.
لم يسمّ تنظيم “داعش” زعيما جديدا له حتى الآن، وبينما تحدث مراقبون في الأيام السبعة الماضية عن “تأخير ملحوظ” لاتخاذ هذه الخطوة، أشار آخرون إلى أن ذلك تحكّمه “التراتبية” التي يجب أن تكون تفاصيلها حاضرة لاختيار “الخليفة الجديد”، بدلا عن “أبو إبراهيم القرشي”، الذي أعلنت مقتله الولايات المتحدة الأميركية.
وفي الوقت الذي يسود فيه الترقب عما سيكون عليه “داعش” في المرحلة المقبلة، أعلنت الشبكة الدعائية الناطقة باسمه (وكالة أعماق)، الأربعاء، عن “سلسلة هجمات” نفذتها “خلايا” تتبع له في كل من محافظتي الحسكة ودير الزور السوريتين، التي تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على أجزاء منها.
“بث الروح”
وهذه الهجمات قالت الشبكة إنها نُفذت في حي غويران جنوبي الحسكة، إضافة إلى منطقتي الشحيل وذبيان في ريف دير الزور، شرقي البلاد، مشيرة إلى أنها استهدفت نقاط ومواقع تتبع لـ”قسد”.
لكن الناطق باسم “قسد”، فرهاد شامي، أشار في حديث لموقع “الحرة”، إلى أن مزاعم “أعماق” هي “دعاية فاسدة للتنظيم، ومحاولة لبث الروح في خلاياه الإرهابية، بعد فشلها في مخطط سجن الصناعة بالحسكة، ومن ثم القرشي والعديد من المتزعمين”.
ويقول شامي: “تنظيم داعش يحاول عبر تضخيم الهجمات إعلاميا التخلص من الأزمات التي تهدد وحدته ومعنويات عناصره”.
وتحدث الناطق باسم القوات الكردية أنهم “نفذوا خلال الأيام الماضية العديد من حملات التمشيط في الحسكة ودير الزور والرقة”، مضيفا: “ألقينا القبض على العديد من عناصر الخلايا، ونجحنا في إفشال العديد من الهجمات وقتل العناصر الإرهابية، بما فيهم ممولون أساسيون لخلايا التنظيم”.
ويعتبر ما تحدثت به الشبكة الدعائية للتنظيم أولى التحركات من جانبه بعد مقتل زعيمه “القرشي” بضربة أميركية في شمال غربي سوريا، ورغم أن “أعماق” أوردت تفاصيل “الهجمات”، إلا أنها لم تتطرق لما حصل قبل أسبوع.
ولـ”داعش” شبكات دعائية عدة، أبرزها الوكالة المذكورة التي تنشط بحسابات مختلفة على تطبيق المراسلة “تلغرام”، و”صحيفة نبأ” التي سبق واستعرضت، قبل أسبوعين حصيلة الهجوم الذي تعرض له سجن الصناعة في حي غويران بمحافظة الحسكة.
وإلى جانبهما هناك ناطق إعلامي باسمه في الوقت الحالي، ويعرف بـ”أبو حمزة القرشي”، وهو الشخصية الثالثة التي تولت هذا المنصب، بعد “أبو الحسن المهاجر” و”أبو محمد العدناني الشامي”، اللذان قتلا في أثناء عهد “الخليفة السابق”، أبو بكر البغدادي.
وبينما قتل “أبو الحسن المهاجر” بعد أيام من مقتل “البغدادي” بعملية نفذتها الولايات المتحدة الأميركية، ما يزال “أبو حمزة القرشي” على قيد الحياة، وهو الذي لا تعرف هويته أو صورته حتى الآن.
وكان “أبو حمزة” أول من نطق باسم “أبو إبراهيم القرشي خليفة”، بعد مقتل “البغدادي”، وبعد ذلك اتجه شيئا فشيئا للترويج للأيديولوجيا التي يسير من خلالها “داعش”، ناشرا منذ تسلمه منصب الناطق أكثر من خمس تسجيلات صوتية.
وتنوع محتوى التسجيلات ما بين الإعلان عن العمليات العسكرية والأمنية في مختلف المناطق التي تنشط فيها خلايا “داعش”، وخاصة في سوريا والعراق، وإطلاق التهديدات التي طالت دولا غربية وعربية، ومجتمعات محلية في البلدين المذكورين، من عشائر وغيرها.
“التراتبية تحكم اسم الخليفة”
وكان مقتل القرشي (45 عاما)، بمثابة ضربة قاسية أخرى لداعش بعد عامين من خسارة الجماعة المتطرفة للبغدادي في غارة مماثلة، في عام 2019.
و”القرشي”، عراقي الجنسية، وخلال فترة تزعمه لم يخاطب علنا مقاتليه أو أتباعه، وتجنب الاتصالات الإلكترونية، وأشرف على التحرك للقتال في وحدات صغيرة تم نقلها ردا على الضغط المكثف من القوات العراقية والقوات التي تقودها الولايات المتحدة، بحسب وكالة “رويترز”.
ونقلت الوكالة عن مسؤولين أمنيين عراقيين وثلاثة محللين مستقلين، قولهم، الأربعاء، إن الزعيم القادم لتنظيم داعش “من المرجح أن يكون من دائرة قريبة من المتطرفين العراقيين المتمرسين، الذين ظهروا في أعقاب دخول القوات الأميركية للعراق عام 2003”.
بدوره يتوقع الخبير في شؤون الجماعات المتشددة، ماهر فرغلي، أن يعلن داعش عن مقتل زعيمه خلال الأيام الثلاثة المقبلة، وفي ذات الوقت سيسمي قائده الجديد.
ويقول فرغلي لموقع “الحرة”: “الزعيم الجديد من المرجح أن يكون وفق التراتبية التنظيمية من أعضاء اللجنة المفوضة، وهي أعلى هيئة داخل التنظيم، ويليها مجلس الشورى”.
ومن الأسماء البارزة في اللجنة المفوضة: سامي جاسم الجبوري، الذي ألقي القبض عليه قبل مقتل “القرشي”، معتز نعمان عبدالنايف الجبوري، زياد جوهر عبدالله، وبشار خطاب غزال الصميدي، وأبو حمزة القرشي المهاجر، ونايف حمد شياع.
ويضيف الخبير أن كل عضو في هذه اللجنة “مسؤول عن أحد الملفات التالية، كالأمن، والمخابئ الآمنة، والشؤون الدينية، والإعلام، والتمويل”.
أما فيما يتعلق بـ”مجلس شورى داعش”، يشير فرغلي إلى أسماء بارزة تتصدره أيضا، من بينها أبو محمد المصري، وأبو هاشم الجزراوي، أبو صالح الجزراوي، وأبو سعد الليبي، وأبو عبد الله القاضي الغلامي.
ويتابع: “باقي الأسماء المنشورة والمرشحة إما مقتولة أو مقبوض عليها”.
“تقاليد داعش”
في غضون ذلك يستبعد الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، حسن أبو هنية، أن يتولى الناطق “أبو حمزة القرشي” قيادة داعش، خلفا لـ”أبو إبراهيم القرشي”.
ويوضح في حديث لموقع “الحرة”: “داعش له تقاليد. دائما يجب أن يكون زعيمه قرشي وعراقي الجنسية. هو تقليد اتخذه بعد فصل الولايات، والتحول من القيادة المركزية إلى اللامركزية”.
ويتوقع أبو هنية أن “يبقى دور أبو حمزة القرشي في سياق المتحدث الرسمي”، مشيرا إلى أن “داعش في الوقت الحالي يتشاور، ومن المتوقع خلال أسبوع أو عشرة أيام أن يسمي زعيما جديدا”.
من جهته اعتبر الخبير، ماهر فرغلي أن “التأخر في إعلان اسم الزعيم الجديد نابع من خلافات أيديولوجية”، موضحا: “كل فريق يريد ترشيح شخصية منه. المعروف أن السابق (أبو إبراهيم) كان من فريق أبو محمد الفرقان، وهو فريق متطرف بشدة”.
وذلك ما يؤكده أيضا أبو هنية لكن في سياق آخر، بقوله: “التوافق سيكون بالتأكيد على شخصية عراقية ومتوافرة فيها الشروط”.
لكن و”نظرا لغياب قادات الصف الأول الذين تتوافر فيهم شروط القرشية”، يضيف أبو هنية: “قد يتم الإعلان عن شخصية أمنية غير معروفة، وبالتالي ستكون اللجنة المفوضة صاحبة الإدارة المباشرة”.
وزاد: “الشخصية ستكون عراقية هاشمية، وليست من القيادات المعروفة تاريخيا. هناك 50 شخصية قتلت أو اعتقلت، وهذه المرة اسم الزعيم الجديد سيكون رمزيا أكثر من عمليا”.
“تحذيرات من العودة”
وخلال الأشهر القليلة الماضية نفذ التنظيم هجمات عديدة مؤثرة، كان أبرزها تلك التي استهدفت سجن الصناعة في محافظة الحسكة، فيما يصفه الخبراء بـ”المؤشر” على تغير في تكتيكاته واستغلاله للصراعات المحلية والإقليمية للنهوض مجددا.
وبعد مقتل “القرشي” وبينما اتفقت الآراء أن الضربة تعتبر “قاسمة بالنسبة لداعش”، أكدت في منحى آخر أن خطر نشاطه قد يتواصل في المرحلة المقبلة، لاسيما أن معظم الهجمات تتم بناء على قرارات “لا مركزية”، أي كل مجموعة على حدى.
وحذر وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، فلاديمير فورونكوف، الأربعاء، من عودة داعش في سوريا والعراق وأفغانستان، بقوله: “لا تزال القاعدة وداعش والجماعات المنتسبة لهما تعتبر تهديدات خطيرة، فيما تتزايد الهجمات الإرهابية القائمة على كراهية الأجانب والعنصرية والتعصب”.
وجاء تحذير فورونكوف خلال استعراضه، في مجلس الأمن الدولي “تقرير الأمين العام الرابع عشر عن التهديد الذي يشكله تنظيم (داعش) للسلام والأمن الدوليين ونطاق الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة دعما للدول الأعضاء في مكافحة هذا التهديد”.
وأضاف المسؤول الأممي أنه “من الأهمية بمكان البناء على الزخم الذي أعقب مقتل زعيم التنظيم، أبو إبراهيم القرشي، إذ أن الوقت قد حان الآن لمعالجة المظالم التي يستغلها داعش والجماعات الإرهابية الأخرى في دعايتها لجذب أتباع جدد”.
وحذّر فورونكوف من أن الفروع الإقليمية لتنظيم داعش خارج سوريا والعراق “استمرت في التوسع على نطاق وسرعة مقلقين، بفضل انتشار الأسلحة التقليدية وغيرها، لا سيما في أماكن الصراع الهشة”.