الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Homeمقالاتالعالم السفلي في رواية ( نهر الرمان / تجربة موت )...

العالم السفلي في رواية ( نهر الرمان / تجربة موت ) للأديب شوقي كريم حسن : جمعة عبدالله

يتميز الروائي ( شوقي كريم حسن ) في مغامراته في الفن الروائي الحديث , في محاولاته في  ابتكار صيغة  خلاقة  في المتن الروائي , برؤية مبدعة  في صناعة الحدث السردي , الذي يمتلك عمق فكري بليغ في الايحاء والرمز الدال , أن يمزج الحدث السردي بالدراما الفعل في المونتاج المسرحي , الذي يعبر عن جوهر الواقع ومعطياته في رواية ( نهر الرمان / تجربة موت ) أنه يفتح الحساب وتصفيته  بين الذات والعام , أو بالادق بين السيرة الذاتية للمؤلف والسيرة الذاتية للواقع بالمجريات الفاعلة والقائمة على الأرض فعلاً وتنفيذاً , ويضع كل منهما في كفتي الميزان , في تحدي الموت والواقع , رغم أن كفة الميزان تكون لصالح مجريات الواقع في ازمنته القائمة الماضية والحاضرة , لذلك يمارس عملية جلد الذات والواقع معاً في الحدث الروائي .  وهو يسير بشكل متوازي  بشقين الذات والعام , من خلال  توظيف التعبير الفكري  في المنولوج الداخلي , ربما الشيء المبتكر والخلاق في المنظور الروائي  , أن يجعل الهرم الانساني أو الجسد الانساني بأجزائه المختلفة ,  اصوات تتصارع بجدلية الفعل بين الركون والتمرد . اي بمعنى آخر أن ( الانا ) موزعة على اجساد الجسم وعقلة ( الروح والعقل ) هذان  الشقان  يديران عملية قيادة  دفة سفينة في  الحبكة السردية , وهما المحركان للفعل الدرامي للحدث السردي , فالجسد متكون  من القلب والروح في الشق الأول  يدخل في جدلية متصارعة مع  الجسد  الرأس ( العقل ) وهما في نزاع وخصام , وحين يتمرد بالعصيان أحدهما على الآخر , فإنهما يبقيان في خط اللعبة المفروضة عليهما معاً , ولا يتجاوزون  الخطوط الحمراء , رغم أن احداهما يفجر الاسئلة في وجه الآخر . والطرف الاخر يحاول  امتصاص أو تبريد سخونة عنفوان الشق الآخر , وهذه العملية تأخذ بتبادل الادوار . ولكنها تؤدي في النتيجة  الى الإحباط  والهزيمة والانكسار , في الازمنة السوداء  والواقع يشهد الانهيار والخراب, يشهد استخدام  الفوضى  والخديعة والكبت  والوجع  ( منذ أعوام وهي تقاوم الوجع الذي أصبح  مستحيلاً , في الزمن الذي نعيش فيه , كسرت جناحك الايام , وكل ما عليك فعله ,  رفع رايات قبولك واستسلامك , لا طائل في المقاومة , تلك الأنقاض  التي تسميها ( أنا ) لُمَّ ليلك الى وحشة وجودك المنحاز الى الرحيل وتوكل, لا طائل من وراء المماطلات التي ترغمنا جميعاً على الولاء , أنزع أردية غرورك وتكفن بالقبول  ) ص7 . هذه صيرورة النزاع والخلاف بين القلب والعقل في تدهور القيمة الانسانية الى الحضيض  ( الدنيا حصانها الدينار , والذي لا يملك فلساً لا يساوي فلساً ) ص7 . يعني اذا كنت تملك المال فأنت محترم واذا  كنت لا تملك فأنت زبالة . واقع يجعل الانسان مجرد رقم لا قيمة له , أو يجعله ببغاء يردد مايطلب منه بالاحتقار والاستهتار متغطرس بعنجهية الارهاب المسلط على الرقاب , وعليه واجب التصفيق والرقص والغناء لتمجيد القائد المفدى ( أبن الحمار .. صفق … وغني … صفق وغني ,,,, هههههههههه …… لا بأس أصفق واغني .. أبن القحبة ……. أرقص … صار أرقص … أرواحنا لك الفدى  قائدنا الممجدا ….. لا سافل غني ما يطرب الناس ويثير حماستهم . صفق .. غن .. أرقص … صفق … غن …. أرقص .. احنه مشينه للقبر …. عاشك يدافع عن قهر محبوبته …. ) ص17 .  هذا المناخ الببغاوي يثير حفيضة الصراع بين الروح والجسد أو بمعنى آخر بين القلب والعقل :
( يقول القلب – ألى أين تراك ذاهب ؟
يقول الجسد  – لا عليك , فقط كن تابعي
يقول القلب – أنت تريد تغيير قواعد اللعبة فالاجساد هي التي تتبع القلوب
يقول الجسد  – ولم تعترض طوال وجودنا معاً , كنت أطيع  ما تجود به و مارفضت حلماً, وما قلت لك لا … أنت من كان يدمر حتى لحظات استكانتي ) ص27 . والاثنين  واقعين تحت حوافر حصان الطروادة . هذا الواقع المزري وأزمنته السوداء والمنحوسة وكل فارس يمتطي حصان الطروادة يحمل معه الذريعة القاتلة والمسمومة , مرة يقول جئنا محررين لا فاتحين , ومرة أخرى أئنا جئنا توحيد  شمل الأمة العربية التي تحمل  ذات رسالة خالدة , ومرة بجبة الدين الحفاظ على القيم الاسلامية , والواقع يغوص الى الأعماق في المستنقع  العفن يصل الى اسفل العالم السفلي من الجحيم والظلم والانتهاك .
 ( لن أتركك تلعب بحياتي …. أنت من دفعني الى هذا القرف والخمول .
– ما دخلي …… أنت من قبل الولوج الى عالم غير عالمه … أمشي أبن السودا. .
– أمي سوداء ولكن تسكن جسداً  مزين بالعفة ) ص72 .
امام هذه المحنة والخسارة الحياتية في انسداد الأفق كلياً  , تلعب العرافة الدور الايجابي في إضاءة  الطريق المظلم الممتليء العناكب والافاعي المتوحشة , وتقرأ طالعه برؤية حكيمة ورشيدة , وهى ترى سيرة حياته ككتاب مفتوح أمامها . وتحاول أن تخفف وطأة المحنة الحياتية :
( – بما دمت ترغب بالاجتياز فكن مستعداً لتلاقي العثرات .
( – سقوط واحد يضعف مرامك ويشل وجودك كله .
( – أنت أبن مراسيم الآثام لايمكنك  التخلص من رغبات تكفلت بأبديتها , كن حذراً .
( – ماعشته مثال قاسٍ  للخديعة والكذب والقبول بالاوهام !!.
( – ستكون أما محنة أسمها الحياة سيدي !! .
( – تذكر ليل الشطآن يمكنه أن يحرر روحك من غاياتها أياك التردد , أن ترددت فقدت معاني وجودك كله , الشطآن ملاذ يعطيك القدرة على الفهم , الوحدة اخصاء للواعج ليلك وعجز لفحيح أفاعيك !! ) ص78
ولكن كل الدروب مطوقة بالكلاب البوليسية , وكل الشوارع تحمل الإشارات  الحمراء , فمن يتجاوز يوصم بالخيانة والاجرام بحق الوطن والقائد المفدى المكلل بالمجد والتعظيم , وانه اصبع مدسوس من الخارج ,  لتخريب أفكار الناس وتخريب الوطن ( نموت ونموت  ويحيا الوطن . ولكن لو متنا ما سيظل للوطن بقية ؟ ؟ ) هذه عثرات الزمن الاسود ان يجعل الحياة لعبة الحظ بين الموت والبقاء  في الحياة الببغاوية الخانعة . في هذا الوطن الذي تحول الى العالم السفلي  , الى مواكب التوابيت أو سواتر لجبهات الحرب وحرائق الموت , لان  المواطن اصبح زيتاً يصب في أفران الحروب , ومن يعصيه ويتمرد لا حياة له ( الآن أتضحت الصورة ….. أرسلك أعداء الوطن لتدمير افكار الناس وتحريضهم ضد سلطاننا الرائع القسمات وحكومته التي ترعانا بود واحترام شديدين ) ص130 .
               المعنى الرمزي للبوابات السبعة في المتن  الروائي :
 يحتوي المتن الروائي على سبعة ابواب , وهي بمثابة بانوراما لجحيم العالم السفلي , لوطن كان يملك المجد الحضاري بالقوة والجمال والعنفوان  , كان بمثابة نهر الرمان . والرمان إحدى ثلاث فواكه مذكورة في آيات  القرآن الكريم . يتحول الى تجربة الموت على مشرحة الطب العدلي , هذا البعد الفكري والرمزي لدلالة ( نهر الرمان ) ودلالة ( تجربة موت ) وضع المواطن في مشرحة الطب العدلي للموت البطيء  , أراد  مؤلف الرواية  ( شوقي كريم حسن ) أن  يصفي حسابه مع الذات والواقع بحدة مشاطر العمليات الجراحية , ما عليه وما له . لذلك ان مشاهد الابواب السبعة في الحدث الروائي , تمثل الجحيم المتوحش للعالم السفلي في أبوابه الجحيمية , وكل باب أشد رعباً وجحيماً وهلاكاً وتوحشاً من الآخر . هذه  حياة الواقع العراقي  نسخة طبق الأصل  من العالم السفلي , الذي يدفع المواطن الى الهلاك والموت , وعندها يشعر بالخيبة والاحباط والندم انه ولد في بلد نهر الرمان . مثلما  فعلت ( عشتار ) في الأسطورة السومرية , ان تهبط الى العالم السفلي  لملاقاة حبيبها وزوجها تموز ( ديموزي  ) ومرت من ابواب الجحيم المتوحش الرعب والاهوال السبعة , ولكن حين وجدت تموز في حالة يرثى لها ( ديموزي ) شعرت بالاحباط والخيبة والندم , لم يكن ( تموز ) يمثل المجد والقوة والعنفوان  , وإنما أنساناً اخر متهالك بالضعف والخنوع والانكسار . نفس الحالة في الاسطورة الاغريقية ( أوديسا ) في حالة شعرت  بها ( بينولوبي ) زوجة  ملك (إيثاكا ) الذي ذهب الى حرب الطروادة , فكان ( أوديسا )  يمثل افعوان المجد والقوة الشبابية , ولكن حينما رجع من حرب الطروادة , رجع في حالة يرثى لها ,  كالمتسول العفن والقذر كأنه الشيخ الهرم . عندها شعرت ( بينولوبي ) بالاحباط  والخيبة والندم , لأنها رفضت عروض الزواج من الملوك والامراء, من اجل عجوز هرم سائر الى حتفه . هذه الحالة تنطبق على العراق في ازمنته المظلمة الماضية والحاضرة من  المجد الحضاري ( نهر الرمان )  ,  من  العالم العلوي ينحدر الى حضيض  العالم السفلي ,  بالحياة  المعذبة بالقهر والجحيم , الواقع  المزري  و المأساوي  يمثل أبواب الجحيم السبعة للعالم السفلي  , مما  يدفع المواطن الى الهلاك والموت كأنه قدر العراق الابدي لا محالة  :
( – ما الموت ؟ ولماذا يحتم  علينا أن نمارس لعبته طوال حياتنا ؟؟ ) ص155 .
 × الكتاب : رواية ( نهر الرمان / تجربة موت )
× المؤلف : الأستاذ شوقي كريم حسن
        جمعة عبدالله
RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular