الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Homeمقالاتالى أين تقود سياسة شيطنة روسيا؟:يوسف أبو الفوز

الى أين تقود سياسة شيطنة روسيا؟:يوسف أبو الفوز

.

أنتهت، ليلة الثلاثاء 15 شباط2022، المهلة التي حددتها وسائل الاعلام والإدارة الامريكية، للغزو الروسي للأراضي الاوكرانية، الذي بشرت وحذرت منه طيلة الفترة الماضية، وحشدت الحلفاء لمواجهته، وكان سببا لحركة دبلوماسية، مكوكية، بين موسكو وعواصم مختلف دول العالم، التي زار زعمائها الكرملين ليجلسوا الى طاولة المحادثات مع رجل موسكو القوي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتفاجأ العالم، صباح الأربعاء 16 شباط 2022، بإعلان وزارة الدفاع الروسية، عن انتهاء مناوراتها وتدريباتها العسكرية وسحب أجزاء من قواتها المحاذية للأراضي الأوكرانية، وسرعان ما ظهر العديد من المسؤولين الغربيين، في وسائل الاعلام، يتقدمهم الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ليقول (لم نشهد أي تخفيف للتصعيد على الأرض، بل على العكس، يبدو أن روسيا تواصل الحشد العسكري).

ماذا يا ترى يريد الغرب من روسيا؟ وماذا تريد روسيا؟ وما أسباب الازمة وكيف ستمر؟ وعشرات الاسئلة التي تخطر في بال المتابع، وهو يرى الأجواء الملبدة التي قادت الى شفا الحرب!

ابتدأت الأزمة باعتراضات روسيا الشديدة على الجولة، التي قام بها قادة حلف الناتو، أواخر العام الماضي، بوفد عال المستو، الى بعض البلدان المجاورة لروسيا، منها فنلندا واوكرانيا، وتجدد الحديث عن احتمال انضمامها الى حلف الناتو. أعلنت روسيا فورا اعتراضها القوي على هذه المحاولات لتوسيع حلف الناتو بشكل يهدد آمنها ومصالحها في المنطقة، وابتدأت بتحريك قواتها باتجاه الحدود الاوكرانية، معلنة عن اجراء تدريبات عسكرية، أعتبرها البيت الأبيض الأمريكي، ومعه حلفائه في حلف الناتو بأنها استعدادات لغزو أوكرانيا، بينما راحت روسيا تؤكد حقها في تحريك قواتها على أراضيها حتى وان كانت قرب حدود أي بلد. في حينه أعتبر العديد من الخبراء بشؤون المنطقة، منهم سفراء امريكيون سابقون في أوكرانيا وروسيا، ان بوتين من خلال هذه المناورات يسعى لتكون بيده ورقة ضغط خلال المحادثات في إدارة الازمة وأيضا في مراجعة الاتفاقات المعقودة سابقا بين البلدين.

وواصل زعماء الناتو، ومعهم البيت الأبيض الأمريكي، بحملات إعلامية متواصلة الحديث عن الغزو الروسي الوشيك، بطريقة وصفها بيرسي ألفارادو، الضابط السابق في الاستخبارات الكوبية، في تصريح لوكالة نوفستي الروسية، بأن محاولة (شيطنة روسيا) من قبل وسائل الاعلام الامريكية والغربية، ما هي الا مسعى لزيادة حدة التوتر حول موضوع أوكرانيا، ويكشف ذلك محاولات واشنطن لتغيير الوضع الجيوسياسي لصالحها لأجل الحفاظ على موقعها كقوة عظمى وقطب اوحد لقيادة العالم. وصبت في هذا الإطار تصريحات الخبير الاستراتيجي شين تشيانغ ، نائب مدير مركز الدراسات الأمريكية بجامعة فودان، حسبما نقلت عنه صحيفة غلوبال تايمز، التي تصدر تحت إشراف اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في افتتاحية لها، حيث صرح، بان  التوتر حول أوكرانيا تخلقه السلطات الأمريكية لأغراضها الجيوسياسية ، فالولايات المتحدة الأمريكية ، حسب تعبيره، بدأت في الربط بين استراتيجيتها لقمع روسيا، وكذلك الصين، باستخدام أوكرانيا في الحالة الأولى، وتايوان في الحالة الثانية. وأضاف بما أن واشنطن صنفت الصين وروسيا باعتبارهما منافستين رئيسيتين لها، فإنها تعتقد أن التشهير بهاتين الدولتين يمكن أن يزيد الضغط عليهما من المجتمع الدولي.

من جانبه كرر المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، بأن الانزلاق الى استخدام مفردات الحرب الباردة جاء ردا على السياسة الروسية الساعية لكسر سياسة القطب الواحد، التي ادانها الرئيس بوتين في خطابه خلال مؤتمر ميونيخ للأمن عام 2007، حيث عرض الخطاب في حينه، حسب كلامه، تصور واضح للمشاكل الآنية للعالم وعرض بشكل منطقي ومتماسك وجهة النظر الروسية حول مشاكل البنية الأمنية الحديثة وحول المشاكل والتحديات في العالم، وان الرئيس بوتين، يومها خاطب ضيوف المؤتمر بصراحة.

ان المتابع للازمة، يرى ان سياسة روسيا الثابتة في معارضتها لدخول أوكرانيا الى حلف الناتو، لاقت قبولا وتفهما عند العديد من حلفاء البيت الأبيض الاوربيين، فمن اخر الزيارات الى موسكو، تلك التي اجراها المستشار الألماني أولاف شولتز ، والذي شغل لفترة وزارة الخارجية الألمانية، وكان شاهدا على الجهود الدبلوماسية الأوروبية المتواصلة، لنزع فتيل التصعيد بين الغرب وموسكو على خلفية الأزمة، وجاءت الزيارة في ليلة الموعد الأمريكي المرتقب للغزو المزعوم، وإذ أعلنت روسيا سحب جزء من قواتها على الحدود الأوكرانية  حتى وصفها شولتز بأنها (إشارة جيدة) مضيفا أن لروسيا (دورا حاسما في الحفاظ على الأمن في أوروبا)، من جانب اخر ووفقا لعضو الكونغرس الأمريكي السابق تولسي غابارد، في حديثه لشبكة فوكس نيوز، كان يمكن للبيت الأبيض حل المشكلة الأوكرانية بشكل نهائي. إذ، يكفي تزويد روسيا بضمانات بأن أوكرانيا لن تنضم إلى الناتو، ومع ذلك، يتجنب الرئيس جو بايدن هذا الحل البسيط، لأنه يسترشد بمصالح صناعة الدفاع الأمريكية، التي تستفيد من حالة الحرب الباردة.

من الجانب الاخر، أن جولة في صحافة الحزب الشيوعي الروسي، والحزب الشيوعي الاوكراني، وبيانات قوى المعارضة الأوكرانية للحكومة الحالية، سنجد هناك أدانة للازمة واطرافها، وللتصعيد الذي تساهم به الإدارة الامريكية والسلطات الحاكمة في موسكو وكييف. فعضو البرلمان الأوكراني، فاديم رابينوفيتش، من حزب (المنصة المعارضة – من أجل الحياة) يتحدث عن بدء (حرب الغرب) ضد بلاده. فهو يقول (بدأت الحرب! لكن الغرب بالذات هو من يخوضها ضد أوكرانيا.)، ويستدل بحديثه بالأوامر التي صدرت من دول غربية لمواطنيهم بمغادرة اواكرنيا وكذلك اجلاء الدبلوماسيين والمستثمرين ووقف الحركة الجوية، فهو يرى ان المتضرر الأساسي بهذا الاقتصاد الاوكراني وبالتالي الشعب الاواكراني. اما زعيم الحزب الشيوعي االاوكراني،  بيتر سيمونينكو ، فأنه يدين النظام الحاكم في كييف ويصف اجراءاته صد تقييد الحريات الإعلامية بالجرائم ، بل ويصف الحكام كونهم (الأوليغاركيين النازيين بقيادة زيلينسكي ) ودعا الى تجميع قوى المعارضة لمحاربة الفوضى السياسية والاقتصادية ، وهو يرى بأن الازمة مع روسيا لن تقود سوى الى مآس للشعب الاوكراني، ويدين دول الغرب كونهم (إلى جانب الولايات المتحدة ، شركاء وملهمون للحرب الأهلية في الدونباس، ورعاة النازيين الجدد والمجرمين الذين استولوا على السلطة في أوكرانيا) ، اما الشخصية الشيوعية الروسية غينادي زوغانوف ، زعيم الحزب الشيوعي الروسي، ففي خطاب طويل له نشرته صحافة الحزب ومواقعه الاعلامية على شبكة الانترنيت،  فهو يرى ان الحكام الغربيون يسعون إلى وضع الروس والأوكرانيين ضد بعضهم البعض، ويرى بانه من الواضح أن هدف الغرب هو سلب واستعباد أوكرانيا من أجل الاستمرار في مواجهة روسيا وإملاء إرادتها على العالم. ويعتقد بان روسيا تجد نفسها في وضع صعب، حيث تنتقل الولايات المتحدة من خطوات توسيع الناتو والعقوبات الصارمة وحروب المعلومات إلى محاولات إعادة تشكيل نظام العلاقات الدولية برمته. وهو يرى بان سياسة بوتين لجعل روسيا واحدة من أكبر خمسة اقتصاديات في العالم، ومحاربة الفقر، ووقف التدهور السكاني وتحقيق تطور تقني، تتطلب وضع برنامج واقعي والحاجة إلى تغيير المسار الاجتماعي والاقتصادي، للتخلص من سياسة الأوليغارشية المتمثلة في نهب البلاد وإضعافها، وهو يرى ان الحزب الحاكم، حزب الرئيس بوتين يعارض كل البرامج والاقتراحات المقدمة من معارضيه، مما يقود البلاد الى مخاطر كبيرة، بما فيها أسلوب إدارة النزاعات مع الجيران.

وإذ تبقى الازمة مشتعلة، فإلى اين يتوجه بوتين في سياسته، هل يستطيع احتواء محاولات الغرب لشيطنة بلاده لتحقيق مصالحها في المنطقة، أم يبقى فعلا كما تصفه احد الأغاني المنتشرة عنه في وسائل التواصل الاجتماعي (أريدك ان تكون رجلا مثل بوتين / ممتليء بالقوة، لا يهرب، .. ) أم … !

هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular