السرقة نوع من السلوك يعّبر به صاحبه عن حاجة شخصية أو نفسية، وهي كصفة الكذب ليست عادة فطرية، بل مكتسبة وأساسها الرغبة في التملك بالقوة، وبدون وجه حق،أو بسبب العوز والحاجة، وخاصة عند ما يجد الطفل زملائه يحصلون من ذويهم على كل ما يشتهون ويطلبون، وعدم قدرته على إشباع حاجاته ورغباته أسوة بزملائه، وهذه الصفة ذات تأثير اجتماعي سيئ جداً، لأن ضررها يقع على الآخرين، ولمعالجة هذه الظاهرة لدى أبنائنا يتطلب منا أولاً أن نتعرف على دوافع السرقة، والتي يمكن تلخيصها بما يلي :
دوافع السرقة :
1 ـ دوافع ظاهرية : وتتلخص هذه الدوافع في :
أ- الرغبة في إشباع الحاجة، ويتمثل أخطرها لدى المراهقين المدمنين على المخدرات.
ب ـ الرغبة في إشباع الميول والعاطفة والهوايات.
ج ـ الرغبة في التخلص من مأزق.
د ـ الرغبة في الانتقام .
2 ـ دوافع لاشعورية: وهي ناجمة عن علاقة السارق بالبيئة التي يعيش فيها، والعلاقات الاجتماعية السائدة فيها، حيث يتعلم الأبناء من ما حولهم من الأولاد المنحرفين سلوكياً.
ولابد أن أشير إلى أن السرقة لها حالات مختلفة، فقد تكون السرقة فردية، وقد تكون جماعية، وقد يسرق الشخص نوعاً معيناً من الأشياء، أو أنواعاً متعددة، وقد يكون السارق تابعاً، وقد يكون متبوعاً، وقد تكون السرقة رغبة ذاتية، وقد تكون بالإكراه، ولاشك أن لكل واحدة من هذه الأنواع طريقة معينة للعلاج تختلف عن الأخرى.
كيف نعالج مشكلة السرقة ؟
يرى علماء التربية وعلم النفس أن السرقة تتطلب أن يكون لدى السارق مهارات عقلية وجسمية هامة تمكنه من القيام بهذا العمل الخطير والضار، وقد تم تحديدها بما يلي :
أ ـ سرعة الحركة، وخصوصاً حركة الأصابع .
ب ـ دقة الحواس، من سمع وبصر.
ج ـ الجرأة وقوة الأعصاب.
د ـ الذكاء.
و ـ الملاحظة الدقيقة والاستنتاج. (14)
وطبيعي أن هذه المهارات تكون ذات فائدة عظمى بالنسبة لأبنائنا إذا ما وجهت توجهاً خيراً وصحيحاً، وإن بالإمكان أن نوجهها كذلك إذا اتبعنا الأساليب التربوية الصحيحة.
فلو وجدنا مثلاً طفلاً يمد يده إلى شيء لا يملكه، فيجب أن نعلمه بشكل هادئ أن عليه أن يستأذن قبل أن يأخذه، لأن هذا الشيء لا يعود إليه، وينبغي عدم اللجوء إلى التعنيف وكيل الأوصاف القاسية من لصوصية وغيرها لآن هذا الأسلوب له نتائج عكسية لما نبتغي.
كما أن علينا أن لا نصف الطفل عند قيامه بهذا العمل للمرة الأولى بأنه لص أو ما شابه ذلك، حيث أن لهذا التصرف تأثير سييء على مستقبل الطفل، بل علينا أن نتتبع دوافع السرقة لنتمكن من اتخاذ الوسائل الكفيلة بعلاجه، ونعمل على إشباع رغبته التي دفعته للسرقة بالطرق والأساليب الصحيحة لنجعله قادراً على ضبط رغباته والتحكم فيها.
كما أن علينا أن نخلق لدى الطفل شعوراً بالتملك الشخصي، ونعلمه ما يخصه وما لا يخصه، وكيف يحافظ على الأشياء التي تخصه. ولابدّ لنا أن نخصص لأبنائنا مصروفاً يومياً، مع الأشراف على طريقة صرفهم للنقود، وتعويدهم على عادة الادخار.
إن الطفل الذي يرى زملائه يصرفون النقود ويشترون داخل المدرسة وخارجها ، ولا يجد لديه ما يشتري به أسوة بزملائه ربما يلجأ إلى الحصول على النقود أو الأشياء بطريق غير شرعي، وغير سليم.
وأخيراً فأن تعزيز الصداقة بين الأبناء وأصدقائهم، والمعاملة الطيبة التي يلقونها في البيت والمدرسة من قبل الآباء والأمهات والمعلمين والإدارة عامل هام لمنع وقوع السرقة، فمن المعروف أن الصديق لا يفكر بالسرقة من صديقه.
إن علينا أن نستغل الجوانب الإيجابية لدى أبنائنا من أجل رفع مستواهم العقلي والاجتماعي، وجعلهم يشعرون بقيمتهم في المجتمع عند ما يكونوا أمناء، كما أن إشباع حاجاتهم المادية يجعلهم لا يشعرون بوجود تباين طبقي بين طفل وآخر، وهذا هو أحد الأسباب الهامة التي تمنع وقوع السرقة بين أبنائنا.
ولابد أن أشير إلى أن الطفل الذي ينشأ في بيئة تحترم الصدق قولاً وعملاً، غالبا ما ينشأ أمينا في أقواله وأعماله، وخاصة إذا وفرنا له حاجاته النفسية الطبيعية ، من الاطمئنان والحرية والتقدير والعطف ، والشعور بالنجاح ، فإذا ما وفرنا له كل ذلك فإنه لن يلجأ إلى التعويض عن النقص، أو التوجه نحو القسوة أو الانتقام وغيرها من الاتجاهات التي تجد في أنواع الكذب صوراً مناسبة للتعبير عن نفسها.
ثالثاً : التشاجر، والتخريب، وحب الاعتداء :
من المشاكل التي نواجهها لدى أبنائنا سواء كان ذلك في المدرسة أو خارجها، هي الميل الموجود لديهم للتخريب وللتشاجر والاعتداء على بعضهم البعض، والانتقام والمعاندة والمشاكسة والتحدي والاتجاه نحو التعذيب والتنغيص وتعكير الجو العام، وإحداث الفتن.
ويصاحب الاعتداء والتشاجر عادةً حالة من نوبات الغضب بصور ودرجات مختلفة، والغضب كما هو معروف حالة نفسية يشعر بها كل إنسان، لكنهم يختلفون في أساليب التعبير وفي ردود أفعالهم عند ما تنتابهم نوبة الغضب.
فقد يلجأ أحدهم إلى الضرب او إلى التخريب والاعتداء على الممتلكات وغيرها، و قلما يمر يوم واحد دون أن نجد العشرات من الحوادث من هذا القبيل، ولابد أن نسأل أنفسنا:
لماذا يحدث هذا الميل لدى الأبناء ؟ وما هي سبل العلاج ؟
لقد ذكرنا فيما سبق أن لدى كل إنسان استعداد فطري متأصل [غريزة المقاتلة والخصام ]، ونحن لا يمكننا أن نقتلع هذه الغريزة مطلقاً، وإن أي محاولة من هذا النوع ليس فقط سيكون مصيرها الفشل، بل أنها سوف تؤثر تأثيراً سلبياً بالغاً على شخصية الطفل، بحيث يغدو جباناً، ومنطوياً على نفسه يتملكه الخوف، ويتسم بضعف الشخصية.
فالواجب يقتضي منا أن نعمل على توجيه هذه الغريزة نحو البناء لا الهدم، وعلينا أن نخلق جيلاً شجاعاً يعتد بشخصيته، وأن نغرس فيه روح المحبة للإنساني، وأن نخلق البيئة اللازمة لأبنائنا التي تستطيع إعطاءهم الأمن والاحترام والتقدير، وأن نهيئ لهم نشاطاً اجتماعياً مفيداً يعبرون فيه عن نوازعهم، ويستخدمون طاقاتهم في مختلف المجالات الرياضية والاجتماعية والأدبية وغيرها.
ولا بدّ أن أشير هنا إلى أن الوراثة لها دور كبير في انحراف الأبناء، فلا بدّ والحالة هذه من دراسة الأوضاع العائلية في كل حالة بصورة دقيقة، والوقوف أوضاع وسلوك أبويه واخوته، لكي نستطيع معالجة ذلك بشكل صحيح. ينبغي علينا أن لا نقيد حرية أبنائنا بشكل قاسٍ، وطبيعي يجب أن لا نمنحهم الحرية المطلقة ليفعلوا ما يشاءون، إذ أن كلا الحالتين تؤديان إلى ضرر بليغ.
كما أن على الآباء والأمهات والمعلمين أن لا يقابلوا غضباً بغضب، بل ينبغي معالجة المشاكل بحكمة وهدوء ودراية، وأن نوجه الأبناء الميالين للعنف نحو الألعاب الرياضية والفن والرسم والمسرح لكي يستنفذوا طاقاتهم في هذا المجال، وعلى المربين أن يشيعوا داخل المدرسة جواً مشبعاً بالود والمحبة تجاه التلاميذ بحيث يشعرونهم أنهم يعيشون في جو عائلي حقيقي تسوده المحبة ويتصف بالتعاطف والتعاون بين أفرادها.