بعدما نجحوا في تنفيذ معظم بنود المخطط الذي تم رسمه عام 2014م، وقد نشرنا حينها الخطوط الرئيسة في المؤامرة ضمن مقال تحت عنوان (الخطة السرية لتدمير كردستان) بتاريخ 11/10/2014م، ولأنها لم تحجم من الصعود الكوردي رغم نجاحهم في كثيره، قاموا، وهم نفس القوى الإقليمية، بوضع مخطط جديد يتلاءم والمرحلة الزمنية، والمدى الذي بلغته القضية الكوردية، ضمن المحافل الدولية والمكتسبات التي حصلوا عليها.
درسوا بعناية ما قد تؤول إليه مصير سوريا والمنطقة الكوردية، واتفقوا على تجديد المخطط السابق، مع صياغة بنود لا تقل كارثية عما تم رسمه في عام 2014م والتي على أسسها تم تدمير كوباني، كانوا يأملون في احتلالها، ومن ثم احتلال جرابلس والباب، ومنطقة عفرين وكوباني وكري سبي وسري كانيه، والخلاف بين الحاضر والماضي، هي أن المصالح الأمريكية في المنطقة الكوردية تقف في وجه المخطط الحديث، رغم التغاضي الأمريكي عن بعض القضايا، كالقصف التركي المستمر للمناطق الكوردية، حفاظاً على مصالحها الاستراتيجية وهي في مرحلة المواجهة مع روسيا. لكن وفي الجهة الأخرى، المخطط يتماشى مع الوجود الروسي في سوريا، لكنها مع ذلك تضع شروطها في المواجهة، وترجح مصالحها الذاتية، ومن ضمنها مصلحة النظام. ومآلات المخطط هي:
1- عزل الحراك الكوردي من المشهد السياسي السوري ومن الحوارات الممكنة حدوثها حول قادم سوريا.
2- حصر الاتفاقيات بين المعارضة العربية والتكفيرية وبين النظام.
3- إخراج أمريكا من المنطقة الكوردية، أي الحماية الأمريكية السياسية لهم.
ويتم ذلك وبأساليب متنوعة، لـ:
1- إلغاء ليس فقط الإدارة الذاتية بأحزابها، وإعادة السلطة أو المعارضة لإدارة المنطقة، مثلما تم في عفرين وسري كانيه، بل تحجيم دور الأطراف الأخرى من الحراك الكوردي.
2- تهميش القضية الكوردية ضمن مجريات الحوارات على قادم سوريا، ومعالجتها من بين قضايا المواطنة ضمن دستور سوريا العربية.
وفي الواقع معرفتنا لهذا المخطط أنتقل قبل فترة من مرحلة الحدس إلى الحقيقة، وتم تحذيرنا وبدورنا نحذر حراكنا الكوردي، والقوى السورية الوطنية، حول ما بلغنا، ولا بد من التنويه إلى أن المخطط لم يتم من أجل قادم سوريا ومكوناته، بل للحد من الصعود الكوردي على الساحة الإقليمية والدولية.
وزعت الأدوار لتنفيذه بين القوى الإقليمية كالتالي:
1- تصعد تركيا التأثير الدبلوماسي على ممثلي، الدول الكبرى وهيئة الأمم، المعنيين بالقضية السورية، كغير بيدرسون، والذي تم دفعه ليقول أن الكورد لن يكونوا قسم في المحادثات على قادم سوريا. ويقول وزير خارجية روسيا (سيرغي لافروف) بأنه لا يعرف ماذا يريد الكورد؟ قبل أن يتراجع، ويقول أن غربي كوردستان يجب أن يكون بنظام فيدرالي على غرار الإقليم الفيدرالي الكوردستاني في العراق، وذلك كرد فعل، على خلافهم مع تركيا حول مساعدتها لأوكرانيا بطائرات بيرقدار.
2- تقوم تركيا وبمساعدة منظمات المعارضة، في القصف المستمر لمناطق الإدارة الذاتية، ومناطق جنوب كوردستان، لتوسيع شرخ الخلافات بين الأطراف الكوردستانية من جهة، وزعزعة الأمان في المناطق الكوردية. وهم يأملون أن تدفع هذه بـ
3- السلطة لإقناع روسيا بالضغط على الإدارة الذاتية للمطالبة بفتح الحوار معها، ليضع النظام شروط العودة عسكريا وسياسيا حسب رغبتها، ومن ثم تقوم بأستلام إدارة المنطقة، وبعدها إزالة المكتسبات التي حصلت عليها الإدارة الذاتية على مدى السنوات الماضية.
4- ولإيران دورها في زعزعة المنطقة من خلال خلاياها الإرهابية، وعلى الأرجح ستكون لهذه تبعاتها على قادم الإقليم الفيدرالي الكوردستاني.
والكورد الذين لا يعيرون المعلومة أهمية، مثلما فعلوها مع سابقتها، ربما لأنهم لا يدركون مكانة الشعب الكوردي في الشرق الأوسط، ومدى ثقل قضيتنا مقارنة بالقضايا المثارة في المنطقة. وعليه تستمر لا مبالاة أطراف الحراك وتركز على توسيع شرخ الخلافات، وترسيخ تهم التخوين، مثلما تكرر منظمات الإدارة الذاتية اعتداءاتها على الأطراف الكوردية الأخرى، وبالتالي نلتهي بالداخل ونفشل جميعا معا، خارجيا وداخلياً.
من الغرابة أن أغلبية حراكنا الملتهية بالخلافات الداخلية لا ينتبه، أن ضبابية أو تأرجحها بين المطلب القومي والوطني في غربي كوردستان، وتأثير المصالح الحزبية على مواقفهم، وما يجب أن تكون عليه قادم المنطقة في سوريا القادمة، سهلت للقوى الإقليمية نشر دعاياتها، حسب مصالحها، ونقلها لتكهناتها إلى دعاية إعلامية، حول غايات الشعب الكوردي، معتبرة أن المطالبة بالنظام الفيدرالي، أو الإدارة الذاتية، توجه مبطن غايتهم التقسيم أو الانفصال، عارضين بديلهم كمنة، وهي حقوق المواطنة ضمن سوريا الوطن الافتراضي.
دفع هذا بالبعض من شخصيات الحراك الكوردي على طرح والترويج لمنطقهم، وبدأوا يعالجون منطق الوطن السوري بجدلية تتلاءم والقوى المحتلة لكوردستان قبل الشعب الكوردي، وبشكل أعمق من طروحات الأنظمة المحتلة ذاتها، مع ذلك وكبعد سياسي لربما معروضهم لن يخلق إشكالية على الساحة الوطنية، وقد يكون لها صداها، وثقلها على الساحتين الداخلية والخارجية، فيما لو وضح المطلب بكل حيثياته، شريطة أن يتم التركيز على أن النظام المقترح، الفيدرالي، هو الأنسب لتكوين الوطن الملائم للشعوب السورية، مع تبيان الفيدرالية الكوردستانية في سوريا الوطن، المشابهة لما تم في جنوب كوردستان، أي ضمن العراق، وبهذا سيتم تفنيد تهمة الانفصال المرافق مع الاسم الكوردي.
لكن ولئلا يشكل الحراك الكوري موقف موحد حول النظام الفيدرالي، ولا يبلغوا مرحلة يمكنهم فيها إقناع القوى السورية الأخرى بأفضليته للجميع، وضعت القوى الإقليمية المخطط المنوه إليه، وروجت على أن النظام الفيدرالي مقدمة للانفصال، وهو غير ملائم لواقع شعوب المنطقة، مع عرض العديد من الحجج، كالتداخل الديمغرافي، واختلاف المستويات الاقتصادية للمناطق، وغيرها، وهدف جل المخططات منع تكرار تجربة الإقليم الفيدرالي الكوردستاني، والتي قد تؤثر على قادم تركيا وإيران.
فعلينا كحراك كوردي، والسوريين الوطنيين، العمل معا لتعرية وإفشال المخطط.
وعلى الجميع، وفي مقدمتهم المعارضة السورية الوطنية النزيهة، أن يدرك أنه بغياب القضية الكوردية من قادم الوطن، وعودة النظام أو تسليط المعارضة التكفيرية ومعهم تركيا إلى المنطقة الكوردية، ستتجه سوريا إلى:
1- التناحر الدائم، واحتمالية خسارتها لأجزاء من جغرافيتها لصالح الدول الإقليمية.
2- إعادة ترسيخ النظام الشمولي الاستبدادي.
4- أو تقسيم سوريا إلى دويلتين، ما بين المنظمات التكفيرية برعاية تركيا، ونظام دكتاتوري تحت الرعاية الروسية-الإيرانية.
وبالتالي القضاء على حقوق ليس فقط الشعب الكوردي، بل الشعوب والأقليات والمذاهب الأخرى المتكونة منها سوريا كوطن افتراضي.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
6/2/2022م