات وزعيق الجنود الذين تحركوا امامنا للسيطرة على المنطقة والتمركز فيها.. واستغلينا عدم وصولهم للقمة وقررنا المخاطرة وعبور السفح المكشوف للجيش اثنين ـ اثنين مستغلين الليل.. ورغم ذلك حس بوجودنا الجنود وصاحوا هؤلاء هم.. ولم يطلقوا علينا النار لحين عبور الجميع من هذه المنطقة المكشوفة.. ووصلنا الى مكان زوم وعين ماء واستغلينا الأشجار للانتشار..
قلت للأنصار يجب ان نقترب من مواضع الجنود.. لأننا سنواجه احتمالات التمشيط بالطيران.. وبعد عدة ساعات كنا في آخر معبر خطر.. بالقرب من كاني ماسي الذي يمرق منه شارع ترابي.. وانتظرنا حلول الليل لنعبر الشارع الترابي الذي تتحرك عليه قوافل الجيش والمدرعات.. أسرعنا في عبوره بدفعتين متتاليتين.. لنستريح بالقرب من ينبوع ماء واشجار زعرور..
ولم يبقى امامنا الا قمة واحدة.. ونكون قد وصلنا الحدود التركية.. أخذنا نسير بهدوء وتأني.. احسست بأن الأنصار بدأوا يتحدثون بصوت مسموع.. كانوا فرحين بوصولهم للمناطق الحدودية الآمنة.. كنا في القمة فاقترحت عليهم ان نقوم بعملية مواجهة واشتباك مع قطعات الجيش.. لكن الأنصار ضحكوا وقالوا نحن ما زلنا ننتظر عبور مجاميع أخرى من المحاصرين.. يجب ان نفكر بالآخرين ولا نتهور..
وصلنا الى الحدود بلا سلاح.. بعد ان خبأنا القطع الثلاثة التي كانت معنا.. دخلنا تركيا وحدث وان تحركت نحونا وحدة عسكرية مع مدرعات وجنود.. قلنا لكريم الذي كان يجيد التركمانية.. ان لا يتحدث بها اطلاقاً ويكشف نفسه لهم.. لكي يسمع ما يقولون ويترجمه لنا بالخفاء.. حتى نعرف بماذا يفكرون وكيف سيتعاملون معنا.. وان فكروا بغدرنا.. أتوا بمترجم كردي من الجنود الذين معهم.. اخذ يترجم حديث الضابط واسئلته لنا..
قلنا له ان مسعود البارزاني ينتظرنا ويجب ان نصل اليه خلال ثلاثة أيام.. وإذا رفضتم استقبالنا سنموت بيد الجيش العراقي.. وبعد ان اتصل الضابط بمرؤوسيه.. تم استقبالنا ونقلنا الى معسكر وبدأ التحقيق معنا كمجموعة..
استخدم الضابط التركي تعبير (تعبير بي شرف) في مخاطبتنا ونحن جالسين فرد عليه سالم.. لماذا تهيننا وتستخدم هذه العبارات.. نكر الضابط وقال له سالم انها بنفس المعنى في الكردي أيضا..
بعد ساعات قليلة تم نقلنا الى قضاء قريب وتم ايداعنا في السجن مع عدة عوائل من اللاجئين العراقيين.. الذين سبقونا في العبور.. كان عددهم كبيراً ومتواجدون في قاعتين باردتين.. وضعونا في احدى القاعات دون فراش.. فاعلنا الاضراب.. كان الحراس يتحدثون الكردية.. قالوا أنتم لستم في السجن.. لكن لا يوجد مكان فقط هذه الليلة.. وسوف ينقلونكم للحدود الإيرانية غداً.. ويحتاجون للموافقة فقط.. كنا جوعى فجلبوا لنا البطانيات وأكل من رز مطبوخ مع كباب وكمية كبيرة من الخبز زادت عن حاجتنا.. وواصل زيا اضرابه ولم يتناول الطعام.. وفي الصباح احدثنا جلبة كبيرة وهزينا الباب فأخرجونا نحو السيارات التي هيأوها لنقلنا نحو الحدود الإيرانية.. ولم يبقى الاً ان نتجاوز سلسلة جبال وتكون إيران في مواجهتنا..
وعند السفح توقفت السيارات العسكرية التركية.. لننزل منها ونصعد الجبل للعبور الى إيران واستغرق عبورنا ساعة ونصف لحين وصولنا مقر زيوكا في الحدود.. كان أبو حكمت يوسف حنا القس متواجداً هناك كسؤول اول.. وجدنا في المقر قسم من الأنصار.. الذين كانوا معنا في الحصار في مراني ممن سبقونا للوصل الى تركيا.. ورافقتهم في المفرزة الأولى المكونة من 48 نصيراً.. والآخرين شاهدناهم في المجمعات والخيم التابعة إيران ومنهم نوئيل الألقوشي..
وبقيت في المقر.. وسألني أبو حكمت عن النقود من الدولارات.. التي استلمتها من الرفيق أبو سلوان.. في مراني..
فقلت له بتعجب:
ـ أي نقود؟ أنا لم استلم أي فلس من أبو سلوان..
يبدو ان أبو سلوان كان يتصور إني قد هلكت في الحصار.. واستغل هذا الاحتمال.. لذلك صاح أبو حكمت على أبو سلوان بعصبية.. وخاطبه فوراً قلت:
ـ ان مخلص قد استلم مبلغاً من الدولارات وهذا مخلص.. ارتبك أبو سلوان وقال:
ـ الجماعة قالوا: اعطيناها الى مخلص..
قلت له:
ـ انت قلت لـ (أبو حكمت) إنك انت اعطيتني الدولارات ولم تقل لهم اسم شخص آخر..
فارتبك وقال..
ـ يبدو انا ناسي بسبب التعب.. تصورت اننا اعطينا مخلص مبلغاً من الدولارات..
وكانت هذه اول مفاجأة وصدمة لي.. لم أكن أتوقع في هذه المحنة أن يتواجد بيننا من تسول نفسه ليسرق جزء من أموال الحزب بهذه النذالة..
واحتد أبو حكمت وطلب من أبو سلوان مغادرة الغرفة.. طلبت من أبو حكمت وجبة اكل وشاي ونمت بعدها بسبب التعب والارهاق..
بعدها طلبت الذهاب الى المقر الذي يتواجد فيه أبو فاروق.. اخذوني في طرق جبلية وعرة غير مبلطة بسيارة استغرقت 6 ساعات.. واستقبلني أبو فاروق بحرارة.. وقدمت له تقرير شفهي اولي عما حدث في أجواء الحصار.. وتحدث معه عن موضوع الدولارات.. التي سألني عنها أبو حكمت.. وارتباك أبو سلوان..
كانت امنيتي ان تجري محاسبة الرفاق والمسؤولين.. عن الخسائر التي حدثت في الأنفال.. بسبب التصرفات والقرارات الخاطئة.. وغير المسؤولة.. وضعف وتهاون المسؤولين وانهيار البعض ممن كانوا في الموقع القيادي.. والمسؤولية تتطلب ان يكافحوا ويصمدوا لحين إيجاد طريق للخلاص للمحاصرين..
لكنهم سلكوا سلوكا مشيناً.. وغادروا مع اول الوجبات.. تاركين رفاقهم والانصار في لجة الحدث يواجهون مصيرهم.. لا بل هناك من يتحمل مسؤولية خسارة العوائل واستغل موقعة للإيقاع بهم والتخلص منهم بحجة قرار من المكتب السياسي.. واخص بالذكر في هذ المجال كل من (أبو رنا لبيد عباوي المسؤول الأول.. وأبو سلوان.. وأبو أمجد)..
بالمقابل اشيد بموقف توفيق كمسؤول عسكري وبطل.. وضع نفسه في خدمة الجميع.. وضحى بعائلته من أجل ان ينقذ رفاقه.. والأنصار زيا ومنار وأبو بسام وسالم شقيق أبو ظافر ومخلص ككه وملازم هشام وأبو حياة وسعيد دوغاتي ودارا عمادية وكريم دويه وأبو سلام رضوان.. وكثيرين لا أتذكر أسماؤهم للأسف الان..
ولا زلت متأثراً من موضوع خسارة العوائل.. وما فقدته انا شخصياً.. حيث كنت اعتقد وما زال بإمكانية انقاذهم.. واعتقد ان سبب الخسائر الفادحة التي حدثت تعود الى نقص التفكير عند المسؤولين الذين شخصتهم وحددتهم.. والانانية التي نمت كغريزة لإنقاذ الذات أولا.. وهذا ما أفقدهم الدور القيادي والإنساني في تلك المحنة.. ودفعهم للتفكير بإنقاذ أنفسهم أولاً.. وعلى حساب الآخرين من الأطفال والنساء الذين تمت التضحية بهم في تلك الساعات الملتبسة..
ـــــــــ
المانيا ـ هامبورغ
2آب 2021
اجل التحرر والاشتراكية
الاسم والولادة.. مخلص ميخا اسطيفو.. عرف بين الأنصار بـ مخلص الصغير من مواليد 1964 الموصل ـ موصل جديدة.. درس في مدرسة بابل في منطقة الساعة بالقرب من الكنيسة البطرية.. وفي الأول المتوسط سنة 1977 فصل من الدراسة بسبب عدم انتسابه لطلائع البعث والفتوة التابعة للسلطة..
وحدث له مشاكل بسبب علاقة حب مع فتاة في الموصل لم يكن يستوعب تبعة الفروقات الدينية وتعرض بسببها الى اعتداء وطعنة بوكس حديد من ابن عم الفتاة.. وكان في نفس الوقت يعمل في محل للشبابيك مع شخص سرياني اسمه لؤي من بعشيقة..
وكانت للحادثة تأثير عليه دفعه لمواجهة من يسعى للاعتداء عليه من البعثيين لاحقاً وفقاً لتقاليد العائلة الثورية.. بالإضافة الى والدته الحازم والمتميز الذي غرس في ذاته القدرة على التحمل وعدم الخنوع لمن يسعى لاستعباده واستغلاله..
يقول مخلص:
دارنا المكونة من طابقين في منطقة الساعة في الموصل.. كانت ملتقى لعدد من كوادر في قيادة الحزب.. منهم توما توماس.. وأبو عامل ابن عمنا.. وإحدى الغرف فيه كانت موصده.. ولا نعرف السبب لحين دخولنا اليها من باب آخر.. فوجدنا ممو ـ أبو ايفان (هرمز يوسف زورا اسطيفان) مختبئاً فيها.. وتفاجأ بنا كما تفاجأنا نحن بوجوده..
وبقي متواجداً في الدار لمدة أسبوع.. كان يشاهد زوجته وابنه في فناء الدار من وراء الشباك.. دون ان يحدثهم.. لأن زوجته لم تكن تعرف بوجوده عندنا.. وكان هذا في خريف عام 1978 قبل التوجه الى بغداد ومن ثم كردستان مع مجموعة من رفاق قرى ومدن سهل نينوى الذين قرروا الرد على السلطة والبدء بإعلان الكفاح المسلح.. وتعرض البعض منهم لاحقاً الى مشاكل في اول نزول للمفرزة الانصارية نيسان 1979.. وأدت الى انفصال ممو وخليل سنجاري ـ أبو شوارب.. وتوجههم للاختفاء من جديد.. حيث عاد ممو الى نفس الدار ليختبئ فيها هذه المرة كنصير.. والتقى بخليل سنجاري في احدى مناطق الموصل قرب الجسر القديم بعد ان هيأ شقيقي بطرس بدلة من تلك التي كان يرتديها من يسمون بالرفاق في حزب البعث له.. وفي هذا اللقاء رتبوا امر خروجهم الى سوريا ومن ثم تمكنوا من العودة الى أول مقر في كلي كوماته في اقصى الحدود التركية العراقية..
وفي هذه الفترة بدأ اهلي يتضايقون من مشاكساتي الشبابية ويخافون عليّ من إجراءات السلطة لذلك دفعوني لمغادرة العراق.. وأنا لم ابلغ الـ 17 عشر من العمر.. فتوجهت الى الاردن بالباص وتمكنت من الوصول الى عمان مع شقيقتي كاميلا.. وعاصمة وهي قريبة لنا وشقيقة باسم وعصام.. وبمساعدة من خطيب شقيقتي كاميلا عبرنا أنا وعاصمة الى دمشق والتقينا بشقيقنا الآخر أبو إبراهيم ـ أبو بلقيس الذي كان عضو شعبة في حزب البعث.. وتمكن من مساعدة وتهريب أبو عامل الى سوريا بعد خروجه من السجن.. وقرر الهرب هو الآخر واتصل بالشيوعيين وأصبح شيوعياً.. ومن هنا كنت اعد نفسي للالتحاق بصفوف الأنصار.. خاصة بعد ان شجعني أبو ايفان على ذلك.. وهو يؤكد على صعوبة الأوضاع والحياة القاسية في كردستان.. مع قلة الأكل وكان يمزح ويقول بمزح.. هناك لا يوجد من يحتاج للحليب.. وكان قد ترك في بيتنا صورة غير ملونة له.. وكتب عليها الحياة حلوة.. لكن الموت في سبيلها أحلى.. وأخذ يشرح لي معناها بصورة تتناسب مع مداركي..
بقيت في سوريا ما يقارب السنة.. كنت اعمل في دمشق مع أحد الشيوعيين السوريين القياديين ممن توجهوا للعمل في صناعة رزارات الأبواب.. من خلال معمل صغير يعمل فيه ما يقارب الـ 15 عاملا مع عاملة واحدة.. تعرضت للفصل من العمل بسبب علاقتها معي.. ومشاهدتنا معاً في غرفة تناول الطعام.. وعملنا أيضاً فريقا لكرة القدم بتشجيع ودعم من الحزب.. وكنت أصغر لاعب فيه وخضنا مباراة ودية مع عدة فرق سورية وعراقية..
وواجهت امرين بعدها.. اما الذهاب في زمالة دراسية الى أحد موسكو.. بتأثير وضغط من الرفاق والأهل.. او الذهاب الى كردستان للالتحاق بالأنصار.. وكانت هذه رغبتي وأصررت على هذا التوجه.. وتحركنا الى القامشلي في نيسان 1982 وصادف عيد ميلادي الثامن عشر في كردستان في الرابع من أيار..
كانت الرحلة صعبة وشاقة استمرت مدة 26 يوم بسبب تعرض مفرزة سابقة لنا لكمين تركي واستشهاد أحد الرفاق.. وبقينا في مقر كيشان في منطقة زاخو.. ليومين ومن ثم تحركنا نحو مقر كوماته ووصلنا بعد ثلاثة أيام من المسير المتواصل.. وتم تنسيبنا الى موقع (يك مالة) على الحدود التركية على بعد 40 دقيقة من السير عن كوماته..
وفي فصيل الحراسة تم تدريبنا واعدادنا لتقبل حياة الأنصار والالتزام بالواجبات.. وكل ما له علاقة بمتطلبات اليقظة والتعاون والاستعداد للتضحية.. وجرى معي تحقيق اولي من قبل لجنة تشكلت من أبو هندرين وأبو طالب وأبو حازم ناصرية.. وكان اسمي الحركي أبو رستم.. واقترح أبو هندرين اختيار اسم بدون لقب.. وتم اختيار اسم مخلص تيمنا باسم صديق لي هو مخلص عزيز.. وأصبحت مع الأيام احمل لقب مخلص الصغير بعد ان ناداني به الراحل أبو كريم..
وكنت أصر على ان اتعلم بسرعة متطلبات حياة الأنصار وفقا لحاجتنا.. وحينما تعرضنا للقصف من قبل الطيران.. حاولت ان اثبت لمن معي جدارتي وشجاعتي وتوجهت الى موضع الدوشكا بالرغم من إني لم أكن اجيد استخدام هذا السلاح في حينها.. ولكن هذا دفعني لكي اتعلم استخدامها لاحقاً وبدأت اجيد الرمي عليها بسرعة..
وبدأت اتعلم الطرق التي يتسلل منها الأنصار للعمق.. ومنها طريق قمرية المؤدي الى مجموعة قرى متين ومقر الفوج الثالث في كلي هسبا.. وبعدها تعلمت طرق الوصول الى مناطق سوران وجرى تكليفي بمهمة البريد الخاص بين مقرات الحزب في بهدينان وسوران من سنة 1984 وكان معنا الشهيد أبو كريم وأكرم التركي.. لحين استلامي المهمة..
وفي عام 1984 نسبت الى الحماية مع أبو جوزيف.. واشتركت في مفرزة يقودها أبو جوزيف وبمشاركة أبو ليلى صباح الألقوشي.. نفذت القوة اول عملية انصارية بإشراف توما توماس على طريق سرسنك ـ العمادية بالنهار.. واستهدفت قافلة عسكرية من سيارتين.. وطلب مني أبو جوزيف ان أكون في الخلف قريباً منه.. واتابع مجرى المعركة لكي اتدرب.. شاهدت أبو ليلى والآخرين يتصدون للعسكر بشجاعة.. وسرعة لم تتجاوز الربع ساعة من الوقت لننسحب ونبتعد من محيط المعركة التي تبعها حركة طيران.. بعد أقل من ساعة.. من دون حدوث رمي.. وانسحبنا نحو شعاب جبل متين باتجاه كلي هسبه.. وفي اليوم التالي تحركنا نحو مقر مراني.. وكنت أفكر مع نفسي ان أصبح قائداً لمجموعة انصارية كما هو الحال مع من أثروا بي وقررت ان أكون مثلهم..
وساهمت بعدها بعدة عمليات مهمة.. منها عملية احتلال مانكيش وتحريرها.. ومن ثم التصدي الى تقدم الجيش في منطقة زاخو.. واقتحام مطار بامرني.. وعدة عمليات وكمائن ونمت معي مشاعر الحقد على صدام وممارساته الدموية.. من تخريب وتهجير وقتل وحرق.. وما كنا نشاهده في كردستان ونسمع عنه في ساحات الحرب مع إيران.. حيث الاعدامات المتكررة للجنود.. بتهمة الفرار من الجيش او التخاذل في المعركة..
وهكذا أصبحت مندفعاً لمواجهة خطر البعثيين على المجتمع.. وكنت اشمئز من عملائهم الذين ينشطون لخدمة أجهزة القمع.. واكتشفنا عدة اشخاص مندسين أرسلوا ليعملوا في صفوف الأنصار والبيشمركة لصالح أجهزة النظام.. وكان للأسف عددا منهم من أبناء بلدتي القوش..
وفي أحد الأيام غادرت مقر القاطع في زيوا خلف العمادية.. من دون ان اعلم مسؤولي المباشر وتوجهت الى مقر الفوج الثالث.. في كلي هسبه.. وأصبحت اتنقل بين المفارز.. لكي أشارك في العمليات القتالية والنشاطات العسكرية.. وبعد ثلاثة أسابيع أرسل القاطع عليّ للعودة الى المقر ومواصلة العمل في مفارز البريد.. رفضت قبول الأمر وطلبت نقلي الى مفارز قتالية..
وبعد شهر من هذا النقاش تم تشكيل مفرزة جديدة باسم السرية السابعة.. يقودها سليم مانكيشكي ونسبت اليها وشاركت في عملية تحرير ناحية مانكيش.. عام 1986 وعدة نشاطات أخرى لغاية استشهاد آمر السرية سليم بحادث مؤسف.. وانسحابنا للقاطع في وضع مرتبك بسبب هذه الخسارة غير المتوقعة التي صدمتنا.. وترافق ذلك مع العاب الاولمبياد وقررنا احياء نشاط رياضي باسم سرية الشهيد سليم مما خفف من معاناتنا النفسية..
وتحولت السرية السابعة الى سرية الشهيد سليم.. وكان لفقدانه تأثيراً نفسياً عليّ وفكرت بالانتقال الى مقر مراني بغية مواصلة العمل في العمق.. وعملت لمدة سنة ونصف في سياق مهمات خاصة.. وكنت متفرغاً لمهام لها علاقة بالنشاط القيادي للحزب..
وفي أجواء المؤتمر الرابع اقترح أبو جوزيف على الحزب فكرة ارسالي لدورة عسكرية لتخريج الضباط في اليمن الديمقراطية..
وناداني أبو جوزيف وطرح على الفكرة امام عزيز محمد وأبو عامل وكريم احمد وعبد الرزاق الصافي.. لكني رفضت وقال لي أبو عامل هذا قرار وطلب مني أبو جوزيف باللغة السريانية الموافقة والقبول.. وقال لا تخجلني امام القيادة.. لأنه كان هو صاحب المقترح ويفكر لبعيد.. ومع ذلك رفضت الفكرة ولم أوافق على المقترح..
عدت الى مقر بهدينان.. كان هناك توجه من المكتب السياسي للانتقال الى بهدينان.. وطلب مني أبو تحسين امر سرية القاطع التهيؤ للسفر الى مقر لولان لجلب عدد من القياديين كدليل وغادرت باتجاه لولان ومن ثم عدت مع عدد من القياديين منهم.. عزيز محمد وعبد الرزاق الصافي وكاظم حبيب وسليم إسماعيل ـ أبو يوسف ـ الذي كان لا يستطيع السير ويستخدم الحصان في التنقل مع مجموعة أخرى من الكوادر والانصار تجاوز الأربعين نصيراً.. وكنت دليل المفرزة مع سامي وتوت..
ووصلنا مقر زيوا وحدثت إشكالات في الطريق بسبب الانانية من قبل من كان يريد ان يثبت نفسه ويتباهى على حساب الآخرين..
قال عزيز محمد وأبو يوسف نحن ننتظر جهودك.. وحدث لغط وتشتت في المسير.. وقبل وصولنا الزاب العالى ذهبت لاستعادة بقية الأنصار الذين تأخروا.. وبعد ساعة تمكنا من اعادتهم وسحبهم نحو الزاب الأعلى بعد ان عبرنا باتجاه الزيبار..
وعدت الى مقر مراني بعد هذه المهمة.. ونسبت للعمل في مهمات للداخل مع صباح كنجي في سهل نينوى.. وكنت حينها منسباً لمقر مراني لمهمات خاصة.. لحين ما قبل الأنفال بستة أشهر.. حيث تحركت في مهمة الى مقر المكتب السياسي في لولان.. وعدت الى مراني في تموز 1988.. وفي نهاية تموز تحركت نحو مقر كلي هسبه.. وكانت الأجواء تقترب من الأنفال.. والحديث يدور عن احتمال توقف الحرب العراقية الإيرانية.. وتوجه النظام للقضاء على الحركة المسلحة في ثلاثة أيام فقط.. وكانت الأخبار والدعايات تنتشر بين الناس في القرى.. وتباينت المواقف من هذه الدعايات وبدأ الأنصار يتناقشون في الاحتمالات الممكنة.. والتمسنا مشاعر الخوف لدى الناس لأول مرة..
بداية الأنفال
وحينما عدت الى مراني في نهاية آب من معبر طاشيكا وآشوا بين سرسنك وسواره توكه.. وجدت المقر فارغاً الاّ من بعض الحراس والعوائل انتشرت على شكل مجموعة كبيرة بعيداً عن المقر بحدود 3 كلم.. وكانت القرى بين سواره توكه ومراني فارغة من السكان.. الذين هجروا مساكنهم بما فيها قرى سوار واسبندار الكبيرتين..
في المقر حينما وصلت عند منتصف النهار صدمت بالوضع المأساوي للرفاق والعوائل وكان الوضع النفسي يوحي بالانهيار والانكسار وملامح التعب بادية مع آثار الجوع الذي أرهق المتواجدين وبالذات الأطفال الذين كانوا يبكون من الجوع والعطش..
والتقيت بالدكتور باسل.. الذي كان مع الذين بقوا في المقر.. ويتعاونون على تفريغ المقر من الأدوية والوثائق ومواد الأعلام.. وطرح عليّ قضية خاصة شخصية بحدة ونكرتها.. لأن الوقت غير ملائم لمناقشة هكذا أمور..
غادرت الدكتور باسل وحدي.. بعد ان خبزت للمتواجدين كمية تجاوزت الـ 180 قرصة من الخبز وتوجهت لاستطلاع المنطقة.. وحينما عدت كانت النقاشات تدور حول تسليم العوائل.. كحل للتخلص من وجودهم وصعوبة تأمين مستلزمات العيش لهم في ظل الحصار.. علما أنى كنت قد ابلغتهم بأن طريق العمادية كان تحت سيطرة الجيش.. الذي بدأت التحركات العسكرية تتكاثف وتتجمع فيه.. مع بدء قصف مدفعي ونشاط متميز للطيران في أكثر من محمور..
شاهدت توفيق وأبو أمجد وأبو عمشة وهشام وأبو حياة وأبو رنا.. كانوا في أطراف المقر والجدل حول العوائل ومصيرهم يحتدم بينهم.. والتمست من العوائل انهم لا يرغبون في التسليم ويفضلون البقاء والموت.. او النجاة مع الأنصار..
لكن لبيد عباوي ـ أبو رنا ـ قال:
ـ هذا قرار من المكتب السياسي.. ويجب ان يجري تسليم العوائل وسمعت هذا مباشرة من أبو رنا..
قلت له:
ـ كل الاتصالات مقطوعة.. ولا نستخدم أجهزة الاتصال.. متى اجتمع المكتب السياسي وقرر هذا؟.
كنت أفكر بجهودي وامكانياتي الذاتية.. بأن يكون لي دور.. وان لا نساهم في تسليم العوائل.. ونفكر بوضخ خطة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. وابديت استعدادي لتبني هذه الفكرة والسعي لسحب العوائل الى مناطق الحدود.. بحكم معرفتي بالمسالك والطرق.. اثناء فترة المراسلة ونقل البريد الحزبي بين المقرات..
والتمست أيضا ان بعض الرفاق يعارضون تسليم العوائل.. وكان أبرزهم وأكثرهم وضوحاً في تحديد موقفه النصير توفيق الختاري ـ أبو زكي ـ الذي كان مسؤولا عسكرياً للفوج الأول في حينها.. كذلك كانت لعدد من الرفاق مواقف.. ولكنها لم تكن بحدة موقف توفيق.. من ضمنهم أبو عمشه.. الذي كان ضد تسليم العوائل هو الآخر.. لكن توفيق كان أكثر وضوحاً.. وحمل أبو رنا والحزب مسؤولية مصير العوائل في حالة تسليمهم..
وعلمت ان أبو أمجد متفق مع القرار.. وكذلك سمعت ان أبو سربست ملتزم بقرار الحزب.. واتضحت المواقف أكثر بعد ان أعلن النظام بتاريخ 6/9/ 1988عفوه المفخخ.. الذي شكك به الكثير من الأنصار واستغله أبو رنا وأبو سلوان ليمارسوا المزيد من الضغوط على الكوادر والعوائل للتسليم..
كانت العوائل خائفة ومترددة ورافضة للتسليم.. منها عائلة توفيق.. وعائلة أبو نصير هرمز عين بقري.. وعائلة أبو ماجد وعائلة سعيد دوغاتي وعوائل سواري كانوا يرفضون التسليم وكنت مع أبو فلمير لآخر لحظة.. وكان يشجعني ويمتدحني ويشيد بي في هذه الأجواء..
وكانت جموع من الفلاحين تتوجه نحو الجيش في أطراف مقر مراني.. من قرية ميزة التي كنت استطلعها من أجل إيجاد معبر او منفذ للخلاص من الطوق والطيران كان يجول في المنطقة من دون قصف.. قياساً لما سبق من أيام للعفو.. حيث كان القصف يتواصل في عدة محاور..
في هذه المحنة جرى التفكير بتقسيم المجموعة الكبيرة.. الى عدة مجاميع أصغر تسهل التحرك والتسلل الى الدشت في مجموعات صغيرة.. للاتصال بالتنظيمات الحزبية في سهل نينوى.. ومجموعة تتحرك نحو الفوج الثالث والدوسكي.. لكنها فشلت في العبور وعادت..
وأذكر من المجموعة التي تحركت نحو قرى الدشت في سهل نينوى كل من (ماجد القوشي ـ عصام ومخلص ككه وزيا)
ــــــــــــــــــ
المانيا ـ هامبورك
2آب 2021