محاضرة ألقيت في مؤتمر اربيل
تعرّف الأزمة المائية على انها خلل في التوازن بين الموارد المائية المتجددة والمتاحة والطلب المتزايد على المياه الذي يتمثل بظهور عجز في الميزان المائي يتزايد باستمرار، وبمرور الزمن يؤدي إلى أزمة كبرى عنها إعاقة التنمية المائية خاصه في البلدان التي تفتقر إلى كميات كافية من المياه تسد مخنلف الحاجات البشرية ، كما وتؤدي إلى تغييرات خطيرة في البيئة.
يواجه اقليم كردستان والعراق بأسره ومنذ عقدين أسوأ فترات الجفاف (كما حصل في السنوات 1999و2000و2001و2008و2009و 2011 و في السنتين الاخيرتين2021 و 2022) .
بدأت معاناة إقليم كوردستان من ازمه المياه منذ سنوات ، لكنها ستكون كبيرة بمجرد أن تنتهي تركيا من بناء السدود المخطط لها ضمن مشروع الجاب وغيره ، بالإضافة إلى خطط إيران المماثلة على نهر الزاب الأسفل ونهر سروان وغيرهم من الروافد.
إن ازمه المياه سوف لا تقتصر على كمياتها فقط ، بل في درجة خطوره نوعية المياه المتاحة للاستخدام والتي سوف تطلق من السدود المقامه في تركيا وايران ، بسبب ما ستحويه من ملوثات وتلوثات ( pollutions and contaminations ) ناتجه عن انخفاض كميه وسرعة تدفق المياه في نهر دجلة وروافده.
ساهمت عدة عوامل في ظهور أزمة المياه الحالية التي كان لها تأثير كبير على الموارد المائية في إقليم كردستان وعموم العراق.
هذه العوامل هي:
1- الإجراءات المنفذه والخطط التنفيذية المزمعة لاقامه مشاريع الموارد المائية في دول الجوار (تركيا وإيران).
تتسبب السياسة المائية للدول المجاورة في الحالات التالية:
انخفاض منسوب المياه في أنهار العراق بسبب السدود ومشاريع موارد المياه الأخرى التي أقاموها على طولها.
2- تغير المناخ والاحتباس الحراري
تسبب في قلة سقوط الأمطار خلال السنوات الماضية. في المنطقة المحيطة بمدينة أربيل كانت كميات الأمطار الساقطه اقل عن 50٪ من العمق السنوي.
صرح محافظ اربيل يوم 8 شباط 2022 ان المحافظه ستعاني من جفاف في الصيف القادم اذا لم تتخذ الاجراءات اللازمه
3 – سوء إدارة الموارد المائيه بسبب سياسات المياه العراقية منذ تسعه عقود
صحيح انه لم تنقطع تحذيرات وزارتي الموارد المائية في بغداد في السنوات الماضية من فجوة المياه بين العراق ومصادر دول النهر والتي ستؤدي الى كارثة انسانية واقتصادية خطيرة. ولكن التحذيرات لا تكفي والمسأله كبيرة وتحتاج الى مزيد من القرارات والمفاوضات الجاده وإدخال الأمم المتحة في الموضوع والاستفاده من خبراتها في حل مسائل مماثله.
لا توجد مفاوضات ثنائية بحجم الازمه بين العراق والدول المشتركه في احواض الانهار من أجل وضع اتفاقية مائية عادلة يمكنها حل النزاعات المائية بين هذه الدول.
إهدار الثروة المائية نتيجة طرق الري القديمة والتبخر: يستهلك العراق أكثر من 63٪ من موارده المائية في الزراعة دون تلبية احتياجاته المحلية من المحاصيل ، وغالباً ما يعتمد على الواردات من الخارج ، مما يعني أن هناك هدر مائي لا يقابله غزارة في الإنتاجية نتيجة استخدام طرق الري القديمة.
– 4 يساهم النمو السكاني في إحداث ازمه المياه من خلال تأثيره في زياده إمدادات المياه:
حيث تضاعف عدد سكان العراق ثلاث مرات ليبلغ 30 مليون نسمة تقريبا بين عامي 1977 و2020 مما زاد الطلب وزاد الضغط على الموارد المائية المتاحة.
عندما بدأت دول الجوار في بناء السدود والخزانات ومشاريع الري على دجلة والفرات وروافدهما ، ظهرت أزمة المياه في كردستان وكامل العراق من خلال قلة تدفق المياه إلى أراضيها وتدهور نوعيتها.
لا تزال تركيا وإيران تواصلان إنشاء المزيد من السدود والخزانات ومشاريع الري الأخرى على نهري دجلة والفرات وروافدهما، دون الأخذ بعين الاعتبار أن هذه السدود والمشاريع لها تأثير كبير على كميات ونوعية المياه المستلمة في العراق.
وأخيرًا ، حولت تركيا وإيران المجرى المائي للعديد من الروافد المشتركة لأراضيهما وقطعت المياه منهما تقريبا عن إقليم كردستان والعراق.
تركيا في 8/12/2011 قطعت تماما مياه رافد هيزل الذي يغذي نهر الخابور في الاقليم. وقللت الى حد كبير كميات المياه المطلقه في نهر دجله للعراق وبعض روافده
تعرض تدفق المياه إلى إقليم كردستان إلى توقف من قبل إيران ، حيث جف كل من نهري ألوند وقوراتو منذ عامين، وهذه السنه 2022 نهر سيروان
مشروع الجاب (GAP) في تركيا:
يعتبر مشروع ال (GAB) مشروع تركيا الاستراتيجي الواقع جنوب شرق تركيا ، وسيشكل المصدر الرئيسي للمياه من نهري دجلة والفرات إلى غرب الأناضول التي تعاني من قلة سقوط الأمطار وندرة مياهها.
يتكون المشروع من 22 سدا و 19 محطة كهرباء ومشاريع متنوعة أخرى في قطاعات الزراعة والصناعة والنقل والري والاتصالات.
يمتلك مشروع جاب أكبر مساحة في العالم ، ضمن ثماني محافظات ، وبعد اكتماله تصل مساحة الأراضي المروية من خلاله إلى 8.5 مليون هكتار أي حوالي 19٪ من المساحة المروية في تركيا
المشاريع والممارسات الإيرانية في الأنهار العراقية:
الموارد المائية القادمة من إيران تمثل 18% من إجمالي الإيرادات السنوية في العراق وإقليم كردستان
هناك 18 نهرا تتدفق من غرب إيران إلى العراق.
منذ اربعينيات القرن الماضي بدأت إيران بتحويل مجارى بعض هذه الأنهار التي تتدفق إلى المناطق الشمالية والجنوبية من العراق ، من خلال تغيير مساراتها.الى داخل أراضيها.
تسببت السياسه المائيه الإيرانيه في خفض كميات ونوعيه المياه التي تصل إلى دجلة وروافده
مؤشرات الازمه المائيه في إقليم كردستان والعراق:
بعد ان سيطرت تركيا وايران بالكامل تقريبا على المياه المشتركه ، فقد إقليم كردستان والعراق عموما روافد كثيره وبدأت مساحات كبيره من الأراضي تخرج من الخدمة الزراعية ، وصلت الى نسبه 40%. وسوف تزداد وتصل سنه 2040 الى اكثر من 70% من المساحات الزراعية في العراق (حيث يقع جزء منها في الأقليم). وستبدأ عملية التصحر تتوسع بسبب ذلك
تناقص مستوى تدفق المياه في أنهاره التاريخية إلى أقل من 10 أضعاف، فبعد أن سجل في العام 1920 تدفقا بـ1350 متر مكعب في الثانية، بات أقل من 150 متر مكعب في الثانية في العام 2021.
تناقصت تدفقات المياه إلى العراق على نحو متسارع ما بعد 2003، أي منذ شروع تركيا وإيران في احتكار المصادر الهيدرولوجية، فتقلصت المساحات الخضراء وتوسعت الأراضي المتصحّرة، مما أسفر عن ارتفاع عدد العواصف الغبارية في عموم العراق والتي باتت تمتد إلى 220 يوما في السنة.
هناك نقص 7 مليارات متر مكعب سنويا من حصة العراق المائية القادمة من إيران يعني خروج 300 ألف دونم من دائرة الإنتاج الزراعي.
في العراق بنسبة 60 إلى 70٪.
مؤشرات تغير المناخ أصبحت واضحه ، ذلك ان درجات الحرارة العالية أصبحت أكثر شيوعًا، والجفاف أشد حدة، والعواصف الترابية أكثر تواترًا، والتصحر يؤثر على 39% من مساحة العراق، و54% من أراضينا معرّضة لمخاطر فقدانها زراعيا بسبب التملح
نشرت وزارة الموارد المائية بيانا يتحدث عن انخفاض كبير في كميات المياه الواردة من الأراضي الإيرانية إلى سدي دربندخان ودوكان في إقليم كردستان العراق وصل “إلى 7 أمتار مكعبة في الثانية بعدما كانت 45 مترا مكعبا في الثانية”، وأشار البيان إلى أن الانخفاض “أصبح مترين مكعبين في الثانية” في بعض المناطق.
في سد دربندخان بمحافظة السليمانية حيث وصلت إيرادات المياه من ايران إلى معدلات متدنية جداً، وكذلك سد دوكان في المحافظة نفسها فان الإيرادات من ايران وصلت نسبة الانخفاض فيها الى 70%.
في محافظة دهوك تسبّبت قلة الأمطار في جفاف سدّ زاويته كاملا والسد يعتمد على مياه الثلوج والامطار
الخطط المستقبلية المقترحة لمواجهة أزمة المياه في الاقليم :
1- يحتاج إقليم كردستان الآن إلى رسم سياسة مائية لتشريع قوانين لاستخدام وحماية جميع موارده المائية في احواض الانهار وروافدهه التي تنبع أو تتدفق فيه.
2- تحتاج وزارة الري في كوردستان لتطبيق سياسة مائية لتوفير احتياجات المواطنين دون استنزاف الموارد المائية. يجب على المواطنين الامتثال أو الانصياع للتعليمات المتعلقة باستهلاك الموارد المائية في المنطقة من خلال تطبيق نظام السعر المفترض المتعلق بالموارد المائية والذي يجب أن يوفر حوافز للاستخدام المسؤول.
3- إنشاء سدود مختلفة الأحجام على طول روافد نهر دجلة وإنشاء العديد من البحيرات أو البرك الترابية عبر مناطق مناسبة مختلفة.وذلك يتطلب اجراء تحريات ودراسات هيدرلوجيه وجيولوجيه مختلفه.
4- بالرغم من وجود عدد من السدود في اقليم كردستان ، الا انه يفتقر الى مشاريع ري كبيرة وعليه يحتاج الاقليم إلى إقامة مشاريع ري مختلفة في سهوله الكبرى وهي سهول (هولير ، شارزور ، مريوان ، موس ، بينكول (هزار كول) ، باتاس ، حرير وبازيان).
5- تشجيع مشاريع حصاد المياه (Water Harvesting) في مختلف مناطق الإقليم الملائمه
يحتاج الإقليم الى استخدام وتطوير برامج ذو فاعلية كبيره في حصاد مياه الأمطار والثلوج في مواسمها لاستخدامها لاحقًا بتطبيق طرق الري بالرش والتنقيط كنظم ري حديثة.
اعتماد أنظمة الري عالية الكفاءة (أنظمة الري بالرش والتنقيط) الذي سيؤدي إلى تحسين توزيع المياه وكفاءتها.
7- تحسينات مجاري الأنهار(Water Course Improvements):
الأسباب الرئيسية لفقدان المياه في مجاري المياه هي التسرب والجريان الفائض(over flow) والغطاء النباتي وحفر القوارض.
تقليل فواقد المياه في أنظمة النقل والتوزيع وخاصة في شبكات التوزيع السكنية.
8-تحسين وتطوير ومتابعه شبكات توزيع مياه الاساله:
تقليل فواقد المياه في أنظمة النقل والتوزيع في شبكات اساله المياه للمناطق السكنية
إذا بدت المياه للمواطنين مورداً حراً ، فان المواطنين سيستمر في معاملتها كمورد لا ينضب.
يجب أن لا يتم التركيز والاهتمام بزيادة العرض بل على التخفيف من الطلب والالتزام بترشيد الاستهلاك بشكل عام. اذ لا بد من اصلاح البنية التحتية لشبكات المياه في كردستان مما يتسبب في هدر كميات كبيرة من المياه اضافة الى الاستخدام غير الفعال للمياه.
9- تستحق مياه الصرف الصحي الاخذ بالاعتبار الكامل للأسباب التالية:
يسمح استخدامها لموارد المياه العذبة لتلبية الاستخدامات الأكثر إلحاحًا كالاساله والصناعه.
تكون عبء باهظ الثمن على المعالجه.
تكون غنيه بالمواد العضوية والأسمدة
اجراء الدراسات والتحريات لأمكانيه انشاء سدود مختلفه الاحجام لخزن المياه وأيضا توليد الطاقه الكهربائيه للمساهمه في حل ازمه الطاقه الكهربائيه أيضا .
ان قطع المياه عن الكثير من الروافد انعكس على توليد الطاقه الكهربائيه للسدود، فمثلا ان ما وصل اسد دربندخان العام الماضي العام الماضي”من الواردات المائية هو 900 مليون متر مكعب، في حين أن معدل إيرادات السد السنوية”، خلال السنوات السابقة “كان 4 مليارات و700 مليون متر مكعب.
وتسبب الانخفاض بتقليل توليد الكهرباء بنسبة 30% مقارنة مع العام السابق له.
تشجيع إجراء الأبحاث العلمية حول آثار الجفاف والتخفيف من آثاره وكذلك حالات الفيضانات الموسميه للوديان وغيرها من الأبحاث في مختلف مجالات المياه.
ومن الضروري التنسيق مع جامعات إقليم كردستان في هذا الشأن من حيث نوع الأبحاث ومجالاتها ، وكذلك من الضروري التعاون مع الباحثين في توفير البيانات الهيدرولوجيه والمناخيه وغيرها لتسهيل قيامهم بابحاثهم خدمه للإقليم.
8- اجراء أبحاث حول التبخر من الخزانات والبحيرات لاختيار طرق ومثبطات تقلل من فرص التبخر ودراسه امكانيه الخزن الجوفي في المواقع الجيولوجيه الملائمه
اخيرا
نأمل أن نتعاون جميعاً في حل المشكلة حتى لا يمر يوم في المستقبل في كردستان دون أن تنعكس أشعة الشمس الذهبيه على مياه روافدها ، وتعكس روافدها بدورها تلك الاشعه على جبال كردستان الجميله ، لتتعانق الأشجار والخضره مع نور الشمس ويمد بعدها كلاهما الحياة لكردستان الانسان والأرض ، ويتغنى الجميع بجمال الحياه وجمال كردستان وطيب أهلها وقدرتهم على العطاء.
أيضا
حتى لا يأتي يوم تكون فيه بلاد الرافدين بدون رافدين كما تشير الابحاث العالميه الى انه سنه 2040 ستكون بلاد الرافدين بلا رافدين
ونامل ان لا يكون غروب الشمس في بلاد الرافدين مستقبلاً دون أن تنعكس أشعتها على مياه دجلة والفرات لتحكي تاريخها الساحق في القدم وما قدم انسانها من عطاء في الفكر والإنتاج والقوانين للبشريه؟