3- وفي البعد الإيراني:
لا نتوقع أن تتجرأ إسرائيل في استخدام الأداة الكوردية ضدها، لكن في حال التعنت الإيراني مع أمريكا، من الممكن أن تستخدمها أمريكا، علماً أن النظام الإيراني أكثر حذقا، وقد نوه إلى ذلك بعض سياسييها، إلى حد الخوف من احتمالية تقسيم إيران وتركيا، لذا لم تقف مع روسيا في هيئة الأمم، وقد كانت خطوة سياسية ناجحة لمصالحها، فقد وضعت بالاعتبار احتمالين: الموافقة الأمريكية على بعض من شروطها في جنيف، بعدما تم إبعاد روسيا من المعادلة، تحت شروط الحظر الاقتصادي المفروض عليها حديثاُ. وإمكانية تحجيم تأثير إسرائيل على مواقف روسيا وأمريكا منها، وإبقائها مرعوبة من التمدد الإيراني.
وبالتالي فإن مصير القضية الكوردية في إيران لن تكون خارج معادلة الإهمال شبه المطلق في الساحات الدولية، كالتي تمتعت بها وعلى مدى نصف القرن الماضي، خاصة منذ انتهاء حربها مع العراق، ورغم كل الضغوطات الدولية والحصار الاقتصادي لم تقم أمريكا ولا أوروبا على تفعيل الأداة الكوردية، لا سياسيا ولا عسكريا، ولا يعني هذا أن الداخل الإيراني المتكون من عدة قوميات، ولغات، سوف لن تتأثر بالحرب الأوروبية خاصة فيما لو استمرت أو توسعت.
والسؤال: هل ستكون الأداة الكوردية كتجربة جمهورية مهاباد؟ أم ستكون أعمق، وإن كان هل ستصعد من دور دول الخليج أمام مصالح الدول الأوروبية وأمريكا؟ وفي الحالتين المعادلة الكوردية وهي فيما عليه من الضعف والتشتت، ستكون مهمشة، مقابل خباثة قيادة إيران السياسية والدبلوماسية وقوة أدواتها، إلا إذا تمكنت من تقوية العامل الداخلي.
4- قادم الإقليم الفيدرالي الكردستاني:
ولربما في حال تم الاتفاق على بنود في جنيف بين إيران وأمريكا وأوروبا، رغم جمودها حاليا، ستكون لها تبعاتها السلبية على قادم الإقليم الفيدرالي الكوردستاني، ولا يستبعد أن تزيد بغداد والمكون الشيعي من هيمنتهم، كالحد من تصديرها للنفط على سبيل المثال، وإلغاء المادة 140 كليا، وغيرها من الخطوات لإضعافها كإقليم فيدرالي، وإعادتها إلى نظام مشابه لنظام المحافظات، وعن طريقهم سيتم تحجيم دور الكورد ضمن جغرافية إيران ذاتها، علما أن هذه الجدلية فيها بعض الصعوبة من البعد الدولي، لكون النظام الفيدرالي معترف به في هيئة الأمم، لكن من جهة أخرى شاهدنا كيف أن قرارات هذه الهيئة تتغير تحت الضغوطات الدولية.
وبالتالي يتوجب على حكومة الإقليم لمواجهة القادم، تنقية الداخل الكوردستاني وتقويتها، في البعدين الإداري والاقتصادي، وإعادة بناء العلاقات الداخلية، وفتح الأبواب مع كل القوى الكوردية والكوردستانية، وتحجيم دور القوى الإسلامية التكفيرية المدعومة من الخارج، والمتصاعد ضمن الإقليم إلى درجة التأثير على العامل القومي، وثقافة المجتمع الكوردي، أي أن تستند على الذات الكوردستانية لإقناع القوى الكبرى وخاصة أمريكا، بأنها بالإمكان إدارة ذاتها كدولة ديمقراطية عصرية، ولها القدرة في الحفاظ على مصالحها ضمن المنطقة.
5- وبالتأكيد، غرب كوردستان:
ومصيرها، مدرجة ضمن المعادلات الدولية هذه، وخاصة بين روسيا وأمريكا، اللتين كانا على أتفاق ما، بتوزيع الملفات السورية فيما بينهم، حتى قبل الحرب الجارية، ورغم استمرارية تبادل المعلومات العسكرية بينهما، إلا أن قادمها ومصير سوريا، والطموح الروسي بالسيطرة على جغرافيتها وخيراتها النفطية ستتصاعد خاصة بعدما يتزايد نزيفها الاقتصادي مع تضييق الحصار وتفاقم مصاريف الحرب في أوكرانيا، وما يجري في هذه الأيام على احتمالية خروج قرار من لإدارة البيت الأبيض على أن غرب كوردستان وقوات قسد لا تشملهم حصار قيصر، وستستمر تقديم المساعدات اللوجستية لهم لتحسين البنية التحتية، وقد كانت هذه أول رسالة موجهة إلى روسيا وتركيا معاُ.
ولكن كما نلاحظ ومنذ عام 2019م أن شرق الفرات، بل وربما عفرين من بين مخططات روسيا القادمة للسيطرة على كلية سوريا، فإما بإقناع قسد والإدارة الذاتية في فتح الحوارات مع النظام، وبالمقابل سيتم الاعتراف بها كمنطقة، كما يقدمونها، إدارة ذاتية تابعة للسلطة المركزية، خاصة وأن مؤسسات السلطة بكل فروعها العسكرية والإدارية والاقتصادية موجودة، فقط ستحتاج إلى ضمانة روسية.
لكن ستكون بهذه الخطوة قد أدرجت المنطقة ضمن الجغرافيات التي سيتم فيها استنزاف قوتها من قبل أمريكا وحلفائها، وقد تشترك فيها تركيا، للحفاظ على طموحاتها في شمال سوريا، بعدما أصبحت بعض من مناطق عفرين وإدلب تدار كمقاطعة تركية تحت اسم المعارضة.
لكن هل ستستمر تركيا في مواجهة أمريكا من خلال ضرب أداتها؟ دون أن تفكر في احتمالية أنتشار وباء التقسيم الأوكراني إلى أراضيها، إن كانت عن طريق روسيا أو أمريكا. وإلى أي مدى ستستمر في مسيرة التوازن بين الطرفين؟
6- الحلول الممكنة:
أمام الإدارة الذاتية ومعها الحراك الكوردي عامة، لإنقاذ ذاتها من التهميش أو الزوال، هي:
1- طرح النظام الفيدرالي ضمن سوريا الفيدرالية اللا مركزية، وتحديد جغرافية المنطقة الكوردية الممتدة من دجلة إلى عفرين دون انقطاع، بها ستكون قد فرضت ذاتها على روسيا والنظام والمعارضة وتركيا معاً، ووضعتهم في مواجهة مباشرة مع أمريكا وأوروبا، لأنها ستحصل على الدعم الأمريكي، والمتوقع أنها لن تغادر المنطقة، ما دام الصراع مستمرا في أوروبا، وما كان يتم الحديث فيه حول سحبها لقواتها من الشرق الأوسط أصبحت جدلية مشكوكة فيها ضمن الأروقة السياسة الأمريكية، ومن قبل الحزبين معاً.
2- فتح كل الأبواب الممكنة مع حكومة الإقليم الفيدرالي الكوردستاني، ومن ثم قبول معظم أطراف الحراك الكوردي في غرب كوردستان، كالعمل ضمن الإدارة إلى حرية العمل السياسي والثقافي، بغض النظر عن الخلافات الإيديولوجية والحزبية.
3- يجب تجاوز مفهوم المواطنة، وحقوق الكورد ضمن الدستور، فمثل هذه الطروحات والتلاعب بالمصطلحات، في الشرق الغارق في العنصرية، ستظل مطالب طوباوية، وبنود دستورية دون فعل، أي عمليا تحت سقف نظام فضفاض سيصبح الكورد أقلية مهمشة في مناطقهم، بعدما كانوا أقلية ضمن سوريا.
7-الممكن في ظل الصراع على المصالح:
نتناسى أو لا يدرك معظمنا، أن الدول، أصدقاء وأعداء في نفس الزمن وعلى ساحات مختلفة، والتي تشوبها التناقضات غير المفهومة لدينا، كالعلاقات الروسية التركية، الأوروبية الروسية، والروسية الأمريكية؛ ما بين إدارتي ترمب وبايدن، وعلاقاتهما مع دول الشرق الأوسط، والأمريكية مع معظم دول العالم، والتي تتعامل مع الجميع من منطق الإمبراطورية، ومثلها الموقف الصيني من الصراع الدائر بين أوروبا وروسيا، واحتمالات ظهور أقطاب في العالم وليس قطبين كما في زمن الحرب الباردة الماضية.
فلماذا لا تعي وتتعلم أطراف الحراك الكوردي والكوردستاني، والإدارات الكوردية، شيء من هذه المنطق، والجدلية السياسية؟ والتي بدونها قضيتنا والإدارتين ستظل أمامهما مصير مظلم مرعب.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
10/3/2022م