استهداف قاعدة عسكرية تركية في سهل نينوى داخل الأراضي العراقية بين فترة وأخرى، دفع سكان المنطقة للإلحاح على ضرورة إخلاء ذلك المعسكر الذي تعرض حتى الآن عدة مرات للقصف بالصواريخ والذي اسفر عن إصابة ثلاثة مدنيين بجروح.
في 3 شباط الجاري، للمرة السابعة، أُطلِقت ستة صواريخ باتجاه القاعدة العسكرية التركية، ورغم أن الهجوم لم يخلّف اضراراً، لكنه زاد من مطالبات أهالي المنطقة لإخلاء القاعدة.
مدير ناحية زيلكان التابعة لقضاء شيخان وأقرب مسؤول محلي في محافظة نينوى من المعسكر التركي حمد أمين غريب،قال لـ(كركوك ناو)، ان ” القاعدة العسكرية تعرضت حتى الآن للقصف سبع مرات أصيب ثلاثة مدنيين بجروح”.
ويؤكد ان ” وجود هذه القاعدة أثر سلباً على الادارة المحلية في المنطقة وسكان القرى مستاؤون، بصورة عامة، يخشى الناس من أن تعرض حياتهم للخطر أو الاضطرار للنزوح بسبب تلك الهجمات”.
وتابع غريب، ان “المنطقة آمنة، وبرأيي ليس هناك أي داعٍ لبقاء تلك القاعدة العسكرية”.
الصواريخ تنطلق من المناطق التي تقع تحت سيطرة الحشد الشعبي
وتأتي هذه المخاوف بعد أن اضطر سكان المنطقة للنزوح خلال فترة حرب “داعش” من منتصف 2014 حتى أواخر 2017، لكنهم عادوا الى ديارهم بعد انتهاء الحرب.
بموجب اتفاق أبرم بين تركيا والحكومة العراقية عام 2016، أنشأت تركيا في إطار مشاركتها في الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)، قاعدة عسكرية في ناحية زيلكان، بداعي توفير الدعم للقوات العراقية في مجال التدريب العسكري، وخصوصاً لقوات الحشد العشائري السني.
يقع المعسكر على أطراف ناحية باشيك بقضاء الحمدانية بالقرب من ناحية زيلكان التابعة لقضاء شيخان في محافظة نينوى.
توجد ثلاث قرى قريبة من المعسكر التركي وهي كودات و جيبرا التي يسكنهما خليط من الكورد والعرب، إضافةً الى قرية شرف التي يقطنها العرب، سكان تلك القرى عادوا الى ديارهم بعد انتهاء حرب داعش.
وقال مدير ناحية زيلكان “يبعد المعسكر 500 متر فقط عن تلك القرى”.
40 بالمائة من سكان ناحية زيلكان عادوا الى ديارهم بعد سنوات من النزوح، يبلغ عدد سكان زيلكان حوالي 50 ألف شخص، وتضم الناحية 30 قرية غالبية سكانها من الايزيديين، يليهم العرب السنة ثم الكورد المسلمون.
“لا نعرف من يستهدف هذه القاعدة العسكرية، لكن الصواريخ تنطلق من المناطق التي تقع تحت سيطرة الحشد الشعبي، بالرغم من أن متابعة هذه القضية والتحقيق فيها من مهام الأجهزة الأمنية”، على حد قول حمد أمين غريب.
أعضاء المجلس قبل حله كانوا يرون بأن تركيا تريد بسط نفوذها في المنطقة
وقال العضو السابق في مجلس محافظة نينوى، غزوان حامد، عضو مجلس محافظة نينوى لـ(كركوك ناو)، ان ” وجود قاعدة عسكرية تركية في المنطقة ليس إلا مصدر صداع للسكان والقوات الأمنية في المنطقة، ومضارها أكثر من فوائدها، يجب على الحكومة العراقية والبرلمان إصدار قرار شأن بقاء هذه القاعدة”.
تم حل مجالس المحافظات أواخر عام 2019 بقرار من البرلمان العراقي.
وتابع غزوان، “جاؤوا الى تلك المنطقة أثناء حرب داعش، الحرب انتهت والمنطقة مستقرة أمنياً وليست بحاجة لوجود هذه القاعدة…. لكن معظم أعضاء المجلس قبل حله كانوا يرون بأن تركيا تريد بسط نفوذها في المنطقة عن طريق تلك القاعدة العسكرية”.
غزوان حامد فاز بعضوية مجلس محافظة نينوى كممثل عن الشبك، ويملك الشبك قوة مسلحة تنضوي تحت لواء الهيئة العامة للحشد الشعبي وهي الآن متواجدة في سهل نينوى.
يقول غزوان، ان ” دوي الصواريخ التي تستهدف القاعدة العسكرية تبث الخوف والهلع في نفوس سكان ناحيتي زيلكان و بعشيقة والقرى التابعة لها، يجب إعطاء ضمانات أمنية لأهالي المنطقة الذين عادوا منذ فترة قصيرة الى مناطقهم”.
وأضاف، ان “هذه القضية تتجاوز صلاحيات الإدارة المحلية لنينوى، يجب أن تتخذ الحكومة والبرلمان خطوات في هذا الصدد وإنهاء التواجد التركي في المنطقة”.
فيما إن كان مجلس المحافظة يملك أية أدلة حول من يستهدف المعسكر، قال غزوان، “تشار أصابع الاتهام الى كتائب حزب الله وسيد الشهداء الموالية لإيران والتي تنشط في مناطق العراق من ضمنها نينوى، لكن لا توجد أدلة قاطعة ويجب أن تحقق الحكومة العراقية في ذلك وتحدد هوية تلك الجهات المسلحة”.
كتائب حزب الله و سيد الشهداء، فصائل مسلحة شيعية تعمل تحت مظلة الهيئة العامة للحشد الشعبي. وتُتهم غالباً من قبل خصومها بموالاتها لإيران.
إحسان نون، ايزيدي من سكنة ناحية بعشيقة، يقول أنه في كل مرة تتعرض القاعدة العسكرية التركية للقصف، يشعرون بأنهم سيضطرون للنزوح مرة أخرى.
“نعيش أسفل الجبل، نحن وأطفالنا نخاف كثيراً، لا نشعر بالأمان، لا نريد بقاء هذه القاعدة العسكرية في منطقتنا”.
في نيسان 2021، أثناء استهداف القاعدة، سقط صاروخ على منزل أحد المواطنين ما أدى الى إصابة طفلين بجروح.
المعسكر بات مصدر صداع في المنطقة، لكن لا يمكن إخلاء المعسكر بهذه الطريقة
من جانبه قال النائب عن محافظة نينوى في البرلمان العراقي عن كتلة الحزب الديمقراطي الكوردستاني شيروان دوبرداني، ان” القاعدة التركية أُنشِأت بموافقة الحكومة العراقية بهدف تدريب القوات العراقية في نينوى، وهي الآن مستمرة في مهامها… يوجد في القاعدة عدد من المستشارين والخبراء العسكريين فقط، وعددهم قليل جداً”.
” نعتقد بأن هناك فصائل في الحشد الشعبي متورطة في الهجمات التي تستهدف القاعدة التركية، فلنفترض بأنهم غير مسؤولون عن ذلك، إذن كيف تصل الأسلحة الثقيلة الى تلك المناطق وتُوجَّه نحو المعسكر التركي دون علمهم، لأنه في كل مرة تنطلق الصواريخ من المناطق التي تخضع لسيطرة قوات الحشد الشعبي”، بحسب دوبرداني.
وشدد على أن “أي قوة عراقية لا تؤيد بقاء القاعدة التركية يجب أن تعمل على ذلك في الحكومة والبرلمان الجديدين، وليس عن طريق القصف الصاروخي، لأن ذلك ليس في مصلحة أحد”.
من جانب آخر، يقول العميد فهمي سندي، مسؤول محور ناوران لقوات البيشمركة –يبعد المحور 15 كم عن المعسكر التركي- ” صحيح بأن المعسكر بات مصدر صداع في المنطقة، لكن لا يمكن إخلاء المعسكر بهذه الطريقة… جميع الصواريخ الموجهة الى القاعدة العسكرية تنطلق من مناطق نفوذ الحشد الشعبي، لكننا لا نستطيع أن نجزم هوية القوة التي تقف وراء ذلك”.
وأردف سندي ان ” قوات البيشمركة ليس لها أي تنسيق أو علاقات مع تلك القاعدة العسكرية”.
قوات الحشد الشعبي التي توجه اليها أصابع الاتهام بعد كل هجوم، ينفون ضلوعهم بتلك الهجمات.
خارطة تظهر موقع ناحية بعشيقة بين محافظتي نينوى وأربيل، الناحية قريبة من القاعدة العسكرية التركية
ويقول مسؤول مكافحة الارهاب الفكري في نينوى –قسم تابع لهيئة الحشد الشعبي، رامي العبادي، ان “التهم الموجهة الى الحشد الشعبي لا اساس لها، لا توجد أدلة تثبت بأن الحشد الشعبي يقف وراء قصف القاعدة التركية”.
وأضاف، ” نحن نرى بأن هناك جهة سياسية تريد خلق المشاكل والتوتر في المنطقة و إفساد التآخي والتعايش الديني والاجتماعي بين مكونات نينوى”، دون أن يذكر اسم أية جهة.
عقب الهجوم الأخير الذي استهدف القاعدة، شددت جماعة تطلق على نفسها (أحرار سنجار) في بيان بأنها انتظرت الحكومة الاتحادية مدة طويلة لاتخاذ موقف إزاء الهجمات التركية على قضاء سنجار غربي محافظة نينوى، لكنها “لم تقم بواجبها في حماية أهالي سنجار”، لذا استهدفوا القاعدة العسكرية.
في نسان 2021، عقب هجوم على القاعدة التركية، أعلنت وزارة الدفاع التركية مقتل أحد جنودها في الهجوم الصاروخي.
تشن المقاتلات التركية، بين حين وآخر، غارات جوية على قضاء سنجار ومخيم مخمور في محافظة نينوى خلّفت ضحايا، بينهم أطفال، بحجة استهداف مصالح حزب العمال الكوردستاني.
لكن في شباط من هذا العام، قصفت الطائرات التركية عدة مناطق في قضاء سنجار أسفرت إحداها عن تدمير مقر للحشد الشعبي بالكامل.
ويقول رامي العبادي، ان ” كان هناك احتجاجات ضد استمرار بقاء القاعدة العسكرية التركية في المنطقة، فيجب إيصال هذه الاحتجاجات الى الحكومة العراقية”.
التوجهات التي تؤيد نقل القضية الى البرلمان العراقي، تأتي في الوقت الذي لا يزال البرلمان في مستهل دورة برلمانية جديدة ومنشغل بحسم قضية انتخاب رئيس الجمهورية. حسب المعلومات التي حصل عليها (كركوك ناو)، لم تأخذ أية جهة القضية الى البرلمان حتى الآن.
بقاء القاعدة العسكرية التركية بات مصدر خوف وقلق لـ(إحسان نون) و أهالي بعشيقة، ولا يعرف متى سيستيقظ مع أفراد اسرته مرة أخرى على دوي الصواريخ.
عمار عزيز – نينوى