قبل أن ندخُل في أغوار هذا الموضوع علينا قبل كل شيئ أن نعطي توضيحا بسيطاً لمعنى البارغماتية.
(progma)البارغماتية :- الأصل اللغوي يرجع الى المصطلح اللغوي اليوناني ، وتعني النفعية والسعي وراء تحقيق الأهداف بدون النظر عن النهج المتبع حتى ولو كان ذلك على حساب المبادئ والأفكار ، فالمهم هو تحقيق الغرض المُراد والمنافع الشخصية، وهنا سنتعرف أكثر على البراغماتية من خلال ربط معنى هذا المصطلح برجال السياسة بالعراق حيث طَغت الباراغماتية على غالبية السياسيين في العراق منذ السقوط الى يومنا هذا
منذ نهاية حُكم نظام صدام حسين في 2003م . دخل العراق في فوضى عارمة بعد حل الجيش العراقي وسقوط مؤسسات الدولة وسقوط بغداد المدوي وغياب القانون . وحلَت الوصاية الأمريكية ، لتتحكم في كل شيئ . فهنا ظَهرَ السياسيون القادمون من المنفى والمعارضون سابقا لنظام الحُكم في العراق كمنقذون للعراق . وتسلم الحاكم بريمر قيادة الدولة لحين تثبيت شكل الحكومة الجديدة . تأمل الجميع خيرا . نحو تحقيق الديمقراطية والحرية ونحو بناء عراق جديد بعد ويلات الحروب والحصار التي عانى منها شعب العراق ما عانى لسنوات طويلة. .
لكن الذي حصل بعد تشكيل أول مجلس للحكم في الدولة(والمسمى بسلطة الأتلاف) وبعدها عمَتْ الفوضى وفلتان السلاح والقتل على الهوية. وظنَ الكثيرون أن يقوم فرسان السياسة الجُدد بالخطوات الأولى لأنقاذ العراق وأخراجهِ من عُنق الزجاجة . لكن الذي حصل وأصبحَ واضحاً للعيان . أن الساسة البارغماتيين ، لم يكُنْ في حساباتهِم .تحقيق الأهداف والمبادئ والأفكار التي ستقود البلد الى بَر الأمان ليتعافى من جروحهِ . بل المُهم هو تحقيق غاياتهِم الشخصية قبل كل شيئ وهي ملئ جيوبهم وسرقة أموال الدولة والعيش في ثراء فاحش مع المناصب والأمتيازات . وقد أغرتهم الأموال والسلطة بعد ما كان البعض منهم لايملك ربما حتى أُجرة دفع فاتورة الأيجار .
الحقيقة التي لايختلف عليها إثنان أن العقول المفكرة والقادرة على قيادة العراق من علماء ومفكرين ووووالخ كثيرة . ولكن الفوضى العارِمة التي سببها الأحتلال وبقصد، كانت تستهدف تدمير العلماء وذوي الخِبرة والأختصاصات والبُنية التحتية للعراق وأدخالهِ في فوضى عارمة لسنوات طويلة، وهذا ماحصل من أغتيالات للعلماء والباحثين وذوي الأختصاصات والخبرة ، ونزيف الهجرة للكفاءات، كل هذهِ المخططاتْ تمت من جهات كانت ممولة ومبرمجة ومخصصة لهذا العمل الأجرامي. بالأضافة الى تدخلات الدول المجاورة عبر زرع عصاباتها ومخابراتها في العراق . أجتمعَتْ كل هذه العوامل لتنهش بجسد العراق .ثُمَ جاء البارغماتيون من دعاة السياسة ،ليزيدوا الطين بلَه كما يقول المثل . فبدلا من أن يتكاتفوا ويجتمعوا لأنقاذ الوطن ولملمة جراحهِ،وخصوصاً بعد خروج الحاكم العسكري بول بريمر، وتسلمهُم لِزمام السُلطة . كانت الفرصة مؤاتية للبدءْ ، بخطوات فعالة لوضع دستور قوي إِسوة بدساتير الدول المتقدمة . والسعي لتأسيس جيش عراقي وطني قوي . وتشكيل قوات أمنية بأسرع وقت للحفاظ على الأمن . راح البرغماتيون بعيداً عن الأهداف التي رفعوها بشعاراتهم لنجدة العراق وأنقاذهِ . وعلى الرغم من وجود بعض السياسيين وهم قلة بعدد أصابع اليد جاءوا محملين بالأفكار والطموحات البناءة للوطن. لكن ماحصل ان الأغلبية الساحقة باعتْ الوطن ونكثوا بالقَسَم الذي اقسموه للدفاع عن الوطن وكرامة شعبهِ وسيادتهِ. وأتجه كل واحد منهم ينهش بجسد العراق ويسرق ثرواتهِ والتنعُم بالمناصب والسلطة والمال .فما حصل ضاعت القلة المخلصة بينهم ومشَت مع الموجة والتيار ليصبحوا بارغماتيوون أسوة برفاقِهم، ولكي يتنعموا بالمكاسب والمناصبْ، ليبقى العراق بعدها سجيناً بين شلة حاكمة من السياسيين البارغماتية . التي ظلت تتحكم بمصير العراقيين خلال ثمانية عشر سنة بعد السقوط ، والشعب يزداد فقراً ناهيك من أنعدام الأمن وانتشار الأمراض والمخدرات والقتل . وتدهور المؤسسات الخدمية ونَهب اكثر من350 مليار دولار ذهبتْ بجيوب السياسيين وأتباعِهم . ولكن كما يقول بيت القصيد (( إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدَر)).
خرجت ثورة تشرين البطلة. لتُسطر صورة من صور الملاحم البطولية للعراقيين كثورة العشرين وغيرها. فأنتفض شبابُ الثورة حاملين( بيد علم العراق وباليد الأُخرى لافتة كُتبَ عليها نُريد وطن(العبارة التي هزتْ العالم ).هيهات أن يفهَم معناها من تلَطختْ يداهم بالقتل وسرقتْ خيراتْ الوطنْ، وفقدانهم لأي حس وشعور وطني. فكانت ثورة سلمية شبابية نموذجا للبطولة والصبر والوقوف بوجه أعتهْ عصابات تلاعبت بأموال الشعب وسيادة الوطن . فدفع ثمن ذلك أبطال تشرين بدماء أكثر من سبعمائة شهيد بطل تم قتلِهم بدم بارد لتخويف وترهيب شباب هذه الثورة التي دقت ناقوس الخطر أمام من نهب العراق وضيع الوطن . فبعد ثورة تشرين بدأ العد التنازلي لأعادة مؤشرالبوصلة الى مكانهُ الصحيح . فبدأت شروط الثوار تفرض على الساسة البارغماتيين . وطالبوا بوطن حُر كما لباقي الشعوب أوطانهم لينعموا بخيراتهِ ويضحوا من أجلهِ . وطالبوا بأن يكون هذا الوطن فوق كل اعتبار. والولاء له فقط والتضحية من أجلهِ . فاليوم مرت ثمانية عشر سنة من الأنتخابات والمهازل السياسية من سرقات ووووووالخ. هل ستكون الحكومة القادمة قد تعلمَت من دروس الماضي وأتعضَت،أم تعَودَ البعض منهُم على أن يكون بارغماتياَ بأمتياز. أعتقد هذه المرة لن تكون هناك أي فرصة أمام السياسيين والبرلمانيين للعودة الى الوراء. ولو حصل ولم يتم التغيير والأصلاح والنهوض بالوطن من جديد .فأعتقد ستظهر ثورة تشرين أُخرى عارمة بقوة، سيشارك بها كل الشعب من الداخل والخارج. وسيُطرد كل من خانَ الوطن وباعهُ، وسيرمونَ في مزبلة التأريخ وستلعنَهُم الأجيال القادمة.هذه فرصة البرلمان الجديد وفرصة الحكومة الجديدة وربما تكون الأخيرة .عليهم أن يعيدوا الوطن لأبناءهِ ويستتبْ الأمن والأمان ويتعافى الوطن وينهض وأن يتم بِناء العراق من جديد وأقوى ويتم رمي أصحاب العقول البارغماتية في مزبلة التأريخ.
Version Date: 18/04/2018