.
عاش العالم منذ فجر 24 شباط 2022 في اجواء افلام هوليوديه امريكيه بطلها الرئيس الامريكي بايدن، يصلح عنوان لها ما قاله جوزيف غوبلز: كلما كبرت الكذبة سهل تصديقها، افتتحت هذه الافلام باعلان الرئيس بايدن والبنتاغون الامريكي عن ساعة الصفر للعملية العسكرية الروسية على اثر اعلان الرئيس بوتين استقلال اقليم الدونباس بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك فتحدثوا تارة عن 96 ساعة وتارة اخرى 16 شباط وثالثة 20 شباط وانتهاء الاولمبياد الشتوي الصيني، واشاعوا بان العملية ستكون حرب خاطفة وسريعة وتستهدف العاصمة كييف واسقاط الحكم القائم، وهذا يعني استخدام الاسلوب العسكري المعروف ب ( التجاوز Bypass) اي ان يقوم الجيش الروسي بخرق سريع نحو كييف ويتجاوز كل المدن والمواقع العسكرية ويتركها خلفه، وهذه ربما كانت الرغبة الامريكية ان يفعلها الجيش الروسي ال ( Bypass) لاسباب عديدة، في مقدمتها تعريض الجيش الروسي للخطر وعدم تامين طرق مواصلاته وامداداته واضعاف قدراته الدفاعية، اضافة الى ان هذا الاسلوب اذا ما استخدم سيؤدي حتما الى وقوع خسائر كبيرة في المدنيين لانه سيعتمد القصف التدميري السجادي او الارض المحروقه. القيادة الروسية من جانبها لم تخف توجهها في استخدام القوة العسكرية وحشدت جيشها على الحدود مع اوكرانيا في وضح النهار وحذرت اوكرانيا وداعميها الاوروبيين وامريكا من عواقب ادارة الظهر لمطالبها خاصة الضمانات الامنيه وحيادية اوكرانيا وعدم انضمامها لحلف الناتو لانها اي اوكرانيا لو فعلت وانضمت لحلف الناتو فان القتال سيكون على ارض روسيا وحول موسكو من قبل جيوش الناتو مدعومة من امريكا بذريعة اوكرانيا، لكن القيادة الروسية لم تتطرق لحرب خاطفة وسريعة وليس من المعقول ذلك لا سيما وان مساحة اوكرانيا 548, 603 كم مربع، وعدد سكانها 44 مليون نسمة، ومساحة كييف لوحدها 839 كم، وعدد سكانها مليونين وثمانماية الف نسمة، كما ان المسافات بين المدن شاسعة وممتدة. وبدأت الحرب الاستباقية الامريكية الغربية بحرب نفسية دعائية وحرب الشائعات والمعلومات المغلوطة الموجهة التي تخدم توجهاتهم تستهدف تدمير القدرات الروسية، رافق ذلك حملة تحريض عالمية ضد روسيا والرئيس بوتين ونعته باوصاف استفزازية تمهيدا لعزلهم، وعززوا ذلك بالفيديوهات والصور المركبة وتحليلات منمقة وهي ذاتها التي استخدموها في كل حروبهم في المنطقة، ولا تنطلي على العارفين ببواطن الامور.
اي متابع للازمة الاوكرانية يدرك تماما ان الرئيس بوتين (وهو صاحب تجربة ميدانية ومعرفة لخصمه الامريكي والاوروبي) وقيادته قد اعدوا العدة ومنذ اتفاقية منسك لعام 2014 لهذه الايام ودرسوا مع قيادات الجيش الروسي كل الاحتمالات واجروا الحسابات بتفاصيلها كافة وخسائرها المحتملة، ووضعوا السيناريوهات والخطط العسكرية والاقتصادية في مقدمتها السيناريو الاخطر، ومع ان احدا من الجيش الروسي لم يتطرق لحرب خاطفة او سريعة او حتى ذكر توقيتات لها الا انه وتبعا للمعلومات المضللة الامريكية بدأ الناس ينظرون لساعاتهم منذ اللحظات الاولى ويراقبون دخول الجيش الروسي الى كييف، حتى ان الرئيس الاوكراني والمفترض انه يعتمد على معلومات استخباراته الميدانية وقع في فخ الامريكي حيث صرح اكثر من مرة ان ليلة كييف ستكون صعبة، تبع ذلك عرضهم على الرئيس الاوكراني تأمين خروج آمن له من كييف ورفض، استغل بايدن والاعلام الامريكي هذه اللحظه وبدأوا في تنفيذ المرحلة الثانية من حربهم النفسية والدعائية وبث الاشاعات بالقول ان التأخير ناجم عن مقاومة الجيش الاوكراني ومشاكل وصعوبات لوجستية وخسائر في الجيش الروسي وذلك لاستفزاز روسيا ودفعها لتكثيف القصف وايقاع الخسائر الكبيرة بين المدنيين وادانتها بارتكاب مجازر، وهذا كله يصب لصالح امريكا لمزيد من الاحتواء والهيمنة ليس فقط على اوكرانيا بل على الاتحاد الاروبي وحلف الناتو.
انقسم العالم بين مؤيد لروسيا وله اسبابه ومعارض لها وله اسبابه، لكن ما يجمع عليه معظم الناس ان الرئيس الاوكراني غرر به ودفع لهذه الحرب من قبل امريكا وبعض الدول الاوروبية وترك في الميدان وحيدا وقالها بنفسه دفعتوني وشجعتوني على الحرب وتركتوني لوحدي، ولحفظ ماء الوجه امام شعوبهم والتغطية على تقاعسهم واعلانهم انهم لن يرسلوا جنودهم للقتال في اوكرانيا قاموا باشهار العداء وشن الحملات المضادة وتنفيذ الاجراءات العقابية واصدروا الاحكام الصارمة ضد روسيا وما زالوا يهددون ويتوعدون بالمزيد، ويدعمون اوكرانيا معنويا وماليا ويحاولون تزويدها بالمعدات القتالية، لكن معظمهم ولو اخفى ذلك يستشعر الخطر ويتوقع الضرر على بلاده كما هي على روسيا.
ومع احراز تقدم في سير العمليات القتالية رفع الروس سقف مطالبهم واعلنوا عن اهداف اضافية لا تقتصر على الضمانات الامنية واخواتها، جاءت على لسان لافروف وزير خارجة روسيا حيث قال حان الوقت لسحب السلاح النووي الامريكي من اوروبا وعلى الغرب ان لا يقيم قواعد عسكرية في دول الاتحاد السوفياتي سابقا، وعزز الرئيس بوتين هذا الطلب بوضع قوات الصواريخ الاستراتيجية واسطول شمال الهادئ والطائرات طويلة المدى في حالة تأهب قصوى، اضافة الى اعطاءه التعليمات لوزير الدفاع ورئيس الاركان بوضع قوات الردع النووي في حالة تأهب، بالمقابل استنفرت جيوش الناتو وبدأت بتوسيع انتشارها وتعزيز مواقعها وعززت بريطانيا جبهة حلف شمال الاطلسي الشرقية بالسفن والقوات البرية ودبابات (تشالنجر 2) والمقاتلات واعلنت فرنسا وبلسان اعلامها انها وضعت الغواصات النووية الفرنسية بحالة تأهب قصوى، اضافة الى التنافس الاوروبي الامريكي في تزويد اوكرانيا بالاسلحة الفتاكة، وتضاعفت الحملات المضادة لروسيا، لذلك جاءت العملية العسكرية الروسية المدروسة بنمط المدحلة اوزحف السلحفاة لضمان ما اعلنت عنه القيادة الروسية انهم لا يريدون احتلال اوكرانيا ولا يريدون المس بالشعب الاوكراني واعلنوا غير مرة انهما شعب من اصول واحده وانهم يسعون لان تكون اوكرانيا الجارة الأمينة والآمنة اذا استجابت للمطالب الروسية بحسب تصريحات الرئيس بوتين واعضاء قيادته، والا ستكون القاعدة المتقدمة وخط الدفاع الاول في اي مواجهة للجيش الروسي مع الناتو وامريكا، وهو ما يجري حاليا على الارض وهو ما يملي على الجيش الروسي تنفيذ خطة عسكرية بعيدة المدى يسيطر من خلالها الجيش على قواعد ارتكازية متينة تشمل المواقع الاستراتيجية والحيوية في المدن ويؤمن طرق امداداته ومواصلاته وتواصله وبناء قواعد عسكرية صلبة تنطلق منها رؤوس الجسور وتنشأ المحاور القتالية كما جرى في جنوب اوكرانيا انطلاقا من مدينة اوديسا وجزيرة القرم والبحر الاسود وبحر آزوف امتدادا لاقليم الدونباس مرورا بخيرسون وخاركوف شرقا وشمال شرق يمسك من خلالها الجيش الروسي زمام المبادرة، ويعزز قدرته على السيطرة والقيادة، مع مشاغلة وتثبيت واستنزاف لمحاور اخرى، واضعا بحساباته الجهد الرئيسي في محور كييف من الشمال، وجاءت العملية العسكرية على مراحل :
المرحلة الاولى من العملية العسكرية بحشد القوات اللازمة (150 الف جندي بما يلزمهم من طائرات واسلحة اسناد) على الحدود ثم المرحلة الثانية بشل القدرات العسكرية والبنية العسكرية التحتية والدفاعات الجوية واستهداف مراكز السيطرة والقيادة من خلال القصف بالطائرات والمدفعية والصواريخ تبعها المرحلة الثالثة في السيطرة الجوية واحراز التفوق الجوي والمرحلة الرابعة بالتقدم وعزل وتطويق القوات العسكرية في المدن والحيلولة دون تواصلها مع بعض مثل سومي ودينبرو وابولون وغيرها والعمل من جهة اخرى على ربط بعض المدن ببعض لعزل المناطق وتوسيع مجال المناورة للجيش الروسي مثل خيرسون التي تم السيطرة عليها اليوم وخاركيف وماريوبول بل والسيطرة على 37 بلدة خارج خطوط التماس كانت تحت سيطرة اوكرانيا في دونباس ومدن اخرى ومفاعل شيرنوبل النووي والمرحلة الرابعة اعطاء فرصة للمفاوضات والحل الدبلوماسي بالتزامن مع الحشد اللازم للجهد الرئيسي من قوات ودبابات ومعدات قتالية وجنود باتجاه كييف من الشمال والشمال الغربي، والاعلان عن ممرات آمنة للمدنيين الذين يرغبون المغادرة، ودعما لذلك سيطر الجيش الروسي على مطار جوستوميل انتونوف قرب بلدة هوستوميل شمال غرب كييف ويبعد عنها 25 كم، بانتظار ما تسفر عنه المفاوضات في الجولة الثانية التالية، وبالتأكيد سيرافق هذه المفاوضات تصعيد ميداني من الاطراف كافة، خاصة من دول الاتحاد الاوروبي والناتو وامريكا حيث يشنون حروبا ضد روسيا بلا هواده وفي كل الميادين باستثناء ميدان القتال، واذا ما استمر هذا الحال فان الاوضاع مرشحة للتطور وربما تتدحرج الامور وتخرج عن السيطرة، تصريح الرئيس الامريكي بايدن الأخير يصب في هذا الاتجاه حيث قال: الرئيس الاوكراني وحده من يقرر البقاء او المغادرة وهذا عنوان للمرحلة القادمة، لانه يدرك حجم مقاومة الجيش الاوكراني الحقيقي في مسرح العمليات والخسائر التي لحقت به ويعرف المواقع والمدن التي اجبر على اخلائها، بغض النظر عن تدمير دبابات او اسقاط طائرات او اسر جنود هنا وهناك، فهذا امر طبيعي في الحروب تبعا لحجم القوات المتقاتلة، كما ان بايدن يدرك ما حققه الجيش الروسي من تقدم وانجازات ميدانية وحجم القدرات الروسية القتالية والتدميرية، وانها قادرة على حسم معركة كييف متى شاءت، وهو ما ادركه الرئيس الاوكراني زيلينسكي وبادر للاستغاثة بالدول الغربية وتحديدا يهود العالم للقتال معه واعلن عن تشكيل فيلق لنفس الغرض.
ما يجري الان لا يشبه ما سبقه، ولتاريخ 24 شباط 2022 وقع خاص وكثير من الاشياء والمعادلات ستتغير ….
جنرال امريكي قال: يستطيع الروس ضرب البنية التحتية الامريكية وليس الاوكرانية فقط، لذلك زادت امريكا من الرحلات الجوية لطائرات القيادة والسيطرة النووية بحسب ال CNN ، اما وزير الدفاع البريطاني فقد قال: صعب التنبؤ بما سيحدث !!!!
بقلم: واصف عريقات