شبح الحرب الثالثة يهدد البشرية والسلم في العالم
موراتوف: هل يضغط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الزرّ النووي؟*
مصطفى محمد غريب
السلام في العالم هو الهاجس الأول للبشرية التقدمية الذي يعتبر الخط الفاصل ما بين الخراب والدمار والقتل بالجملة والفردي وبين البناء والتقدم والتطور وتحقيق العدالة القانونية والاجتماعية وهناك فروق أخرى معروفة، لم تكن البشرية بخيلة في نضالها من اجل التعايش السلمي والسلام الشامل وبالضد من الحروب الاقليمية مثل حروب شرقي آسيا ، كوريا وفيتنام وكمبوديا ولاوس، كانت الأنظمة الرأسمالية في الولايات المتحدة والدول الغربية اطراف فيها، أو الحروب في منطقة الشرق الأوسط، الحرب الإسرائيلية المستمرة وعشرات الآلاف من الضحايا الفلسطينيين المسالمين في الضفة وغزة والداخل وحرب قناة السويس التي قامت بها بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، واحتلال العراق وأفغانستان او أمريكا اللاتينية واوربا، ثم يوغسلافيا التي أصبحت عدة دول، والقنابل النووية الامريكية على اليابان التي قتلت اكثر من 400 الف ياباني، وعشرات الملايين من الشعوب الأخرى وغيرها من مناطق العالم، كانت أكثرية الأنظمة الرأسمالية في الغرب والولايات المتحدة الامريكية اطراف أساسيين في إشعال الحروب أو مساهمين محرضين لها، ، فمثلاً إن 25 عاماً فقط من 250 عاما لم تعتد الولايات المتحدة الأمريكي على دول وشعوب اخرى ، والجميع يعرف الحرب العالمية الأولى التي قامت بها المانيا والخسائر البشرية عدا الخسائر المادية تقدر ” 8.538.315 ” مليون انسان قتل، وأكثر من ” 21.000.000 ” مليون انسان جريح، وأكثر من ” 7.000.000 ” مليون شخصٍ بين أسيرٍ ومفقودٍ، أما الخسائر في الحرب العالمية الثانية التي فجرتها المانيا الرأسمالية النازية فقد بلغت الخسائر البشرية في هذه الحرب حوالي “61,820,315 ” مليون قتيلٍ بين مدنيّ وعسكريّ هذا الكم من الخسائر البشرية وغيرها من الحروب الداخلية كانت المسؤولة عنها الدول الرأسمالية الصناعية وفي مقدمتها المانيا والولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وإيطاليا وغيرهم، وهنا يبرز السؤال الحيوي المهم
ــــــــ من هو المسؤول عن هذه الحروب وبخاصة القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين؟ (هناك حروب كثيرة مرت على البشرية لن نتطرق لها )
ـــــــــ أليس هو النظام الرأسمالي وانظمته مسؤولة عن هذا الكم من الحروب والخسائر البشرية والدمار الذي كلف البشرية عشرات المليارات من الدولارات؟
الأجوبة تكمن في جوهر الرأسمالية باعتبارها تحمل الحرب والاستغلال واستعباد الشعوب، أن الحروب التي اشعلتها الدول الرأسمالية دليل على إن هذا النظام عبارة عن نظام لقهر الانسان وتهديد أمنه وسلمه ففي كل حرب شنتها الدول الرأسمالية بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الامريكية وألمانيا سابقاً هددت السلام العالمي والتعايش السلمي بين الشعوب بما قامت به من اختراق للقانون الدولي ولحقوق الانسان تحت مقولات وشعارات الغرض منها تشويه الوعي البشري للاستحواذ على غير المشروع من الثروات الطبيعية واستغلال سوق العمل وتسهيل العمليات اللصوصية للموارد البشرية.
نحن هنا لا ندافع عن الدولة السوفيتية التي تفككت إلى دول عديدة وعانت شعوبها من التفكك والحروب والداخلية لكننا نتذكر أنها لم تقم بالحرب والتدخل ( ما عدا أفغانستان وبطلب من الحكومة الأفغانية” ، فقد قامت الدنيا ولم تقعدها الدول الغربية والولايات المتحدة الامريكية بما فيه دعمهم للتطرف الديني الإسلامي مثل القاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية المتطرفة.
الحرب الجديدة في أوكرانيا والتي اشعلها النظام الرأسمالي الروسي على الدولة الرأسمالية الهجينة تحت طائلة من الحجج في مقدمتها معاداة الروس القاطنين منذ سنين يقارب عددهم حوالي 9 مليون روسي ثم التجاوزات المستمرة وإتهام رئيس الدولة والحكومة الأوكرانية بعد انقلاب 2014 بالنازية ، هذا التوغل العسكري في الأراضي الأوكرانية عبارة عن بؤرة جديدة تكمن خطورتها في إمكانية توسعها وتحولها إلى نزاع طويل تنجر إليه العديد من الدول وهذا ما ظهر من خلال التصريحات الغربية والأمريكية وارسال الكميات الكبيرة من الأسلحة المتطورة للحكومة الأوكرانية واتخاذ العقوبات الاقتصادية القاسية ضد روسيا وهي عملية ضغط تدفع روسيا لمزيد من التوغل العسكري وحتى وضع اليد على زناد الأسلحة النووية الذي يهدد السلام والتعايش السلمي ويدفع دول العالم إلى التذكير بالحروب العالمية التي تفجرت في لحظة لم يتوقعها حتى اقرب الناس لكنها تفجرت لأنها نهج الرأسمالية التي تحمل العدوانية والحروب في جوهرها، وقرأنا عن ضحاياها المذكورة رسيماً أما التي لم تذكر فنحن نعتقد أنها أوسع واكثر مأساة من التي ظهرت. أن اختيار الحرب هو اختيار مرفوض لما فيه من تداعيات على السلم مما يدفع البشرية إلى حبس أنفاسها ويزداد قلقها المشروع من توسعها لتشمل مناطق أوسع مما يهدد ليس روسيا وأوكرانيا فحسب انما العالم برمته وبخاصة وجود الترسانة الكبيرة من الأسلحة التقليدية المتطورة والسلاح النووي والجرثومي التي تملكه البعض من الدول، ومن جانب آخر ما يثير القلق تصريحات حلف الناتو العدواني والتهديدات المبطنة ونقل آلاف الجنود والأسلحة إلى المنطقة، هذا الحلف الذي لا نعرف أسباب بقائه بعدما تفكك حلف وارشو وأصبح من مخلفات الماضي بينما حلف الناتو يصول ويجول يهدد ويتدخل وبقائه كآلة عسكرية ضخمة تهدد الشعوب وتتدخل في شؤونها وتفرض على العالم شروط التجاوز والقهر والتدخل وتهديد الاستقلال بحجة حقوق الانسان والعدالة القانونية، لقد أكدت القوى المحبة للسلام والحرية والقلقة على مصير البشرية من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية أدانتها ورفضتها للمخاطر الجسيمة للتوغل الروسي في الأراضي الأوكرانية واللجوء للغة السلاح بدلاً من الحوار والتفاهم وإيجاد الحلول المنطقية لعدم توسع الكارثة وأشار الحزب الشيوعي العراقي” اننا نضم صوتنا إلى اصوات القوى المحبة للسلام التي ارتفعت في ارجاء العالم، المنددة بهذه الحرب والمطالبة بوقفها فورا، والعودة إلى طاولة الحوار والمفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة” أن سلوك الولايات المتحدة وبريطانيا والبعض من الدول الاوربية عبارة عن خلط الأوراق فبدلاً من التهدئة والدعوى للحوار وعدم دفع الأمور نحو الكارثية تقوم بالتحريض وفرض العقوبات وارسال السلاح مما يزيد الطين بلة ودفع روسيا لاتهام الدول الغربية وامريكا بشن حملة مملوءة بالعداء والتحريض وصرح انتوني بلينكن وزير الخارجية الروسي الحملة الدعائية ضد روسيا ” لها غايات استفزازية” وطالب أمريكا وحلف الناتو” بالدرجة الأولى ضرورة وقف تمدد حلف شمال الأطلسي ” وكذلك نشر الأسلحة ، وصعق العالم عندما أمر بوتين الى ” وضع التأهب القتالي “وهو ذو معنى خطير تعني اطلاق الأسلحة النووية في حالة ” زيادة حالة القتال” أي السماح بتنفيذ اطلاق الأسلحة النووية .
هذا التهديد يفسر في قول ديمتري موراتوف، الحائز على جائزة نوبل للسلام ورئيس تحرير صحيفة Russian Novaya Gazette نوفايا كازيتا الروسية ” دعوني أبدأ باعتراف أنني في مرات عديدة، كنت أقول في نفسي إن بوتين لن يقدم على فِعل هذا الشيء، ولكنه كان يفعل دائما قلت يوما إنه “لن يضم القرم”، ولكنه فعل. ثم قلت: “لن يبدأ حربا في دونباس. “، ولكنه فعل. وأخيرا قلت: “لن يقوم بغزو شامل لأوكرانيا”، وها هو يفعل. ويسأل “هل يضغط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الزرّ النووي؟ ** ”
قد يتصور البعض من السذج أن بوتين ليس رئيساً لنظام رأسمالي وأن الرأسمالية إنسانية وليس عدوانية فيما يخص صراعها إلا أن الحقيقة هي أن جوهر هذا النظام الاستغلال والحرب وليس هناك مانع من أن تشن الحرب بكل الوسائل إذا شعرت أن مصالحها في خطر، ، ولهذا يجب تقديم المساعدة والدعم للوفدين الروسي والأوكراني لإنجاح مهمتيهما وإيقاف الحرب وسحب الجيش الروسي والكف عن العداء من قبل المتطرفين القوميين الاوكرانيين ضد المواطنين الروس القاطنين في أوكرانيا.
الحرب هي الكارثة بالنسبة للشعوب وأداة لتقويض السلم ولها نتائج كارثية وخيمة على الشعوب، السلم هو قيمة إنسانية وحضارية وبالضد من وحشية الحرب ومشعليها في العالم
—
* ديمتري موراتوف، الحائز على جائزة نوبل للسلام
** الاقتباس عن طريق موقع ايلاف الالكتروني.