جذورهم التاريخية وآثارهم الحالية..
العدنانية..قريش..إبراهيم الخليل
الحلقة الرابعة
يكتب سيد القمني بالنص: “إذا ذهبنا أن العدنانيين ليسوا عرباً أصلاء، وإنما قدموا من (أور الكاسيين)، أو أنهم إحدى القبائل الكاسية، فإننا نجد كتب التراث لم تزل تحفظ بين طياتها قولاً رائع الدلالة والتوافق مع مذهبنا، فتقول السيرة الحلبية: “وولد عدنان يقال لهم قيس، وولد قحطان يقال لهم يمن”، فهذا ليس بحاجة إلى إيضاح أن (كاسي) هي (قيسي)، وإذا كنا قد زعمنا أن القبيلة العدنانية (النسل الإبراهيمي) قد وفدت ضمن مجموعة من الهجرات المتدفقة على شكل موجات متلاحقة من المنطقة الكاسية. وربما اسم (قريش) في الأصل محرف من الاسم (كيش) بحذف حرف التصريف لحرف (الراء) في كلمة قريش) تصبح (قيش) وبتبادل حرف (ق) مع حرف (ك) في اللسانين السامي والهندوأوروبي، فإنه يسوغ لنا القول دون تردد: إن (قريش) هي ذات التسمية (كيش). وأن الكاسيين هبطوا في غزو بربري كاسح على دولة بابل الأولى حوالي عام 1600 ق.م.، فأنه ضمن تلك الموجات جاءت موجة من الهكسوس لتحتل مصر حوالي 1680 ق.م. وإذا كان حرف (هـ) في اللغات السامية والآرامية هو أداة تعريف في بداية اللفظ المعرف، وعليه فالكلمة (هكسوس) بعد حذف التصريف الاسمي (حرف السين الأخير) تصبح (كاسو)(1) أو (الكاسي)، والذي يشير إلى الموطن الأصلي للهكسوس هو براري غرب آسيا وهو اتجاه يشمل منطقة (آرارات) في أرمينيا)!! (2)
على ضوء قاعدة اللسانيات، وارتباطاً بموضوعنا هذا، نبحث في جذر قبيلة/عشيرة (هكار- هكاري)، التي يبدو ان لها صلة بمدينة (حران) الحورية-الميتانية-الكاسية. ان مدينة (حران) كان يطلق عليها (كارداكا) باللغة السومرية، و(كاران) عند اليونانيين، و (كاريا) عند أبا الكنيسة هليوبوليس، أي مدينة الوثنية، كما كان يطلق عليها (خرانو) بمعنى الطريق، وان الحرف اللاحقة (خ) كان من شأن اللغة الحورية قبل اللغة الأرمنية. و (كار) لغة، تأتي بمعنى الأرض أو البلاد، مكان عبادة “دونياش” معبود من معبودات الكاسيين، فيكون معنى “كاردونياش” مملكة الإله “دونياش” . (3)
إذا كان حرف (هـ) في اللغات السامية والآرامية هو أداة تعريف في بداية اللفظ المعرف، وعليه فان كلمة (هكسوس) بعد حذف حرف (هـ) أداة التصريف الاسمي تصبح (كاسو) أو (كاسي) كما تمت الإشارة اليها في أعلاه. وعلى نفس القاعدة، فان كلمة (هكار- هكاري) بعد حذف (هـ) أداة التصريف الاسمي تصبح (كار) أو (كاري)الاسم القديم لمدينة حران الحورية/ مركز عبادة الإله سن/إله القمر، المدينة التي، ربما ولد فيها (إبراهيم الخليل)، أو قَدم اليها من جنوب أرمينيا، آرارات و (وان)، حيث المنطقة الحورية أو الكاسية (أور كسديم)، وليس قادماً اليها من (اور كلدان) جنوب بلاد وادي الرافدين كما تذكره بعض الكتب التاريخية. علماً ان اللغة الآرامية مشتقة من اللغة البابلية، وأن لغة الأحلاف في الحجاز كانت بابلية ثم تطورت إلى لغة (كارية/ حورية) عرفت بعد ذلك بالآرامية. ويقول الدكتور لويس عوض، ان الكثير من مفردات اللغة العربية وتراكيبها تعود إلى أصول هندوآرية. والأكثر عبقرية أن يكشف لنا لويس عوض أن هناك عنصرا له لغة تختلف تماماً عن اللغة العربية جاءت من أرمينيا، وهم العرب المعروفة بالقيسية العدنانية (4) . و (هاريا) وهي الصيغة الأخيرة لـ (هوري) كانت تقع على الجهة التي تسمى الآن (درسيم)، وكانت هذه البلاد الجبلية منفصلة عن (أنزيت وبلاخوفيت) بواسطة نهر مراد صو، أي لم تدخل ضمن بلاد (كردويني) ومع ذلك فقد ذكر اسم سكانها من قبل ملوك آشور كـ (كورتي) الذين عاشوا على قمم جبال (آزو) التي تشبه الخناجر في (هاريا) (5) .
بعد عرض الحقائق التاريخية من قبل المفكر القدير سيد القمني والعالم الكبير صلوات كوليانوف، يأخذنا التاريخ أيضاً أن نسلط الضوء على تلك المجموعة البشرية التي عرفت بـ (الهكسوس) دخلت مصر وحكمتها اكثر من مائة عام لتخرج بعدها إلى أرض كنعان والحجاز؛ هل هم الشعب العبري الذي يخصص له سفر في التوراة باسم (سفر الخروج)، أم شعب وقبائل أخرى احتضنوا اليهود أنفسهم، أم هم الشعب (كاسي-كاشي) المشار اليه أعلاه؟
الهكسوس، أو كما تم تسميتهم “ملوك الرعاة” ليسوا بني إسرائيل، وإنما بنو إسرائيل كانوا على الأرجح قبائل دخلت مصر تحت جناح الهكسوس وعاشت في كنفهم (6) . ويضيف قائلاً “ربما كان الكاسيون في العراق القديم فرعاً من الهكسوس ولغتهم ميدية، وان خمودي khumoudi هم جيل من أجيال الهكسوس سكيذية وهي إحدى فروع المجموعة الهندوأوروبية (7).
وحسب مصادر تاريخية قديمة موثقة، يعتبر الكاشيين/أو الكاسيين الذين حكموا بابل من قبائل جبال زاغروس ومن أسلاف الخالديين (الخالتيين)، وكذلك (البختياريين) وبعد سقوط الكاشيين على يد العيلاميين هاجر قسم منهم شرقاً إلى أن وصلوا الهند، والقسم الآخر هاجروا إلى الغرب حتى وصلوا إلى أرض كنعان ومصر والحجاز وهم الذين عرفوا بالهكسوس. وأن إسم كاسكي (كاشو-أكاد) من أصل كوتي قديم بمعنى (المارد). وقد جاء هذا الإسم في كتاب العهد القديم، سفر التكوين، الأصحاح السادس تحت إسم الجبابرة (العمالقة): (وبعد ذلك أيضاً إذ دخل بنوا الله على بنات الناس وولدن لهم أولاداً، هؤلاء هم الجبابرة الذين منذ الدهر ذوو اسم.) أي عمالقة (كوسكي) (8) . علماً ان هذه الفكرة أخذها كتاب التوراة من ملحمة جلجامش السومرية-الأكادية وأسره على يد السكان المحليين من الكوتيين- الخالديين-الكرد. وملحمة جلجامش نفسها تعكس ديانة الكوتيين-السومريين، على أن الفلك في أعقاب الطوفان اصطدم بـ (سن كلوب- جبل شنكال الحالي)، توقف على جبل نيتسير (جبل جودي الحالي)، حيث يحتفل الايزيديون ليومنا هذا ويقدمون الذبائح ضحية بمناسبة يوم إنقاذ البشرية من الطوفان (9) . وما يعزز هذا الرأي هو وجود نص ديني ايزيدي بعنوان (كاو و ماسى= الثور والسمك) وباللغة الكردية، يتحدث عن العمالقة والخروج من مصر بشكل يختلف عن سفر الخروج الواردة في كتاب التوراة (10) .
ل وی ئەردی حەیران دمامە/ أصابتني الحيرة من ذلك المكان
ناڤێ وی قەومی “بن قامە” / اسم ذلك القوم “العماليق”
(سەب. ٣٤ من النص الديني الثور والسمك= كاو و ماسى)
الهكسوس أو ملوك الرعاة عندما طردوا من مصر زمن الملك (الفرعون) أحمس/تحتمس من الأسرة 18 عام 1575 ق.م.، توجهوا إلى سيناء ومنها إلى أرض الكنعانيين (11). أما الدكتور لويس عوض يكتب: بأن الهكسوس استوطنوا الحجاز واتخذوا من مكة عاصمة لهم (12). وجاءت مكة في التاريخ باسم (ملكاي Malichae)، وهي صيغة مجزؤة من “ماهليك Mahlik) الحامية، وتوجد هذه الأسماء قبل خمسة قرون من مجئ الإسلام. و (ملكاي) أي موطن “أماليك” أو “عماليق” المذكورة في التوراة (13). مستطرداً “ان العرب حين نزلوا شبه الجزيرة العربية، إنما نزلوا على سكان أصليين كانوا فيها، كان منهم العماليق الذين نعرف من قصة الخروج في التوراة إنهم كانوا مستقرين من الحجاز إلى جنوب فلسطين من قبل خروج بني إسرائيل، وهؤلاء استطعنا تحديدهم بجحافل الهكسوس المطرودين من مصر في القرن الخامس قبل الميلاد. ولا شكّ أيضاً إن هؤلاء الهكسوس أو “العماليق” كما تقول التوراة قد نقلوا إلى شبه الجزيرة ما قبلوا عن معتقدات المصريين من معتقدات دينية ورواسب لغوية مع ما حملوا من لغتهم القوقازية (14) . أما العرب فقد ظهروا على مسرح التاريخ باسم “العرب” في القرن التاسع قبل الميلاد، وبدأوا التدوين لأول مرة في القرن الثاني قبل الميلاد (15) .
ويرجع د. لويس عوض أن تعود الأصول العربية الانثروبولوجية إلى موجة هندية إيرانية، “فالعرب” ينتسبون إلى “إبراهيم” وربما كان “براهما” الذي سمع صداه في “أبراهام” و “إبراهيم” هو “الايونيم” Eponym (اسم رمزي طوطمي لجمَاع عرقية) من موجة إيرانية استقرت في “اور” عبر لورستان في إيران، ثم هاجرت إلى حرّان في عهد الكاسيين (1800ق.م.). (ص 23) هنا، ربما تمثل المرحلة الهكسوسية – مرحلة “الملوك” الرعاة فترتهم الجاهلية الأولى التي يحدثنا عنها التاريخ العربي والأساطير العربية (الحقبة من نحو 1567 إلى نحو 1000 ق.م.) (لويس ص 61).
بناء على المعطيات التاريخية أعلاه حول سكان الجزيرة قديماً من القول بالعرب “العاربة” والعرب “المستعربة” يأخذنا السؤال إلى: هل “الآدانية، القاتانية، الشمسانية” هي نفسها “العدنانية، القحطانية، الشمسانية” نسبة إلى عبد شمس، أم أنهم أسماء لسلالات أخرى؟ ان المصادر التاريخية الموثقة تؤكد ان أصول هؤلاء لا تعود إلى الجزيرة التي تطلق عليها اليوم “الجزيرة العربية” وان هذه السلالات ليسوا من جذور عربية، بل قدموا إليها من أرمينيا (آرارات) وبحر قزوين وبابل (16).
* أغلب الظن، هذا هو السند التاريخي لورود كلمات :العماليق “الهكسوس”-قريش- مكه- زمزم- الآدانية- الشمسانية- القاتانية- ابراهيم الخليل…في بعض النصوص الدينية الايزيدية. وبذلك هناك صلة بين الهكسوس “الكاشيين والحوريين” والايزيدية، وبين الهكسوس و “هكار”، ذلك الشعب الهندو آري القادم من أواسط آسيا ليحكم مصر أكثر من مائة عام، ليطرد من مصر حوالي عام 1540 قبل الميلاد وينزل إلى منطقة تسمى باسمهم: الحجاز (حكاخازو= الهكسوس)، بمعنى أنهم سكنوا الجزيرة قبل ظهور العرب والاسلام فيها. وضمن سياق هذه النظرية، لا تستبعد وجود علاقة بين الهكسوس الذين توزعوا بعد طردهم من مصر بين الحجاز وفلسطين وبلاد الشام (منها لبنان الحالية) وبين أجداد الشيخ آدي (الهكاري- الهكسوسي) في لبنان، وعودته بعد ذلك إلى موطنه في هكار!)
تتبع الحلقة الخامسة:
هل من علاقة بين النص الديني (ﮔاى وماسىGa u Masî)
وسفر الخروج التوراتية (Exodus)؟
المصادر والهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ما أكثرها الأسماء المستخدمة بين الايزيديين، خاصة في سنجار (قاسو- قاسكى، كسو) التي توحي إلى انتسابها للشعب الكاسي/الكاشي الهندوأوروبي القديم.
(2) د. سيد محمود القمني، النبي إبراهيم والتاريخ المجهول، مصدر سابق، ص 59-60.
(3) سوسوني سميث، مقتبس من: محمد أمين زكي، تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي، ص6.
(4) د. سيد القمني، النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة، ج 2، ص 503.
(5) مجلة الجمعية الآسيوية الملكية البريطانية J.B. A.s. 1919 ص 147- ص 154.”مقتبس من: د. جمال رشيد أحمد، دراسات كردية في بلاد سوبارتو، ص44.
(6) الدكتور لويس عوض، مقدمة في فقه اللغة العربية، مطبعة رؤية/القاهرة الطبعة الأولى 2006، ص45.
(7) د. لويس عوض، نفس المصدر السابق، ص 56 و 58)
(8) صلوات كولياموف، مصدر سابق، ص 149.
(9) نفس المصدر السابق، ص113.
(10) تم تقديم بحث بعنوان: (هل من علاقة بين النص الديني “كاو و ماسى” وسفر الخروج،) إلى مؤتمر الأكاديميين الايزيديين المنعقد في مدينة بيليفيلد الألمانية بتاريخ 23/حزيران/2012.
(11) راجع الدكتور سيد القمني، النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة، ج1، ص 61. وكذلك انظر إلى: أحمد عثمان، تاريخ اليهود، دار السرق، القاهرة 1994، ج1، ص 144-145.
(12) دكتور لويس عوض، مقدمة في فقه اللغة العربية، ص 56.
(13) نفس المصدر السابق، ص 23.
(14) نفس المصدر، ص 41.
(15) لويس عوض، نفس المصدر السابق،ص 45.
(16) للمزيد يراجع: فراس السواح، آرام دمشق وإسرائيل في التاريخ والتاريخ التوراتي، دار علاء الدين، دمشق 1995، ص 16-17. وكذلك يراجع: الدكتور سيد القمني، النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة، المركز المصري لبحوث الحضارة، القاهرة الطبعة الأولى 1999، الجزء الرابع، ص 502 وما بعده. وينظر كتاب: الدكتور لويس عوض، مقدمة في فقه اللغة العربية، مصدر سابق، ص 22.