أن يعقد الحزب الشيوعي العراقي مؤتمرا صحفيا لا تحضره وسائل أعلام الأحزاب الفاسدة ووسائل أعلام السلطة، هو شرف ما بعده شرف لعميد الأحزاب السياسية العراقية. وأن تخرج قيادة الحزب ببيان تناشد فيه علاوة على رفيقاته ورفاقه وأصدقائه ومؤازريه، جماهير شعبنا المكتوية بالفقر في أن تساهم ببناء بيت للحزب هو كما يقول المتنبي “إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ …. فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ” فهل هناك شرف أكبر من أن يناشد الحزب الجماهير الفقيرة لبناء بيتها بنفسها، وهل هناك نجوم أعلى وأكثر لمعانا من نزاهة الحزب، وهو والنزاهة والوطنية توائم لا تجدها في تاريخ أي حزب بالعراق.
بيت الشيوعيين هو تاريخ هذا البلد، وهو الكوخ الذي تبدو كل مقرات أحزاب السلطة وهيلمانها فقيرة أمامه. ففي زاوية من غرفة فيه ترى فهد مكبّلا بالحديد ويقود انتفاضة من داخل سجنه، وفيه ترى حازم وصارم وهما يسيران بثبات نحو الخلود في سبيل بيت الشعب. في تلك الزاوية ترى سلام عادل بكامل أناقته يسير مع الموت الذي طأطأ رأسه خجلا من شجاعته، وليس ببعيد عنه يبصق العبلّي وهو في لحده بوجه قتلته. وفي الزاوية المقابلة تسمع همسا لا تفهم منه الّا أن “أصمدوا أيتها الرفيقات والرفاق فهذا القصر أي قصر النهاية سينهار وسيرحل ومن يديروه إلى مزبلة التاريخ، وسيكون كوخكم هو قصر الشعب الذي تضحون بحياتكم من أجله اليوم، فيلبّي لطيف الحاج وجمال الحيدري وحمزة سلمان وجورج تلو وحسن عوينة ومحمد حسين ابو العيس والمئات من الشيوعيين ذلك النداء ليذوبوا في بيت الشعب، وهناك تسمع صوت قاطرة محمّلة بأبناء بيت الشعب وهي تنهب الأرض نهبا لأنقاذهم من براثن الموت، ولتتوزع عرباته بين نگرة السلمان وسجون العراق المختلفة. وفي الزاوية المقابلة ترى خالد أحمد زكي يصنع السلال من قصب البردي للفقراء ويلونها بدمه ودم رفاقه. وفي مكان آخر من تلك الغرفة ترى عباءة عايدة ياسين معلّقة على الجدار وبجانبها قميصا صباح الدرّة وصفاء الحافظ، ولن تبتعد عيناك بعيدا حتى ترى دماء ستار خضير ومحمد الخضري طرية على جدار الكوخ، وتستمع هناك إلى ضحكات ابو كريّم وأصرار توما توماس وفدائية حسين حجي كنجي – ابو عمشه وبقية النصيرات والأنصار الشيوعيين وهم يرصّعون جبال وسهول كوردستان بأرواحهم من أجل أن يكون بيت الشعب عامرا بالناس.
في الغرفة الثانية من كوخ الشعب يقف الجواهري ينشد “سلام على مثقل بالحديد… ويشمخ كالقائد الظافر”، وأمامه يقف النوّاب مظفّر ليمرّ وهو في قطاره على حمد وليتغنى بالقهوة ورائحة الهيل التي في كوخ الشعب، بعد أن ينعى بيرغ الشرجية، الفلاح صويحب الذي يداعي المنجل بدمه لليوم، وإلى جانبهما يقف عبد الله گوران وهو ينشد “14 تموز/ إنه عرس الجمهورية/ فيا أيها الجسد الراقد في الزنزانة/ أيتها السلاسل….. اصمتي / صمت السكون في الأذن / وأنت أيتها الريح المرتبطة بزنزانتي / اغفي كما يغفو الطفل الرضيع”
أمّا ابو سرحان/ ذياب گزار فتراه بجسمه النحيل يتنبأ بأنتصار الفقراء الخارجين من كوخ الشعب وهو ينشد “بيت الحزب نياشين.. وبيت الحزب بساتين / بي گمر وبي شمس/ بي نهر وبي عرس/ وبي مدرسة وفلاحين”، وقريبا منه يؤمن زاهد محمد زهدي بأنتصار كوخ الشعب ليقول “جم حجّاج مر بينه على مر الزمان وراح مجذوذه نواصيه”، وليس ببعيد عن زاهد محمد يقف عريان السيد خلف ليعلن حبّه وحب أصحاب الكوخ وخوفهم على أطفال الوطن ليقول: الحيطان منخل والدروب حفور/ ووجوه الزغار الحاضنه الشباج / من يهتز قفل حسبالهم شاجور/ مرعوبة جنح وبلا وعي أدّور. وقبل أن نغادر الغرفة/ الوطن تعالوا نصلّي في رحاب نخلة غائب طعمة فرمان ونتوضأ بنبيذ تمرها الأطهر والأشهى من شربت الأنگليز.
في مكان مرتفع قليلا عن الأرض وسط الكوخ يقف يوسف العاني ليقول “بالفتنة والغش والدس كثيرا سمعنا كلمة يس (بلى)/ ثخنتوها كافي عاد نو نو لهناو بس (است)، في قراءة واقعية للعراق الخرابة وفتنة المحاصصة وغش وفساد أحزاب السلطة. وعلى نفس المكان المرتفع (خشبة المسرح) تقف سليمة الخبّازة/ زينب وبجانبها مصطفى الدلال/ خليل شوقي لكن لتوزع الخبز مجانا على الفقراء المعدمين في بلد متخم بالنفط، ولتقول خيرية/ زكية خليفة بتهكم وهي ترى البطالة والفساد والفقر “الحكومة الله يسلمها”. وقريبا منهم يجلس ابو گاطع وخلف الدوّاح في صريفة عند باب الكوخ ليقصّا على الفقراء سبب فقرهم وجوعهم قائلين لهم “بويه چا أنتو موش غشمه، وتعرفون يا هو اللي ينهب مال الوادم ويبيع عراگكم بقمري”
قريبا من المسرح يقف فؤاد سالم وشوقية وهما يغنيان “گاعنا فضة وذهب وأحنا شذرها”، وكوكب حمزة يقرّب الگنطرة ليعبرها العاشقون للوطن، أمّا كمال السيّد فلا زال يريد أن “يشيل السلف على راسه” ليحيا أهل السلف بأمان، فيما يبحث طالب غالي وهو ينظر إلى شطّ العرب عن دجلة الخير ليلحنّها ويزيّنها كعروس فائقة الجمال. ووسط هؤلاء تقف فرقة الطريق لتغني للكوخ والناس والوطن، ولتوزع المگبعة المناشير في الدرابين الفقيرة.
في غرفة من غرف الكوخ التي تحوّلت إلى مدرسة، يقف جعفر الجواهري وشمران علوان وقيس الآلوسي في مقدمة المتضاهرين في وثبة كانون، وليخطوا من حينها أسماء طلبة العراق ونضالاتهم بأحرف من نور، وعلى مقاعد ذلك الصف المدرسي يجلس علي حسن علي وزهور اللامي ورمزية جدّاع يوسف وتماضر يوسف متي وخالد يوسف متي ومعتصم عبد الكريم وهو يرسم على جذوع الأشجار صورة زاهية لأطفال قه زلر.. من هذا الكوخ/ المدرسة، تخرجّ آلاف المناضلات والمناضلين الواهبين حياتهم من أجل بناء وطن لا مكان فيه للأكواخ والصرائف والجوع والبطالة.
في فسحة ترابية أمام الكوخ يقف بشار رشيد وكاظم خلف ورزاق أحمد وكاظم عبود وعبد الواحد عزيز ورسن بنيان وجبار رشك والعشرات من الرياضيين الشيوعيين، ليقولوا للجمهور: نحن من أبناء هذا الكوخ ومنه تعلمنا مباديء حبنا لكم والوطن.
هذا الكوخ الذي يطلب الحزب الشيوعي من الناس مساعدته في بنائه، هو بيت الشهداء والشعراء والفنانين والرياضيين والمسرحيين والكتاب والمثقفين والرسّامين والنحّاتين والأكاديميين، أنه بيت العمال والفلاحين والكسبة. في هذا البيت لا مكان للطائفية والقومية، وأبناء هذا البيت يتنفسون الوطن ويرتوون من مائه ويتظللون بسماءه..
زكي رضا
الدنمارك
19/3/2022