في وقت أثار غزو روسيا لأوكرانيا صدمة حول العالم، كان لافتا أن بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في دول بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا احتفى بشن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حربا على الدولة المجاورة لبلاده في اعتداء واضح على دولة ذات سيادة وفق القانون الدولي، وهو ما رده محللون لأسباب من بينها التعلق بـ”الولاءات” والإيمان “بنظريات المؤامرة”.
وتظهر منشورات على مواقع التواصل وبعض من وسائل إعلامية عربية، قدرا كبيرا من التعاطف مع روسيا ورئيسها، ويشيرون إلى فكرة أن موسكو تتحدى الغرب.
#من_القاهرة
أتمنى أن تعلم أننا في مصر نحبك ونحترمك ونقدرك 💝🇪🇬🇷🇺 #القيصر pic.twitter.com/lHTi2JSVCI— 🇪🇬❤🇪🇬Nany Shehab🇸🇦💚🇸🇦 (@ShehabNany) March 12, 2022
ويرى حسن منيمنة، مدير مؤسسة بدائل الشرق الأوسط الأستاذ في معهد الشرق الأوسط، أن شعوب المنطقة لا تنطلق من هذا الموقف من “تقييم موضوعي للواقع ولكن اعتبارا من ولاءات”.
ويوضح، في تصريحات لموقع “الحرة”، أنه “لو نظرنا إلى الحرب على أوكرانيا من الناحية الأخلاقية فهي دولة تم الاعتداء عليها، وهو أمر يعني الوقوف تلقائيا ضد الطرف المعتدى عليه”، لكن ما حدث هو العكس عند البعض.
ويوضح أن “روسيا كانت مؤيدة للقضية الفلسطينية في زمن قديم، ولكن ذكرى هذا الزمن لاتزال باقية، أما الغرب فكان أقل تأييدا وفي الحالة الأميركية، كان مؤيدا لإسرائيل لذلك يميل هؤلاء إلى معاداة من يقف معه الغرب”.
ويقول بول دو كوينوي، أستاذ التاريخ المشارك بالجامعة الأميركية في بيروت، في مقال قديم منشور على موقع مركز ويلسون الأميركي، إن منشورات الحقبة السوفييتية كانت “تبرز فكرة أن لروسيا دائما ما علاقة طويلة الأمد مع شعوب هذا الجزء من العالم، وأنها تأتي هناك كفاعل خير، وصديق، وطرف يمكن الاعتماد عليه في الأزمات”.
ويشير إلى أن الحكومات الروسية تعاملت مع الشرق الأوسط سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وكان لديها هاجس رئيسي هو الحفاظ عل سعر النفط مرتفعا باعتبار أنه أحد سلع التصدير الرئيسية لديها، بالإضافة إلى تصدير السلاح في صفقات تعود أرباحها على الحكومة الروسية مباشرة.
ماذا كان سيحدث لو لم يكن الرئيس الاوكراني #يهودي ؟
هل كنا سنرى نفس الهجمة الشرسة على وسيا ونفس كومة المليارات والمساعدات لاوكرانيا؟
( انه يستخدم يهوديته أداة إضافية لحشد الدعم العالمي لصالح أوكرانيا ) pic.twitter.com/pHxBvc9gwT— taleb faysel (@Roterdame) March 11, 2022
ويؤكد الكاتب والصحفي اللبناني، حازم الأمين، لموقع الحرة، أن قطاعا كبيرا ينظر إلى بوتين على أنه امتداد لتحالف في الشرق الأوسط ضد الغرب، يمتد من العراق وسوريا ولبنان، وهذا الأمر تم تغذيته بشدة في وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت بواسطة جيوش إلكترونية.
الكاتب والباحث السعودي، محمد المحمود، كتب في مقال رأي على موقع الحرة، أن من وصفهم بـ”ذوي التوجهات الضدّية صرفوا أنظارهم عن كل إحداثيات هذه الكارثة (حرب أوكرانيا) واستهانوا بكل أخطارها، وأخذوا في التنفيس عن مكنون نفسي مأزوم تجاه الغرب”.
ويشير إلى أن هذا المكون النفسي تحول “إلى عُقدة نفسية جمعية تجاه الغرب، فالغرب/ الآخر أصبح ـ في نظرهم، الجحيم، والجحيم هو الغرب”، و” كثيرا ما يُعبّرون عن ذلك في سياق التقابل مع نموذج آخر، مع نموذج بائس (روسيا)، وكأن هذا النموذج البائس هو البديل الأمثل عن النموذج الغربي”.
ويشير إلى أنه على امتداد القرن العشرين “كان الضدّيّون يُقَدّمون المعسكر الشيوعي/ الاشتراكي كبديل للغرب، وهم اليوم على الطريق نفسه، يعيبون الغرب ويشتمونه لحساب روسيا، وربما لحساب الصين”.
ويضيف أنهم “لايزالون يعيشون على إرث مكافحة الاستعمار وإيديولوجيا حركات النضال والتحرر الوطني التي أصبحت “مرجعية وجدانية وثقافية، واعية وغير واعية، للضدّيين جميعا، حتى إن بعضهم يشتمون الغرب ويعيبونه على نحو تلقائي/ عفوي، ولو سألتهم: لماذا؟ لكان جوابهم: لأنه الغرب! هكذا، مصادرة على المطلوب”.
وقال إنهم أخذوا تصريحات إعلامية من هناك أو هناك للنظر إلى أن “الغرب/ كل الغرب عنصري، وأنه ـ بالضرورة ـ كَارِهٌ مُعَادٍ لغير الأوربيين” بينما تركوا “كل حضارة الغرب وتركوا كلَّ واقع الغرب الإنساني الذي استضاف عشرات الملايين من العرب، ومن الشرق أوسطيين حتى وصل كثير منهم إلى مناصب ومراكز لا يحلمون بها”.
ويشير إلى أن هذا التسامح مع التجربة الشرقية/ الروسية يأتي رغم أنه لا توجد آثار لها “لحضارة بحق، بل لا وجود لمهارة واحدة، ولا لإبداع واحد معتبر، ولا لشيء ذي قيمة. لا شيء قدّمه الروسُ للبشرية سوى الأدب الروائي الروسي الذي تَكمُن فرادته في كونه يصف بؤس وتعقيد وتأزم النفس الروسية”.
وينتقد فكرة المراهنة على روسيا والصين لإيجاد نظام بديل للغرب، مشيرا إلى أنهم “يجهلون أو يتجاهلون أن البشرية الآن ـ وفي المدى المنظور لثلاثة أو أربعة أجيال ـ ليس أمامها إلا حضارة إنسانية واحدة، فالبشرية اليوم أمام عالم غربي لا يُقابله شيء ذو قيمة حضارية وإنسانية”.
وتميل العديد من الكتابات على مواعق التواصل إلى فكرة تأييد روسيا لأن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، يهودي وصديق لإسرائيل.
لكن الكاتب والصحفي اللبناني، حازم الأمين، قال في تصريح لموقع الحرة إن هذا الأمر “غير واقعي” لأن بوتين “حليف قوي لإسرائيل، ويرعى غاراتها على مواقع الحرس الثوري وجيش النظام في سوريا لكن هذا لا يهمهم، وما يهمهم هو انتصار بوتين لأنه نصر لهم”.
ويتساءل الأمين، في مقال له على موقع الحرة، “لماذا هم خلفه (بوتين) على رغم المودة التي تربطه بالقيادة الإسرائيلية؟”، وتساءل أيضا ” “زيلينيسكي صديق لإسرائيل، لكن ماذا عن بوتين؟”، مشيرا إلى أن اجتماع بوتين برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيت نفتالي، في موسكو ترافق مع غارة إسرائيلية على دمشق.
ويتفق منيمنة على أن العلاقات الروسية الإسرائيلية “متينة للغاية، وروسيا هي ضابط الإيقاع في الشأن السوري وتسمح لإسرائيل بالضربات المتكررة في سوريا”.
ويوضح أن “يهودية زيلينيسكي (إشكالية) عربية وهو يتخذ مواقفه انطلاقا من أوكرانيته وليس يهوديته، وإذا استدعاها فإنه يستدعي جانبها الأخلاقي”.
ويصف المنطق الذي يحكم به بعض شعوب المنطقة بأنه “غير اخلاقي” لأنه يقيس الأمور انطلاقا من اعتبارات “ولائية وليس مبدئية”. ويضيف: “هو مقياس ينم على القصور لأنه لا يستطيع التمييز”.
ويشير أيضا إلى فكرة “الرهبة والهيبة من القوة الغاشمة، وليس رفضها” فهناك التصاق بين هذه الفكرة والرجولة لدى البعض”، و”كلما زداد بوتين بأسا في حربه كلما ازادت نظرة الإعجاب به”.
ويقول الأمين، في مقاله، إن “فيهم ما يخاطب انحيازهم للظالم والمعتدي… في انحيازهم إليه إعجاب بأقرانه ونماذجه في المشرق”.
الباحثة السياسية في معهد واشنطن، آنا بورشفسكايا، تميل إلى فكرة أن معظم شعوب منطقة الشرق الأوسط يديرها حكام مشابهون جدا لبوتين، يحافظون على سلطتهم من خلال التحكم في المعلومات.
وتشير بورشفسكايا إلى انتشار نظريات المؤامرة “فالكثير في الشرق الأوسط ببساطة لا يعرفون روسيا جيدا، ويميلون بالفعل إلى تصور مصادر الإعلام الغربية على أنها خاضعة لعمل وكالات الاستخبارات”.
وتقول لموقع الحرة: “نظريات المؤامرة متوحشة في الشرق الأوسط. ومن الأسهل على رواية الكرملين أن تكتسب المزيد من الزخم في هذه البيئة، فمن الأسهل على جمهور الشرق الأوسط تصديق ما يقوله الكرملين”.
المواقف الرسمية.. أحيانا
وتحت عنوان “الحنين والكلاشينكوف: لماذا تحظى روسيا ببعض التعاطف في أفريقيا والشرق الأوسط؟”، شرحت مجلة إيكونوميست الأميركية بعض الأسباب التي تقف وراء إحجام بعض دول الشرق الأوسط عن اتخاذ مواقف تنسجم مع المواقف الغربية ضد موسكو، خاصة في مصر والسعودية والإمارات.
وكانت الإمارات قد امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن الدولي في 25 فبراير ضد الغزو، وجاء بيان جامعة الدول العربية بعد ثلاثة أيام لم يذكر حتى اسم روسيا، وفق التقرير.
وتقول إن مصر ودول الخليج يرون أن هذه ليست حربهم، وليس لديهم تحالفات رسمية مع أي من الجانبين.
ويعزو التقرير هذا إلى ثلاثة أسباب أسباب، أولها النفط، فهناك حرص من جانب دول الخليج على تحالف “أوبك بلاس” مع روسيا.
والعامل الثاني مسألة شراء الأسلحة، وعلى سبيل المثال، رغم أن مصر ثاني أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأميركية في المنطقة، إلا أنها تسعى إلى تنويع مصادر الأسلحة، بما في ذلك شراء طائرات مقاتلة روسية.
وترى دول الخليج أن المظلة الأمنية الأميركية تعرضت لثغرات، وتأمل في أن البقاء على الحياد بشأن أوكرانيا سيرسل رسالة إلى واشنطن: “إذا لم نتمكن من الاعتماد عليك، فلا يمكنك الاعتماد علينا”.
ويوضح منيمنة لموقع الحرة أن دول الخليج ترى أن واشنطن تنسحب تدريجيا من المنطقة، “ولم تتمكن من الحفاظ على ثقة الشركاء بها والعلاقات معها متذبذبة”.
لكن في المقابل، فإن هذه الدول “تستسهل العلاقة مع الأنظمة السلطوية مثل روسيا والصين، بدلا من الغرب الذي يطالبها دائما بتحسين أوضاع حقوق الإنسان”.
ويشير المحلل والباحث الأميركي، ديفيد شينكر، في مقال على فورين بوليسي إلى أن “اللجوء إلى روسيا والصين للحصول على أسلحة أصبح اتجاها متزايدا في المنطقة”.
ويقول إن القاهرة تتجه لشراء طائرات مقاتلة روسية الصنع رغم احتمال تعرضها لعقوبات أميركية.
والإمارات، رغم الدعم الأميركي لها بعد هجمات الحوثيين، لديها شكوك بشأن مدى التزام واشنطن بتعهداتها، وأعلنت مؤخرا نيتها شراء طائرات صينية.
والسعودية التي ترى أن الإدارات الأميركية “متقلبة” تتعاون مع الصين في مجال الصواريخ الباليستية، ورفضت أيضا طلبات إدارة بايدن بزيادة إنتاج النفط للمساعدة في التخفيف من ارتفاع الأسعار العالمية.
كما أن دول الخليج تتحفظ على إبرام اتفاق نوي جديد يعيد “التجربة المريرة” لما حدث بعد اتفاق عام 2015، فالحرس الثوري لايزال منتشرا في جميع أنحاء الشرق الأوسط رغم الاتفاق.
في أفريقيا.. تأييد لافت لروسيا
ويشير تقرر إيكونوميست أيضا إلى مدى تأييد روسيا في قارة أفريقيا، مشيرا إلى أنه في عام 2019، استقبل بوتين 43 من القادة الأفارقة في القمة الروسية الأفريقية، وهو عدد كبير مقارنة بالعدد الذي تسقتطبه القمم الأوروبية الأفريقية.
وهذه العلاقات انعكست على تصويت دول القارة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن إدانة غزو أوكرانيا، حيث أيدت 28 دولة أفريقية من بين 54 دولة القرار وامتنعت ثمانية.
ويعكس هذا الموقف جزئيا العلاقات التاريخية بين روسيا والأحزاب الحاكمة، خاصة في البلدان التي تقع في جنوب القارة، فقد درس العديد من النخبة في المنطقة في الاتحاد السوفيتي، والبعض لديهم ذكريات جيدة هناك.
وأحزاب التحرير التي لا تزال تحكم أنغولا وموزمبيق وناميبيا وجنوب أفريقيا وزيمبابوي، رأت الاتحاد السوفيتي حليفا لها في معارك التحرر والاستقلال وتعتبر روسيا خليفة له.
ويسير هذا الحنين جنبا إلى جنب مع وجهات النظر الكامنة المعادية للغرب. ويشير موريثي موتيغا، من مجموعة الأزمات الدولية في مقابلة مع المجلة إلى “الاستياء” في القرن الأفريقي من “الطريقة التي تتصرف بها الولايات المتحدة أحادية القطب”.
لكن السبب الرئيسي وفق التقرير هو المصالح الذاتية، وينطبق هذا بشكل أساسي على البلدان التي تعتمد على مرتزقة مجموعة “فاغنر” الروسية، الذين يوفرون الحماية لنظام الرئيس، فوستين أرشانغ تواديرا، في أفريقيا الوسطى من السقوط، وينتشرون في مالي.
كما أن روسيا أكبر مصدر للأسلحة إلى أفريقيا، والآن وبعد العقوبات، فقد ترغب في مضاعفة أنشطتها في القارة.