بعد أسابيع من الانتظار والترقب شنَّت القوات الروسية هجوماً عسكرياً على أوكرانيا.
من وجهة نظر تحليلية، نرى أنّ هذا الهجوم يهدف إلى تحقيق خمسة أهداف هي:
1- يسعى الروس للسيطرة على الحدود المشتركة بين روسيا وأوكرانيا.
2- ستعمل روسيا على تمكين بعض الأقاليم الأوكرانية المجاورة من الاستقلال.
3- سوف تقوم روسيا بتدمير البنى التحتية العسكرية لأوكرانيا.
4- محاولة إحلال حكومة وقيادة أوكرانية جديدة موالية لروسيا تسيطر على مفاصل الحكم في أوكرانيا.
5- إخراج أوكرانيا من المحور الأوروبي-الأمريكي ودفع حلف الناتو للتراجع عن الحدود الروسية.
لا نعتقد بحالٍ من الأحوال أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى لإعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي، فهو يدرك أن العالم تغير من الناحية الجيوسياسية وأن ضم دول إلى روسيا يتطلب وفرة في الموارد الاقتصادية وصلابة في مركزية موسكو. على أي حال ما نحاول طرحه في هذه المقالة هو تأثير هذه الحرب على إيران وسياستها الخارجية.
فبينما يشن الروس هجوماً على أوكرانيا، يعود رئيس الوفد الإيراني المفاوض (باقري كني) إلى طهران للحصول على تفويض سياسي بإقرار النسخة النهائية للاتفاق بين إيران والقوى العظمى. يبدو أنّه تم الاتفاق على العديد من النقاط وأن النقاط الخلافية لا تتجاوز الـ5%.
ولكن هذه النقاط الخلافية تمثل أصل النزاع بين الولايات المتحدة وإيران. يقرأ صناع القرار الإيراني الحرب الروسية على أنها تراجع في قدرات الردع الأمريكية/ ولذلك فإن الهجوم الروسي يأتي في مرحلة حساسة للغاية قد تدفع القيادة الإيرانية إلى إعادة التفكير بحجم التنازلات التي ستقدمها طهران للوصول إلى اتفاق.
بعد الانسحاب أحادي الجانب من قِبَل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من خطة العمل المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني) توجهت طهران نحو تركيز مفاصل السلطة بيد الأصوليين، وذلك لإظهار صلابة ووحدة الموقف الإيراني من العلاقة مع الغرب عموماً ومع الولايات المتحدة بشكل خاص.
وبالفعل فالمشهد السياسي لصناع القرار الإيراني منسجم نسبياً، ولكن الخلاف بين التيار الأصولي بجميع أطيافه ظهر ليس حول التفاوض المباشر وغير المباشر مع الولايات المتحدة، وإنما الخلاف يتمحور حول فاعلية التفاوض في هذا الوقت بالذات.
يعتقد جانب من التيار الأصولي (وهم متنوعون؛ فقسم منهم ينتمي إلى دائرة صنع القرار الضيقة، وقسم آخر أكاديمي ذو سمعة مرموقة في الأوساط الجامعية، وقسم آخر متواجد في وسائل الإعلام الحكومية) أن الوقت الحالي غير مناسب للانخراط في مفاوضات مع الولايات المتحدة.
ويسوق هؤلاء العديد من الأدلة، أهمها أن إيران استطاعت خلال السنوات الثلاث الماضية أن تبتكر طرقاً للالتفاف على العقوبات الأمريكية. فإيران خضعت للعقوبات منذ أربعين عاماً، وهي قادرة على التأقلم مع أي عقوبات أحادية أو متعددة الأطراف. ناهيك عن أن العقوبات الأممية لن تتجاوز آثارها العقوبات الأمريكية الخانقة. فكما يقول المحلل الإيراني يوسف عزيزي إن العقوبات بالحد الأقصى قد فشلت باعتراف المسؤولين الأمريكيين أنفسهم.
كما يرى هؤلاء أن إيران، خلال العام الأخير فقط، استطاعت أن تصدر ما يقارب مليوناً ونصف المليون برميل من النفط يومياً. وبذلك فقد تم تحييد الآثار السلبية للعقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني، وذلك حسب ما يقول بعض الأكاديميين الإيرانيين بنظرية تهميش النفط في معادلات التنمية الاقتصادية للبلاد.
لقد جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا معزّزة لنظرية المخالفين للتفاوض الحالي، فهم يعتقدون أن إيران يجب أن تتجه نحو العتبة النووية في الحد الأدنى والسلاح النووي في الحد الأعلى، قبل الانخراط في مفاوضات مع الولايات المتحدة. ويعزز هؤلاء من نظريتهم هذه بالقول إن السلاح النووي يخلق قدرة ردع تمنع من تعرض البلاد للغزو الخارجي، ويستدلون على ذلك بتخلي أوكرانيا عن سلاحها النووي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بضغط روسي-غربي-أمريكي.
ويقول بعض أنصار نظرية الردع الفعال إنه لو لم تتخلَّ أوكرانيا عن سلاحها النووي في 1994 لما استطاعت روسيا أن تتخذ قراراً بشن هجوم عسكري ضدها.
ومن الناحية الاقتصادية، فقد أشار أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران الدكتور فؤاد إيزدي إلى أن إيران (التي لا تمتلك سلاحاً نووياً) هي الدولة الأكثر تعرضاً للعقوبات الأمريكية بواقع نحو 1700 نوع من أنواع العقوبات التي تطال المجالات العسكرية والبنكية والنفطية والأكاديمية والصحية والنقل.. إلخ. بينما تقبع كوريا الشمالية (التي تمتلك سلاحاً نووياً) في مراكز متأخرة عن إيران.
ينظر الإيرانيون إلى التوتر الذي تشهده العلاقات الغربية مع كل من الصين وروسيا على أنه نقاط إيجابية تصب في مصلحة إيران التي تتجه نحو المعسكر الشرقي شيئاً فشيئاً بعد فشل إدارة روحاني السابقة في تحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي بالتعويل على الغرب.
كما يقرأ الإيرانيون مشهد الشرق الملتهب بعناية، فهم على يقين بأن الصين على طريق روسيا وما هي إلا أسابيع أو أشهر حتى تتجه الصين نحو السيطرة على “تايوان”.
الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان، والهجوم الروسي على أوكرانيا، والهجوم الصيني المحتمل ضد تايوان كلها مؤشرات تقرأها طهران بعناية وهي تتجه نحو اتخاذ قرارها الحاسم؛ إما بإكمال التفاوض مع الولايات المتحدة دون تقديم تنازلات جوهرية ودون التخلي عن الخطوط الحمر، أو ترك طاولة المفاوضات لحين تغير المطالب الأمريكية والوصول إلى “العتبة النووية”؛ لتعود طهران إلى طاولة المفاوضات بأوراق رابحة تعزز من موقفها التفاوضي.
“عربي بوست”