بعد اجتماع لمجلس الأمن الروسي، اليوم الاثنين 21 فبراير، اتخذ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين قراره، بالاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك.
وكان البرلمان الروسي قبل ذلك قد ناشد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للاعتراف بجمهوريتي الدونباس، واليوم تقدّم رئيسا هاتين الجمهوريتين بطلب رسمي له بنفس المضمون.
لقد رفضت موسكو الخضوع لواشنطن في الخريف، فردت الولايات المتحدة بمحاولة فرض حرب أوكرانية عليها، الأمر الذي كان سيعني تكاليف باهظة لروسيا وقطع العلاقات الاقتصادية مع أوروبا.
وعلى الرغم من الهستيريا في وسائل الإعلام الغربية، ومزاعم بايدن المتكرّرة بأن بوتين سوف يغزو أوكرانيا “غداً”، فإن ذلك لم يحدث. وأجبر ذلك واشنطن على القيام بالاستفزاز بنفسها، فشنت كييف، بأوامر من واشنطن، الموجة الثالثة، منذ عام 2014، من الإبادة الجماعية ضد شعب الدونباس.
تعرضت البنية التحتية الحيوية في الدونباس لنيران المدفعية الهائلة، حيث تم تدمير عدد من مرافق إمدادات الكهرباء والغاز والمياه، ما يشكل تهديداً لحياة مئات الآلاف من السكان في ظروف الشتاء الروسي القارس.
بدأ القصف المدفعي المكثّف على المناطق السكنية، وبدأت الجمهوريات في إجلاء سكانها إلى روسيا.
كما بدأت مجموعات التخريب الأوكرانية في اختراق أراضي تلك الجمهوريات والتجهيز لعمليات إرهابية، وعلى ما يبدو أن إحدى هذه المجموعات تاهت وتوغّلت في الأراضي الروسية فتم التعامل معها وتدميرها.
صباح اليوم الاثنين، شن الجيش الأوكراني هجوماً على عدد من قطاعات الجبهة، واندلعت بعض المعارك.
فليس من قبيل المصادفة أن يخرب النظام النازي في كييف اتفاقيات مينسك مع سبق الإصرار والترصد. أولاً، أوكرانيا هي دولة مصطنعة، مقسّمة إلى نصفين، الجزء الغربي يريد الانضمام إلى أوروبا، في حين أن الأجزاء الشرقية والجنوبية ترغب في التقارب مع روسيا. وطوال فترة استقلال أوكرانيا كان الرصيد مناصفة بين شقي البلاد، لكن الأغلبية لم يرغبوا الانضمام إلى “الناتو”، بل أرادوا الصداقة مع روسيا.
لكن ممثلي غرب أوكرانيا الآن يستولون على السلطة وهم مستعدون للتنازل عن جزء من أراضي الشرق من أجل تقليص نسبة السكان الروس وتعزيز هيمنتهم في البلاد.
يبقى السؤال الوحيد المطروح حول مزيد من تطور الأحداث. من الواضح أن الاعتراف بجمهوريات الدونباس لا يحلّ مشكلة توسّع “الناتو” نحو الشرق. ولن يكتفي الغرب بفرض كل العقوبات الممكنة ضد روسيا فحسب، بل سيسرّع كذلك في قبول أوكرانيا في هذه الكتلة. أي أن ذلك لن يكون سوى بداية تصعيد الصراع بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
من الواضح، من خلال اعترافه باستقلال الجمهوريتين، أن بوتين أظهر استعداداً ليس فقط لزيادة المخاطر، ولكن أيضاً للعمل مع السيناريو الأمريكي، الذي ينطوي على صراع عسكري بين روسيا وأوكرانيا.
إن هذا السيناريو خطير للغاية على الاستقرار الداخلي لروسيا إذا استمرت الحرب في أوكرانيا. يضع هذا السيناريو كذلك حداً لإمكانية التكامل السلمي بين روسيا وأوكرانيا في العقود المقبلة، وربما إلى الأبد. لعل ذلك هو السبب الذي جعل بوتين يقاوم التورّط في الصراع الأوكراني منذ 2014، بينما كانت واشنطن تحرص بكل ما أوتيت من قوة جرّ روسيا إليه.
هناك أيضاً مسألة حدود جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك. فالآن تسيطر هذه الجمهوريات على جزء أصغر من أراضي منطقتي دونيتسك ولوغانسك السابقة في أوكرانيا. في الوقت نفسه، تطالب الجمهوريات بكامل أراضي هذه المناطق. من غير المرجح كذلك أن تتصالح أوكرانيا نفسها مع هذا القرار دون حرب.
وبالتالي، يمكننا أن نتوقع، بدرجة احتمال كبيرة، أن تنشب حرب بين أوكرانيا والجمهوريات المستقلة عنها، ثم حرب أخرى مستقبلاً بين روسيا وأوكرانيا.
أي أنه من الواضح أنه إذا اقتصرت روسيا على الاعتراف بجمهوريتين فقط، فستتحمل أثقل التكاليف، دون أن تتمكن من حل مشكلة توسع الغرب إلى الشرق. حينها ستكون الولايات المتحدة الأمريكية قد نجحت في تنفيذ السيناريو الخاص بها.
ولا يمكن لروسيا أن تعوض الخسارة في هذه المعركة المحدودة سوى بالانتصار في الحرب بأكملها.
وبالتالي، ففي رأيي المتواضع، من الواضح أن هذا الحل هو حل وسيط. لقد أبدى بوتين استعداده للتصعيد، ومنطق الموقف يجبره على تخطي أوكرانيا إلى مستوى أعلى من المواجهة: مع واشنطن.
أعتقد أنه في المستقبل القريب جداً، سيتّخذ فلاديمير بوتين خطوات جديدة، وستضع الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في ظروف غير مقبولة بالنسبة لها. لقد عرض بوتين، في إنذاره بشأن الضمانات الأمنية ديسمبر الماضي، شروطاً معتدلة وعادلة للجميع – أوكرانيا المحايدة، وأوروبا المستقلة عن الولايات المتحدة، لكن تلك الشروط أصبحت الآن جزءاً من الماضي.
أعتقد أن روسيا والولايات المتحدة الأمريكية تتجهان بسرعة نحو صراع عسكري، أو على الأقل مواجهة على حافة صراع عسكري.
يعلم الله وحده كيف سيكون المخرج من هذه المواجهة: إلى حرب أو حرب نووية أو إلى مفاوضات. ومع ذلك، فمن الواضح بالفعل أن شروط التسوية، التي ستكون روسيا مستعدة الآن للموافقة عليها، سوف تكون أسوأ بكثير بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
على أي حال، لا تستطيع الولايات المتحدة ولا ترغب ولن تدافع عن أي من خدمها وحلفائها. والجيش الأمريكي والبريطاني يفرّان الآن من أوكرانيا، ولكن ليس بنفس السرعة التي فرّا بها من أفغانستان، فقط لأن القوات الروسية لم تدخل إلى أوكرانيا، ولا زال الوقت متاحاً أمام الأمريكيين.
لقد دمرت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، بعد تنفيذهما الانقلاب النازي في أوكرانيا عام 2014، اقتصاد البلاد، وأثاروا حرباً أهلية هناك، وجعلوا من هذه الدولة أداة في صراعهم مع روسيا. بطبيعة الحال، فمن غير الممكن أن يعيش أي بلد يعاني من مثل هذه المشكلات طويلاً.
من وجهة نظري، فإن أوكرانيا معرضة لأن تختفي من الوجود بسبب تلك العمليات الهدامة في الداخل الأوكراني، اللهم إلا إذا اختار النظام في كييف مواصلة العدوان على الدونباس، فربما حينها تختفي من الوجود خلال الأشهر أو الأسابيع المقبلة.
لقد حذرت ذات مرة المستثمرين من المملكة العربية السعودية والإمارات ودول عربية أخرى من خسارتهم لأموالهم التي سيستثمرونها في أوكرانيا تحت حكم النظام النازي الحالي. اليوم، لا يسعني سوى أن أكرر النصيحة لسحب استثماراتهم من هناك في أسرع وقت ممكن.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف.