لم أكن بعيداً عن الواقع العراقي حين أشرت بصراحة ووضوح إلى أن العراق يعتبر دولة شبه مستعمرة لإيران خلال فترة حكم نوري المالكيورهطه بين 2006-2014، واستمر هذا الواقع الفاعل إلى حدود كبيرة في فترة ولاية حيدر العبادي 2914-2018، رغم محاولاته تقليص التدخل الفظ والمستمر لإيران واتباعها في شؤون العراق كافة، ليس بواسطة مستشاريها المدنيين والعسكريين والدينيين الطائفيين، وعلى رأسهم العميد قاسم سليماني، فحسب، بل وبوجود جيش جرار من المدنيين والعسكريين، من جواسيس وعيون وحرس ثوري وبسيج وجيش المقدس وقوى واسعة في الحشد الشعبي في العراق، ومنها إزاحتهلـ “فالح فياض” من مسؤولية الحشد الشعبي وتوليها بنفسه باعتباره القائد العام للقوات المسلحة. لقد استفادت إيران بشكل كبير من وجود المالكي وإلى حدما غير قليل من العبادي، على رأس الحكم وهي لا تزال تستفيد، من العراق، ولاسيما في المجال الاقتصادي من حيث التصدير أولاً، وعرقلة التنمية الاقتصادية عبر أعوانها في الوزارات المسؤولة عن التنمية، بما في ذلك قطاع الكهرباء والمالية والمصارف ثانياً، وعبر السوق السوداء ولاسيما المخدرات التي تدخل العراق من جميع المنافذ الحدودية مع إيران، إضافة إلى تهريب العملة الصعبة بأساليب وطرق كثيرة ثالثاً.
ورغم إن العبادي لم يسع إلى إغاظة إيران جدياً أو إعاقة استفادتها من الاقتصاد العراقي، فأن إزاحته لفالح فياض من الحشد الشعبي، كانت وحدها كافية لسقوط ورقة الود الأخيرة المتبقية بين إيران والعبادي، وأصبحت الرغبة في إزاحته لا تخطئها العين المجردة. وأول إجراء حصل بعد تشكيل الجزء القليل من الوزارة الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي هو عودة فالح فياض لقيادة ورئاسة الحشد الشعبي، ومن ثم ترشيحه من كتلة البناء ليكون وزيراً للداخلية، وآخر من نفس الفصيلة لوزارة الثقافة..، وكلهم مشهود لهم بالحب الشديد لإيران وللنهج الطائفي المتطرف الذي تتقنه إيران ونقلته للفكر والسياسة العراقية.
وبهذا أصبح عادل عبد المهدي شخصية مرغوباً بها من جانب إيران، الذي لم يتوقف عن مدح الحشد الشعبي ودوره فحسب، بل واستجاب لمطلب فالح فياض بمساواة رواتب الحشد الشعبي برواتب الجيش العراقي، وأغلب أعضاء الحشد الشعبي هم من قوى المليشيات الطائفية المسلحة الموزعة بين بدر وعصاب أهل الحق وحزب الله ومن لف لفها، وهي كلها مرتبطة فكرياً وسياسياً بإيران، اعترف عادل عبد المهدي بذلك أم أنكره، فهي حقيقة لا تخطئها العين ايضاً، إنه الحرس الثوري العراقي، إنها جيش حزب الله اللبناني-الإيراني. ولم يبق سوى وزارة الداخلية ليتحقق لإيران هيمنة كاملة على كل أجهزة الأمن والشرطة وقوى مكافحة الإرهاب والقوة الخاصة والتي شكلها نوري المالكي خارج الشرعية الدستورية، “فدائيي المالكي” وهي على غرار منظمة “حنين” التابعة لحزب البعث وبقيادة صدام حسين، كم إنها تذكرنا بـ “فدائيي صدام حسين”، وقبل ذاك بـ “فدائيي يونس سبعاوي” التي شكلها وزير الاقتصاد في حكومة انقلاب رشيد عالي الكيلاني في مايس/أيار 1941 ومسؤول الأمن عملياً في قيادة ذلك الانقلاب.
إن أكبر خدمة قدمها عادل عبد المهدي لإيران هي تسليمه قيادة الحشد الشعبي لفالح فياض أولاً، وتأكيده على دور هذا الحشد في السياسة العسكرية العراقية ثانياً، وربما سيكون تعيينه لاحقاً لفالح فياض وزيراً للداخلية ثالثاً. أما منافع إيران في القضايا الأخرى، في مجال الاقتصاد والمال والبنوك وتعطيل عملية التنمية الإنتاجية واستكمال مشاريع الخدمات، فتأتي لاحقاً ومن خلال الوجود المكثف لإيران على أرض العراق وفي جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات. ولهذا لم ينته الموقف الفعلي الذي لا يزال يشير إلى إن العراق تابع لإيران في سياساته ومواقفه الداخلية والدولية، وأشبه بمستعمرة، رغم كل المحاولات التي تجري من البعض في التخفيف من هذا الواقع المزري والمعيب والمخل باستقلال وسيادة العراق والتي تجعل دولة العراق هشة حقاً، شاء بعض المسؤولين الذين يسعون إلى تخفيف هذه التبعية ذلك أم أبوا! فالواقع المُر هو القائم والذي يفقأ العين.