الأربعاء, نوفمبر 27, 2024
HomeUncategorized"اعمال هوشنك بروكا الشعرية"وشاعرية إبراهيم محمود (1) : إبراهيم سمو

“اعمال هوشنك بروكا الشعرية”وشاعرية إبراهيم محمود (1) : إبراهيم سمو

ibrahimsemo@hotmail.de

وصلتني قبل شهور نسختي من الطبعة الأولى من”الاعمال الشعرية للشاعر هوشنك بروكا”المسماة “شاعر وأسماك محلّقة في ماء السماء،و”الصادرة عام 2020 عن دار( تموز ـ ديموزي) بدمشق.تقع “الاعمال”،التي تحمل صورة الشاعر على الغلاف، في 672 صفحة من القطع المتوسط، وتشتمل وفق الفهرسة على العناوين الرئيسة التالية:
1ـ تثاؤبات من قباب منارات راقدة 1995
2ـ وقائع أربعاءات الغبار 1999
3 ـ الأخضر الأخير في جنازة الإله 2002
4 ـ متأخر المدينة… هكذا أنقط إلى صلاة اسمك 2003
5 ـ التي من التفاح وأبعد 2005
6 ـ المتفرقات .
اللافت ان “الأعمال “هذه ،لا تعندل بالقصائد ـ الأصل، بل تنبعث عن ترجمة تمخضت، لجهة المبنى والمعنى،عن مهارة وحرفية وموهبة،في نقل الأفكاروالعاطفة والصورالبلاغية ،والايقاع واللغة والأسلوب ،بوهج مقارب للذي ترنم به بروكا الشاعر،في لغته الأم .وقد يُقيَّض لقارئ اللغتين ،أن يقبض على تشابه فيزيائي بين النصين: الكردي الأصل والعربي المترجم،ويحال ،من ثم،إلى تفاعلات؛بمعنى كيمياء روحية ،سهلت أن ينقذف المترجم إلى الشاعر،ويغوص ،من ثم، في ذاكرتيه الدلالية والعرضية،اللتين قرّبتاه،ولو يسيرا ،إلى سمات الشاعر الفردية ،بل مكنتاه من الإمساك،بتفاصيل فريدة من خبرات وتجارب ورؤى ،تحصلها “الشاعرـ الباحث”،كمخزون معرفي ـ انساني ـ شخصي ،من البيئة والمجتمع والتعليم ،والبحث والدراسة ،وعليه ؛فجودة الترجمة تعزى هنا ،وعدا عن ملاءة الترجمان ،وثرائه المتقابل في اللغتين( الثقافتين )،كذلك إلى تعاون مخلص بين الشاعرعينه ،والمترجم الذي أشار إلى “مدد معنوي “،و” شراكة ترجمة “،مفضفضا:”ما كان لي أن أقوم بمهمة ترجمة هذه النصوص لولا مساعدة الصديق بروكا”.وما قد يستميل ،ان الباحث؛إبراهيم محمود،هو من عمل على الترجمة، بل ويجتذب أكثر،ان دور محمود امتد إلى رصع “الأعمال”،بنقوش جديدة ،واضاءات مفيدة، و”رتوش”ماتعة، أسماها”التعليق والتعقيب “.
هذه “الأعمال” تهزج،معرّجة بالمتلقي على عوالم الشاعر،فتعكس بانسيابية وسلاسة ،طقوس الدلالة ،وتضاريس المعاني ،وانزياح العبارات ،وتتضوع بلغة ترميزية،ليس فقط يتعاطاها إبراهيم محمود ،بل يدمنها مثل هوشنك بروكا في جل نتاجاته ،ولولا هذه الخاصية ـ الملكة ،لاستعصى ،ربما ،على الترجمان ،أن يعمق كل هذا العمق ،ويفح ،من ثم ،لقارئ العربية ،بمقذوفات قلب الشاعر الكردي وحممه المشفَّرة.
بروكا ورواية “غريبو”:”الأعمال”ليست مجرد قصائد، بل حكاية أوتكاد تكون رواية ،ويعزز ذلك إقرار سطره الشاعرعينه،بخط يده في أعلى الصفحة الأولى، من نسختي الهدية :”العالم حكاية، الله حكاية، الانسان حكاية،…،نولد في الحكاية،نعيش في الحكاية ونموت في الحكاية.”. لكن حكاية،أو قل رواية مَنْ ؟!.لاشك ان المكونات(المواد)،التي تشكل”الأعمال”،تتباين في محتواها والمضامين،وتتباعد أزمنة كتابتها والإلهام الشعري أو تتقارب ،وتختلف كذلك الأغراض والرؤى والأفكار والمقاصد ،أو تتشابه ،لكن “غريبو”يطفح وحده ؛إن قصدا أم لا شعوريا ،عائما على الأجواء قاطبة؛ بمعنى ان صرخات بروكا الشعرية هذه، دوت لا تلمح كلا وبعضا ،إلّا إلى حكاية ؛أي رواية، لكن ملغزة وشفرتها الكبرى،أو قاسمها المشترك هو”غريبو”.فمن يكون “غريبو”هذا؟.على الرغم من التصريح المباشر،وفي أكثر من موقع بهذه المفردة،ومع محاولاته البلاغية في التواري، لم يتسنَ للشاعر أن يتَتَرَّسَ بالأقنعة ،لاسيما وان “غريبو” انبرى ينقلب بكليته، ويشهد على الانتحالات، ثم يميط اللثام عن ظروف مراوغة، ك”دياري فلكي “مثلا ،التي جازف شاعرنا يناور،متوسلا بل مستهدفا البلوغ بها،إلى خلط أوراقه ،مستفيدا من تداعيات اغترابية ـ إنسانية، بأوراق “ميرمح”* ،والاستحواذ ،من ثم، على معنى قدسي ،يومض به مسمّى “غريبو”لذهن الايزيدي .بروكا الذي لاح ،وهو يفرّج عن واقع قهري، وقدر اغترابي ايزيدي ـ كردي جمعي، آثر أن يحبك بمنول من إبهام ،نسيج عمارته الشعرية، فتماهى؛أو قل توارى متعمدا، في كثيرمن وجوه سرديته هذه ،وراء معطيات أسطورية، لاتدلل في حقيقتها إلّا على “غريبو”؛ “مِيرْمِح”،ذلك اليافع الذي هب،وفق الميثولوجيا الايزيدية، يجوب الكون (الأكوان)،مفتشا عمّا يمكن أن يخلِّد عمره حيا.الشاعر بروكا،المقهور من هول اغترابه ،لم تمكنه حيله البلاغية،من أن يكمن لمتلقيه، كما لم تسعفه مكابراته على الجراح الجمعية والفردية، حتى ارتعد يعترف:”كنت تبقى غريبا غريبا باستمرار: جهة غريبة ،/وطنا غريبا،/ترابا غريبا،/شتاتا غريبا،/دما غريبا،/اربعاء غريبا ،/صلاة غريبة،/الها غريبا/… …/ وعاشقا غـر يــبـاً”.
بروكا بين عقدة”بنخت”و”سرخت”ولغز غريبو: بروكا، وهويخصِّب شعرية وجعه ،عن معايشات مضنية :”في بدايتك/بدايات مدماة/المكان …/في وحدته/مقطّع،/والزمن …/يركض/صوب النهاية/على النعش.”.لايفوتنه أن يطلق لهب صريخه،على أديم فضاءات متنمرة ،هتّاكا به كل عبث قصدي ،حيال الواقع والتاريخ والمكان ،والحياة والإنسان والحب وحتى الله ،مستفيقا ،من ثم ،من غفوةٍ “لامنتميا”،مثل” كُوْچَّك لالشي”،مغتربا كذاته التي تحولت، وهو في عقر”بنخت”ه،إلى طائر حبيس، يلهث كما “غريبو”؛ “ميرمح “،وراء سراب أو رؤى مكابِرة ،لكن من شقاء :”في جيوبك/كان وطن/قد دوَّن أسطورة/من لهاث/ولم تعترف/ولو مرّة واحدة/على أشفاقك المغمومة،/حيث هيأت نفسها/لألمك.”.أقدار مشابهة لأقدار”ميرمح” ،سهلت لبروكا أن يودع “وطنا غريبا “،إلى منفى قسري،أقل اغترابا وأكثر إيلاما، من شرخ عمقته بعبعة”خط القطار العثماني”،الذي فصم كمنشار،من تعسفه أرض الآباء والأجداد،إلى ما أصطلح عليه، ب”ماتحت الخط”؛أي”بنخت”وأُلحقت بسوريا :و”ما فوق الخط”؛أي”سرخت”وانفردت به تركيا :”مذ سالت مشاغبات “الخط”،/صوب عشقك،/وتعلمت ،/كيف تقطف الموت من آفاقها،/وتخدع وسع المغيب،/احلامك البيضاء.”.واضح ان صدمة “الخط “و”الحدود”،وما بعدها من تداعيات مزلزلة ،أفرزتها “سرخت”و”بنخت”،أرهقت بروكا ،وعموم كرده وايزيدييه المكتئبين ،بتراكمات نفسية جمعية، غير حميدة، وأكرهت/ه /هم ،على تلّبس “غريبو” والسؤال الملِّح: أليس “غريبو” كذلك بعقدة؟.
* ـ “غريبو” لقب اطلق في الميثولوجيا الايزيدية على فتى اسمه “ميرمح”الذي تغرّب (أغترب) بحثا عن حياة مخلّدة في هذه الدنيا .

للكلام تتمة
النهار:
https://www.annahar.com/arabic/section/237-%D8%AD%D8%B1%D8%B1-%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%83/11032022062422497

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular