عندما تبلورت الاحتجاجات والمظاهرات وتتوجت بانتفاضة تشرين كانت الأعين تتوجه إلى مصير عملية المحاصصة الذي أكدت عليه انتفاضة تشرين وطالبت مع العديد من المطالب لأنهائها والتوجه لحكومة تمثل العراق بحق وتتخلص من التأثيرات الخارجية فكان الشعار “نريد وطن” عبارة عن صرخة شعبية للتخلص من التبعية لإيران ولإنقاذ البلاد من التدهور وتَسلط احزاب المحاصصة على السلطة والمتحكمة بالعملية السياسية التي أصبحت عبارة عن عملية لا تستطيع الخروج من المآزق والكوارث العديدة حتى بالإصلاح، القوى المضادة للإصلاح العام بما فيها الفساد المالي والإداري خططت باتجاه افشال الانتفاضة او تحييدها وتجميد المطالب الحقيقية التي تخص الوضع السياسي والانتخابات النيابية في 11 / 10 / 2021،إضافة للوضع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي والأمن وتسنى لهذه القوى التقدم والنجاح في مضامير عديدة منها الضغط لإبقاء الأوضاع على حالها مع تطورات طفيفة ليست جذرية أو جوهرية ومنها ما حدث للانتخابات الأخيرة ونتائجها وعزوف أكثرية المواطنين عنها وقد اشير على تدني حاد في المشاركة على الرغم من ادعاءات المفوضية العليا للانتخابات بأن المشاركة بلغت 41% ومن جانب آخر اشارت ان عدد المصوتين بلغ 9 ملايين و77 الف وقبلها اعلنت المفوضية العليا للانتخابات شمول اكثر من 26 مليون من يحق لهم التصويت في الانتخابات وللعلم أن مئات الآلاف من العراقيين خارج البلاد حرموا من المشاركة في الانتخابات الأخيرة بسبب قرار المفوضية العليا وما قدمته من حجج واهية، ولهذا فقد اعترضت أكثرية مواقع التواصل الاجتماعي على النسب التي أعلنتها المفوضية واعتبرتها مجافية للحقيقة ولسنا هنا بصدد العودة الى ضبط موضوعة الانتخابات والمشاركين المهم إن النتائج التي أسفرت عنها ومعارضة واعتراض العديد من القوى السياسية الدينية الشيعية المتنفذة التي طعنت في نزاهتها وقدمت شكاوى بخصوص تزويرها بعدما أظهرت النتائج أن هذه القوى لم تحصل على ما كانت تأمل بالحصول عليه وارتعبت من شبح فقدان سلطتها تحت حجج أن الشيعة سوف يفقدون زمام الهيمنة على السلطة وبهذا فقد وضعت عراقيل عديدة أمام تشكيل حكومة اغلبية سياسية وهناك توجهات من أجل عدم إنجاح هذه الحكومة متصورين انها ستنهي نظام المحاصصة والفساد والتوافق وبالتالي القضاء عليهم وهذا أمر مشكوك فيه فمهما كانت الآمال منعقدة على هذا الاتجاه فإن الأمور ليست بالسهلة كما يصورها البعض وتحتاج الى شكل جديد من العلاقات بين القوى التي تؤمن بالتغيير الشامل وليس الإصلاح الجزئي، ولهذا وبعد مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات 11 / 10 / 2021 أصبح من اللازم أن تبدأ القوى التي فازت بالانتخابات وبخاصة الكتل الأكبر ان تتوجه لتشكيل الحكومة إلا أن استمرار التداعيات والخلافات بين الكتل وبخاصة الشيعية مازال قائماً على تشكيل الحكومة تكتنفه الكثير من العقبات والخلافات على معنى حكومة أغلبية سياسية وقد تطورت هذه الخلافات إلى نوع من التهديد بالسلاح وخلق وضع مربك كي لا يتم تشكيل مثل هكذا حكومة والذهاب إلى إعادة انتاج الحكومة التوافقية التي فشلت على امتداد السنين السابقة في نقل البلاد الى مواقع متقدمة لحل المشاكل والتخلص من الأزمات وإذا استمرت هذه الأوضاع بالتدهور فذلك يعني فشل جديد سيكون اقسى وأصعب من تلك الانتكاسات والأزمات التي احدثتها الحكومات التوافقية التي شكلت منذ الانتخابات البرلمانية الأولى 2005 وهذا أمر يعد بمثابة دفع البلاد نحو الهاوية وإبقاء الأوضاع السيئة ليس على حالها فحسب بل التوقع بأن الأسوأ سيكون هو القادم وتدفع أكثرية الشعب الضريبة من فقر والجوع وبطالة وأمن منفلت وفساد وخدمات متدنية في جميع المجالات ، أما إذا نجحت المساعي في تشكيل حكومة الأغلبية السياسية على المضمار السابق فتلك الكارثة بعينها وإلا كيف يمكن ان يكون التغيير الشامل والقوى التي ستقود هذه الحكومة شاركت في الحكومات السابقة ولها يد طويلة في عملها وتوجهاتها وهنا بيت القصيد ولهذا تحتاج حكومة الأغلبية السياسية اول ما تحتاج الإعلان عن برنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وخططها وتوجهاتها العملية بعيداً عن التوافقية والطائفية، فهل ما صرح به ماجد شنكالي النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني حول انتخاب رئيس الجمهورية والعلاقة مع التحالف الثلاثي ” المتماسك حسب قوله” الذي لديه برنامج حكومي موحد وسيقدم إلى رئيس الوزراء المنتخب بعد تشكيل الحكومة مبينا أن “خطوات البرنامج الحكومي هي الاصلاح والبناء ومحاربة الفساد”. هل سيتحقق ذلك؟ الوقت هو الحاكم ولا ندري مدى إمكانية القوى المتحالفة في توحيد الأهداف القريبة والبعيدة! وهل ستتمكن هذه الحكومة أن تخلص البلاد من تبعيتها او التدخل في شؤونها؟
هناك العشرات من الاستفسارات والاسئلة تحتاج أجوبة مقنعة وليس وعود تنتهي بمجرد تشكيل الحكومة الجديدة، حكومة اغلبية سياسية أو حكومة على شاكلة الحكومات السابقة
الأولى: يدعمها التيار الصدري ورئيس التيار مقتدى الصدر بالتحالف مع الديمقراطي الكردستاني ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي إلى الآن مازالت الأمور والمواضيع بين مد وجزر ويلاقي هذا التحالف أو الكتلة التحالفية معارضة شديدة من قبل قوى شيعية تنسق من أجل تكوين كتلة أكبر.
الثانية ” الإطار التنسيقي وهو تحالف شيعي من اجل تشكيل الحكومة وصرح علي شداد الفارس النائب عن تحالف قوى الدولة الوطنية يوم الثلاثاء 22 / 2 / 2022 ” الإطار التنسيقي يعمل بكل قوة من أجل تشكيل حكومة شراكة يكون عنوانها الوطنية قادرة على النهوض بمتطلبات المرحلة وتطلعات الشعب العراقي دون القفز على الاستحقاقات الدستورية”. ووضح علي شداد أكثر أن رسالة الاطار التنسيقي على الالتزام بالاستحقاقات للجميع وهو يقصد التحاصص والتوافق ” هذا الك وهذا إلي” وأكد بالقول ” الالتزام بالمحافظة على استحقاق المكون الاكبر وأن لا يكونوا سببا في التفرقة أو الصراع داخل البيت الشيعي بطريقة أو بأخرى وهذا ما يؤكد عليه الاطار التنسيقي في جميع رسائله إلى الشركاء السياسيين”. وهنا ينطبق المثل الشعبي ” تيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي” فلا إصلاح ولا تصليح وضحايا الانتفاضة أكثر من 800 ضحية واغتيالات الناشطين المدنيين “راحت…. بالشط ” والاعتقالات والسرقات والفساد والتجاوزات ومطالب انتفاضه تشرين والقوى الوطنية والديمقراطية راحت “بشربة مي”
لابد من التأكيد ان هذا التأخير في تشكيل الحكومة والرئاسات الثلاثة كان متوقعاً وهي عملية تكتيكية لفرض الواقع ، لفرض الرأي السائد أن المحاصصة لا يمكن المساس بها حتى وإن أعلنت الكتل والتحالفات عن القاب الوطنية او الشعبية فكل ما في الأمر يصب في المجرى المتفق عليه بين ما يسمى الخصوم في البيت الشيعي لأن تصريح عمار الحكيم وتخوفه على فقدان الشيعة السلطة دليل على تمسكهم بشكل أعمى بحقهم الكامل حتى وإن كانت المنافسة شريفة ووطنية وتستند للدستور، هم يريدون بقاء المحاصصة ليبقى الفساد ولتبقى التبعية فهذا المشروع طرح قبل الانتخابات التشريعية ولعب احمد الجلبي دوراً بارزاً في تكوين التحالف الشيعي بعدما زار إيران وقد استغل التحالف اسم المرجعية وفي المقدمة علي السيستاني واعلنوا أنهم يمثلون المرجعية لكن بعد ذلك تبرأت المرجعية من هذا الادعاء وطالبت عدم استغلالها في انتخابات قادمة إلا أن نهج الاستغلال بقى تحت يافطات واشكال مختلفة.
أن الاوضاع السياسية الحالية هي في اردء حالة منذ بدء اول انتخابات وظهور نهج المحاصصة والاستحواذ، في كل مرة تعقد الآمال على الوعود بالإصلاح وتحسين الأوضاع لكنها من اسوء الى أسوأ ولهذا مثلما اشرنا أن مسالة الإصلاح أصبحت قديمة وغير ملائمة في هذا الظرف المعقد والعملية السياسية برمتها تحتاج الى تغيير شامل لإعادة ثقة أكثرية المواطنين بأن التغيير الشامل هو الطريق لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإلا لن يكون التباطؤ والمراوحة والخداع بالوعود والسياسة القديمة ونهج المحاصصة طريقاً للبناء الصحيح وفي هذا الصدد أشار البلاغ الصادر من كلا الحزبين الشيوعي العراقي والشيوعي الكردستاني ( الأول انسحب من البرلمان، لم يشتركا في الانتخابات الأخيرة)
الى هذه الحقيقة وبخصوص المستجدات السياسية إن ” استمرار حالة الاستعصاء السياسي في تشكيل الحكومة وعقد جلسة مجلس النواب الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية ( للعلم أجلت المحكمة الاتحادية العراقية العليا الأربعاء 23 شباط 2022 انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والحكومة )، إذ جرى التجاوز على المدد الدستورية، بحجج غير مقبولة، فيما يجري العمل حثيثا على إعادة انتاج المنظومة السابقة للحكم بذات النهج الذي خرجت الجماهير ضده في انتفاضة تشرين، وما عبرت عنه المقاطعة والعزوف الواسعان للانتخابات التي جرت في تشرين الأول 2021″ هذه هي الحقيقة التي تدل على الأوضاع السياسية وملحقاتها كما تشير على أن الحاسم في التغيير ايضاً وأهمية الإنجاز هي الوحدة والتفاهم بين القوى الوطنية والديمقراطية وقوى انتفاضة تشرين وكل القوى الاجتماعية التي يهمها ” إقامة دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية” المهمات التي تقع على عاتق الحكومة الجديدة اذا ارادت فعلاً وقولاً الانتقال من نهج المحاصصة الطائفية والتوافقية الحزبية الضيقة والانتقال لبناء الدولة المدنية الوطنية وتنفيذ مهمات ومستلزمات عملية التغيير الشامل
ــــــــ هل القوى المتنافسة تدرك ما معنى انقاذ البلاد؟ أم انها تهتم فقط للحصول على المكاسب لتمرير السياسة القديمة؟ إذا كانت تدرك فلا طريق أمام الحكومة الجديدة إلا طريق التغيير الشامل أما إذا كانت تدرك لكنها لا تفكر في التغيير الشامل إقرأ السلام على العراق لأن طريق التدمير هو الذي سيكون الأداة القادمة واشار الحزب الشيوعي لهذه الحقيقة “الظاهر حتى الآن ان هذه القوى التي تقدم مصالحها على المصلحة العامة، تتناسى واقع انتخابات تشرين الأول ٢٠٢١، وما اسفرت عنه من نتائج، والتي تميزت بمقاطعة سياسية وشعبية واسعة تجاوزت كثيرا نسبة الـ ٥٩ في المائة التي أعلنتها مفوضية الانتخابات” فالانخفاض الكبير في مجموع الناخبين عبارة عن دليل على مدى اتساع عملية الرفض لقوى المحاصصة والتبعية والميليشيات الطائفية المسلحة، رفض لكل الأساليب القديمة التي أتبعتْ منذ اول انتخابات تشريعية عام 2005 ولحد اللحظة ، رفض الالتفاف على الحقوق المطلبية والسياسية التي نادت بها القوى المدنية والاجتماعية ولن تسكت مهما كانت المخططات التي تحبك بمهارة وخداع، للعلم حكومة اغلبية سياسية، أو أي اسم للحكومة القادمة عليها ان تفكر أن الوقت ضيق اذا كالنت تدرك وتدعي عدم الادراك ان المستقبل لن يكون إلا لصالح القوى الوطنية المدنية وسوف نرى ويرون أي منا على الطريق الصحيح!