تعد خريطة نفوذ حلف الشمال الأطلسي من بين نقاط الخلاف الساخنة بين روسيا والغرب. إذ ترى موسكو في الحلف تهديداً استراتيجياً على نفوذها في المنطقة، وتطالب بعدم اقترابه من حدودها. بينما يدافع الناتو عن سياسة الأبواب المفتوحة أمام انضمام الدول إليه، وسيادة تلك الدول على ذلك القرار.
فيما يضع هذا السجال، مع تهديدات الصدام العسكري التي يثيرها، كلاً من السويد وفنلندا في مأزق. هاتين الدولتين اللتين تنتميان للاتحاد الأوروبي، تجاوران روسيا، ولا تزال مسألة انضمامهما إلى الناتو محط خلاف خارجي، وداخلي بنفس القدر الذي يعيد رسم سياساتهما الداخلية.
إغراءات الناتو وتهديدات موسكو
وسط هذا التنافس الشرس بين الروس والغرب حول انضمام أوكرانيا إلى عائلة الناتو. وجه الأمين العام للحلف إغراءاته شمالاً، نحو كل من فنلندا والسويد لاستمالتهما للانضمام.
هكذا صرَّح الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، في مؤتمر صحفي عقده في بروكسل، عقب اجتماعه بالوفد الروسي قبل بداية الحرب في أوكرانيا، قائلاً: “فنلندا والسويد قريبتان جداً من الناتو في العديد من الجوانب، لذلك يمكن أن تحدث عملية (الانضمام) هذه بسرعة كبيرة إذا قررتا الانضمام”.
انضمام لا يفصله الآن عن التحقق سوى القرار السياسي للدولتين، أضاف ستولتنبرغ: “كما يجب أن يوجد قرار سياسي من 30 دولة في الناتو للموافقة عليه”.
دعوة رأت فيها روسيا جراً للبلدين إلى النزاع القائم بينها وبين الحلف، هكذا عنونت وكالة سبوتنيك المقربة من الكرملين تقريراً لها. ونقلت عن المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، قولها: “الناتو ينتهج سياسة تهدف إلى جر هلسنكي وستوكهولم إلى فلك مصالحه وسياساته الانتهازية”.
وأضافت زاخاروفا: “من الواضح تماماً أن انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، وهو هيكل عسكري في الأساس، وبالتأكيد لا يضع جدول الأعمال الدفاعي في المقدمة، ولكنه منخرط في أنشطة عدوانية فقط (…) سيكون له عواقب عسكرية وسياسية خطيرة”.
الناتو كسجال اسكندنافي داخلي
في السويد، علق وزير دفاع المملكة الاسكندنافية، بيتر هولتكفيست، على النقاش الدائر حول انضمام بلاده لحلف الناتو قائلاً: “عدم الانضمام إلى الناتو يظل الخيار الأفضل لضمان أمن المملكة”. ومن جهة أخرى، أضاف: “المطالب (الروسية) ضد سيادة الدول الفردية غير مقبولة على الإطلاق (…) وأن روسيا تسعى باستمرار لتعزيز مواقفها في انتهاك للقانون الدولي”.
نفس الموقف المتوازن دافعت عنه رئيسة الوزراء السويدية، ماجدالينا أندرسون، بقولها إن “البلاد ليست بحاجة إلى الانضمام إلى الناتو”. بالمقابل شددت على أن المملكة تعتزم تعميق التعاون مع الحلف، بما في ذلك من خلال التدريبات المشتركة وتبادل المعلومات.
في نفس السياق، شاب الحذر تصريحات المسؤولين الفنلنديين. هذا ما نلحظه من خطاب نهاية السنة الذي ألقاه رئيس البلاد، سولي نينيستو، فقال: “دعنا نقول مرة أخرى إن مساحة فنلندا للمناورة وحرية الاختيار تشمل أيضاً إمكانية الاصطفاف العسكري والتقدم لعضوية الناتو، إذا قررنا نحن ذلك”.
رئيسة الوزراء الفنلندية، سانا مارينا، هي الأخرى حافظت على نفس النبرة بتأكيدها أن البلاد تعلمت من الماضي ووجوب التريث في هذه القرارات، مضيفة: “لن نتخلى الآن عن مساحتنا للمناورة، وعلينا الدفاع عن حرية اختيار السياسة الأمنية”.
فيما يمكن لهذا الحذر أن يُقرأ على ناحيتين، واحدة خارجية للحفاظ على التوازنات الإقليمية والثانية داخلية، حيث تضغط المعارضة اليمينية الفنلندية بتعجيل انضمام البلاد إلى حلف شمال الأطلسي، يرافقها كذلك تزايد شعبية هذا القرار. وفي هذا السياق تبرز استطلاعات الرأي انتقال نسبة التأييد الشعبي لانضمام البلاد إلى الناتو من 28% سنة 2002 إلى 50% سنة 2021، لتبلغ حسب آخر استطلاع نسبة 58%.
فيما الأمر مماثل في السويد بشأن الضغط الداخلي من اليمين الداعم للانضمام، خصوصاً والبلاد تعرف تهديدات جدية بشأن غزو روسي لجزيرة غوتلاند السويدية دفع ستوكهولم إلى نشر قواتها هناك. في هذا الصدد صرح وزير الدفاع السويدي بأن “الحكومة السويدية (يسار وسط) ليست ساذجة بشأن الوضع الأمني الحالي، لكنها لا ترغب أصلاً في دفع الأمور نحو المزيد من التصعيد”.