مناسبة هذه التدوينة هي أني أبحث عن أرقام لحجم الإنفاق الانتخابي في لبنان، وأنا غير قادر على معرفة رقم دقيق، لاعتبارات عديدة، ولكن التقديرات والمُعطيات التقريبية تؤكد إننا أمام رقم يكفي لإنشاء مدن رياضية أو معمل كهربائي أو تنفيذ مشروع إنمائي يرفع الحرمان عن شريحة لا يُستهان بها من الشعب.
يتناقل مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي قصة منسوبة لأسطورة كرة القدم الأرجنتيني دييغو مارادونا الذي كان يزور يوماً رمزاً دينياً في مقره. وبدأ الأخير يحدثه عن ضرورة مساعدة الفقراء وحاجة المؤسسة الدينية للمال، فنظر مارادونا إلى سقف الغرفة المرصّع بالذهب، ثم قال “تباً.. بيعوا السقف!”.
لا أعلم مدى دقّة هذه القصة المتداولة، ولكن ما يهمني منها هو الفكرة.
تحوّل بلدي لبنان في الشهرين الأخيرين إلى غابة من اللوحات الإعلانية للمرشّحين إلى الانتخابات النيابية، في ظلّ فوضى عارمة في ضبط الإنفاق الانتخابي بسبب حدّة الاصطفافات السياسية داخل الدولة وعدم وجود أجهزة رقابية تمتلك سلطة محاسبة، فضلاً عن غياب القوانين الحديثة القادرة على مواكبة استحقاق خطير كالانتخابات في بلد مهدّد جدياً بالإفلاس والانهيار.
وباستطاعة أي زائر للبنان أن يستمتع بالأفكار الخلاّقة للمرشّحين في انتقاء شعاراتهم الانتخابية، بعد أن تمّ استحضار كل القديسين والأولياء والذات الإلهية والتاريخ والجغرافيا والفلسفة، وتمّ خلط المزيج ضمن وعاء فارغ تماماً من أي معنى يدل على أن المرشّحين يتنافسون على انتخابات نيابية، بل يمكن لأي مراقب أن يلحظ أن الشعارات المستخدمة مستوحاة من عقل واحد! عقل غارق في العصبية أو التكرار الإنشائي..
وإذا كنت محظوظاً مثلي فقد تصادفك دوماً شعارات الدراما والإبتزاز العاطفي التي تُشعرك أنك تقف أمام متسوّلين، لا مرشحين لخدمة الشعب.
ولا يظننّ أحد أني ضدّ الانتخابات والحملات الانتخابية. بالعكس تماماً، فأنا مع أن يهرول المرشّحون والنواب للحصول على رضا الناخبين، ومع أن يذوقوا شعور الحاجة إلى الشعب ولو لمرة، وإن كان ما سيجنيه هؤلاء المرشّحون لاحقاً عند وصولهم إلى المجلس النيابي لا يُقارن بـ”ذل” أيام معدودات قبل الانتخابات.
لكن ما يزعجني في الأمر برمّته هو الفوضى البصرية التي تسبّبها صوَر المرشّحين في الشارع وعلى السوشل ميديا، خصوصاً وإننا كلبنانيين مرهفي الإحساس، ونحن معتادون – ما شاء الله – على المشاهد الحضارية كيفما التفتنا.
وهنا أستحضر تجربة لأشقائنا المصريين في العام 2012.
فقد تحوّلت حملة مرشّح حركة “الإخوان المسلمين” آنذاك المهندس خيرت الشاطر إلى موضوع الساعة، بعد أن ملأت صوَره الشوارع. ولم يترك الإخوان مساحة على حائط أو مستوعب أو خلفيّة سيارة “تاكسي” إلا ووضعوا صورة الشاطر عليها، قبل أن يتم استبعاده من قِبَل اللجنة العليا للانتخابات بدعوى عدم توافر الشروط.
وبعد هذا الجهد كله، اضطرت الحركة إلى ترشيح محمّد مرسي بديلاً عن الشاطر.
وتوفيراً للمال والجهد، أقترح بعض الناشطين إبقاء صوَر الشاطر والقيام بـ Tag عليها لمحمّد مرسي!
مناسبة هذه التدوينة هي أني أبحث عن أرقام لحجم الإنفاق الانتخابي في لبنان، وأنا غير قادر على معرفة رقم دقيق، لاعتبارات عديدة، ولكن التقديرات والمُعطيات التقريبية تؤكد إننا أمام رقم يكفي لإنشاء مدن رياضية أو معمل كهربائي أو تنفيذ مشروع إنمائي يرفع الحرمان عن شريحة لا يُستهان بها من الشعب.
وأمام هذا الواقع أجدني مضطراً لضمّ صوتي إلى صوت الكبير مارادونا واقتراح حل عملي على دولتنا الكريمة بدل استجداء المال في المؤتمرات العالمية: “تباً..بيعوا اللوحات الانتخابية”!.