تعاني فتاة تبلغ من العمر ست سنوات تعيش في مخيم للنازحين بمحافظة دهوك من أنها لا تملك بطاقة هوية أو أي وثيقة رسمية يمكنها من الالتحاق بالمدرسة، فيما تعيش والدتها في وضع نفسي صعب، كونها رزقت بابنتها خارج إطار الزواج.
الفتاة (زينا) ولدت قبل ستة أعوام نتيجة علاقة ربطت والدتها (سميرة) بشاب وعدها بالزواج منها، وحين علم ذلك الشاب بأن سميرة حامل، تركها ورفض عقد قرانه عليها في المحكمة أو عند رجل دين.
قصة ولادة زينا
في آب 2014، حين اجتاح مسلحو تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) قضاء سنجار، فرت عائلة سميرة من ناحية القحطانية (تل عزير) التابعة لسنجار ولجأوا الى جبل سنجار.
بعد ستة أيام قضوها على جبل سنجار، طلبت سميرة، التي كانت تبلغ في حينها 22 سنة (حالياً عمرها 30 سنة) من والدتها السماح لها بالذهاب الى اقليم كوردستان.
تقول سميرة لـ(كركوك ناو)، “الحياة على جبل سنجار كانت صعبة جداً، لم أكن أستطيع تحمل الحر والمصاعب الأخرى هناك، في ذلك الوقت كان عدد كبير من الناس يغادرون جبل سنجار، طلبت من والدتي أن تسمح لي بالذهاب مع هؤلاء الناس فأذنت لي وتوجهت معهم صوب محافظة دهوك الى أن وصلنا الى قضاء زاخو بمحافظة دهوك”.
آنذاك، قررت إدارة محافظة دهوك نقل النازحين الى مجمع شاريا في زاخو، بعد شهر تم فتح مخيم لإيواء النازحين الايزيديين باسم مخيم شاريا، وحصلت سميرة على خيمة للعيش فيها بمفردها.
في نهاية نفس العام، زارت امرأتان سميرة في خيمتها -تعرفت سميرة على إحداهن في المخيم-، وقالتا لها، “هناك شاب وسيم وخلوق، لماذا تعيشين لوحدك، إن كنت راغبة بالزواج سنعرفك عليه”، حسبما قالت سميرة.
رد سميرة لهن هو أنها مستعدة للالتقاء بالشاب وستقرر بعدها فيما إن كانت ستقبل بالزواج منه أم لا.
“بعد عدة أيام التقيت بالشاب، تحدثنا معاً وقلت له سأقبل بالزواج منه إذا عقد قرانه علي في المحكمة، فقبل بذلك وأعرب عن استعداده لتلبية طلباتي والعيش معاً”.
كنت أخبره كل يوم لنذهب الى المحكمة او الى رجل الدين لعقد القران/ لكنه كان يقول في كل مرة ليس اليوم
بعد 10 أيام من رؤيتنا لبعض، زارها الشاب في أحد الأيام وتحدث معها عن الاستعدادات للزفاف. تقول سميرة، “كان في ذلك اليوم يريد التقرب مني، لكنني لم أسمح له بأن يلمسني”.
حسب سميرة، استمرت زيارات الشاب بخيمتها وكان يطلب في كل مرة ممارسة الجنس معها.
“في أحد الأيام جاء واقسم بأنه سيعقد قرانه علي في المحكمة، بعد ذلك عشنا معاً لمدة شهرين في تلك الخيمة مثل زوج وزوجته”، وتقول سميرة بأنها كانت طوال تلك الفترة تذكّر الشاب بضرورة الاسراع في عقد القران في المحكمة أو عند رجال دين ايزيديين، كونهما ايزيديان.
“كنت أخبره كل يوم لنذهب الى المحكمة او الى رجل الدين لعقد القران/ لكنه كان يقول في كل مرة ليس اليوم، غداً، أحياناً كان يغضب من إلحاحي ويختلق الأعذار”.
تقول سميرة بأنها فعلت كل ذلك دون علم ذويها.
سميرة تصبح حبلى والشاب يختفي
واستطردت سميرة بأن الشاب كان يبحث باستمرار عن أسماء جديدة لتسمية طفلهما المستقبلي وهو ما أثلج صدر سميرة.
“كنت أعتقد أنه إذا رزقنا بطفل سيفرح وسنتزوج”، وتابعت سميرة “في آذار 2015، راجعت المركز الصحي في مخيم شاريا، أجريت الفحوص وأخبروني أنني حامل”.
فور عودتها الى الخيمة، أطلعت سميرة “زوجها” على الخبر.
“تغيرت ملامحه فوراً، كان يبدو بأنه مستاء، غضب كثيراً وقال لي ماذا تقصدين بأنك حامل…. في مساء نفس اليوم أحضر حقيبة وبدأ بجمع أغراضه. سألته الى أين تريد أن تذهب، فقال شقيقتي مريضة في المستشفى وهي في حالة صحية حرجة، سأزورها ثم اعود:، وأضافت سميرة، “قلت له إذن لماذا تأخذ أغراضك وملابسك، فقال ربما سأبقى في المستشفى بجانبها لعدة أيام”.
منذ ذلك اليوم، لم تر سميرة ذلك الشاب مجدداً، حتى أنه هاتفه الجوال أُقفل منذ تلك الليلة حتى الآن.
“سئمت من الوضع، مكثت في الخيمة لوحدي عدة أيام وعلمت إدارة المخيم بأمري، لكن لم يتغير شيء في حياتي”.
سألني إن كنت أرغب في العيش في مخيم مع ابنتي، فقلت نعم، لكن في غير المخيم الذي كنت أعيش فيه سابقاً
في البداية حاولت سميرة الابقاء على قصتها سراً، حتى أنها لم تسجل أي دعوى قضائية. بدأ جنينها يكبر يوماً بعد آخر وباتت لا تخرج من خيمتها لتتفادى تعليقات وأقاويل سكان المخيم.
تقول سميرة، “حاولت إجهاض جنيني مرتين، لكنني كنت أندم في كل مرة، زارتني في أحد الأيام منظمة برفقة إدارة المخيم، فرويت لهم قصتي لأول مرة”.
بعد معرفة ما حدث لسميرة، قررت إدارة المخيم بالتنسيق مع المنظمات والجهات الأمنية نقلها الى مأوى خاص في مركز دهوك، لم تكن سميرة تعرف اسمه لكنها قالت بأن المركز “كان يأوي النساء المهددات وأنجبت طفلتي هناك”.
رزقت سكيرة بابنتها في 28 كانون الثاني 2015، وهي الآن تبلغ من العمر ست سنوات وأربعة اشهر.
بعد ولادة ابنتها، قررت سميرة تسجيل دعوى قضائية، وتقول بأنها ذهبت المحكمة مع المنظمة والجهات الأمنية.
(كركوك ناو) حاولت الاتصال بالشخص الذي كان مدير المخيم في وقتها والذي يتسنم منصباً في الحكومة المحلية بدهوك حالياً، لكنه لم يرد على الاتصالات.
“في المحكمة قال لي القاضي إن كانت لدي معلومات عن ذلك الشخص، فأجبته بلا… بعد ذلك سألني إن كنت أرغب في العيش في مخيم مع ابنتي، فقلت نعم، لكن في غير المخيم الذي كنت أعيش فيه سابقاً”، هذا ما قالته سميرة لـ(كركوك ناو).
نُقِلت سميرة الى مخيم آخر –فضلنا عدم ذكر اسم المخيم حفاظاً على سلامة سميرة-، تعيش سميرة هناك مع ابنتها زينا منذ ست سنوات.
وقالت سميرة، “حاولت الانتحار عدة مرات، لأنني يئست من إمكانية حل مشكلتي”.
أخفت سميرة قصة حملها وإنجابها عن أهلها، لم يزرها أحد في المخيم طوال تلك الفترة، ولم تزر هي ايضاً أياً منهم”.
تقول سميرة، “أحياناً تتصل بي والدتي وشقيقتي هاتفياً”.
وتضيف، “منذ أن غادرت جبل سنجار في عام 2014، لم يتحدث معي والدي بأي شكل، حتى أكملت ابنتي 40 يوماً”، بعدها أخبرته بالقصة لكنه لم يتواصل معها منذ ذلك الحين.
في الوقت الحاضر يعيش ذوو سميرة، من ضمنهم والداها واشقاؤها، في سنجار.
خليل حجي –شقيق سميرة-، قال لـ(كركوك ناو) في اتصال هاتفي، “سميرة غادرت جبل سنجار دون إذن، طلب والدي منها مراراً أن لا تذهب، لكنها لم تكترث له”.
وأردف قائلاً، “لم تتحمل شقيقتي البقاء في جبل سنجار، جميع الناس كانوا عطشى وجياع، الأطفال كانوا يبكون طلباً للخبز، ففقدت صبرها…. لكن والدتي سمحت لسميرة بعد ذلك بالتوجه الى اقليم كوردستان، رغم معارضة أبي”.
يقول خليل، “ذلك الشاب خدع شقيقتي واعتدى عليها جنسياً”.
شقيقتنا الآن في وضع نفسي سيء، ولم تكن في حالة نفسية جيدة في الفترة التي كانت فيها لوحدها
ما يثير تساؤل ذوي سميرة، بينهم شقيقها، هو “كيف تجرأ شخص على فعل أمر كذلك داخل المخيم؟و كيف لا تتوفر لديهم معلومات حول ذلك الشخص؟”.
لكن (كركوك ناو)، رغم جهودها الحثيثة، لم تتمكن من الحصول على تصريحات من القائمين على المخيم في تلك الفترة.
خليل حجي لم يجب على اسئلة (ككروك ناو) حول سبب عدم زيارتهم لشقيقته طوال سبع سنوات، واكتفى بالقول، “صحيح أننا لم نزرها قط في المخيم، لكننا سنستقبلها إذا قررت العودة، لأنها ليست مذنبة”.
وأضاف، “شقيقتنا الآن في وضع نفسي سيء، ولم تكن في حالة نفسية جيدة في الفترة التي كانت فيها لوحدها ومن الواضح أنه تم خداعها”.
وتقول سميرة بأن والدتها وشقيقة واحدة لها من اصل أربع شقيقات وخمسة اشقاء يتواصلون معها. “منذ أن غادرت جبل سنجار لم يزرني أحد”.
من المذنب؟
ابراهيم خدر، المدير السابق للمخيم الذي تعيش فيه سميرة حالياً رفقة ابنتها قال لـ(كركوك ناو)، “منذ أن وصلت سميرة الى المخيم لم تكن في حالة نفسية جيدة، أجرينا متابعة دقيقة مع القوات الأمنية، من ضمنها قوات الآسايش، لقضية سميرة، تعرفنا على هوية المتهم وهو من أهالي مجمع ختاري”.
يقع مجمع ختاري في ناحية القوش بقضاء تلكيف وتقطنه أغلبية ايزيدية.
مدير المخيم، وهو أيضاً ايزيدي، ويتولى مسؤولية في مؤسسة البارزاني الخيرية في سنجار التي تدير مخيمات النازحين قال لـ(كركوك ناو)، “أخبرتان قوات آسايش دهوك بأن المتهم غادر العراق وهاجر الى أوروبا”.
تتلقى سميرة وابنتها الآن العون من سكان المخيم وبعض المتبرعين.
وقال ابرهيم خدر، “أوصلنا قضية سميرة الى المنظمات الدولية، حتى أن أسرتين ايزيديتين وأخرى مسلمة أعربوا عن استعدادهم لتبني ابنة سميرة، لكنها لم تقبل بذلك”.
جرى التحقيق مع إحدى الامرأتين اللتين عرفتا سميرة بذلك الشاب أول الأمر، وقد مثلت أمام القاضي وأطلعت المحكمة على تفاصيل ما حدث، حسبما أكدت سميرة.
وقالت سميرة، “روت تفاصيل القصة أمام القاضي وحققت الأجهزة الأمنية معها، لكن مكان الامرأة الأخر مجهول”.
لإجراء هذه المتابعة، اتصلت (كركوك ناو) عدة مرات بآسايش دهوك التي تتولى القضية، لكنها لم تتمكن من الحصول على تصريحات.
جهور علي بك، نائب امير الايزيديين لشؤون الاعلام، قال حول تلك القضية، “ليس لدينا علم بتفاصيل تلك القضية، ولم يسجل أي شخص دعوى عندنا لكي نتابع القضية”.
زينا، الضحية الكبرى
زينا التي أكملت عامها السادس، كان من المفروض أن تلتحق هذا العام بالمدرسة، لكنها لا تملك بطاقة هوية أو وثيقة رسمية، الأمر الذي خلق المشاكل لها ولوالدتها ايضاً.
العام الماضي، ذهبت سميرة مع ابنتها الى ناحية سنوني التابعة لسنجار عند عمتها، لكن القائمين على نقطة تفتيش تابعة للحكومة العراقية طلبوا منها إظهار هوية ابنتها.
“قالوا لي أنت تكذبين، هذه الطفلة ليست ابنتك، تخلصت من ذلك الموقف بشق الأنفس”، وتضيف سميرة، “المشكلة الأخرى هي أنني لا زلت عزباء حسب ما هو مكتوب في بطاقة الأحوال المدنية الخاصة بي، وهو ما اثار شكوكهم وسألوني كيف إذن تلك ابنتك”.
وقالت، “أردت أن تلتحق ابنتي بالمدرسة، لكن إدارة مدرسة المخيم قالوا بأنهم لن يقبلوها في المدرسة ما لم تكن لديها بطاقة هوية”.
حسب قانون البطاقة الوطنية، يحمل الطفل اسم أبيه أو جده، دون إعطاء هذا الحق للأمهات الوحيدات
بموجب الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل، لكل طفل الحق في التعليم و منعه من ذلك يعتبر انتهاكاً لحقوقه.
وحسب قانون البطاقة الوطنية العراقية، يحمل الطفل اسم والده أوجده، بخلاف ذلك لن تصدر له أية وثيقة رسمية، نتيجة لذلك حرمت زينا من الحصول على بطاقة الهوية.
تشير إحصائية لمنظمي حملة “اسمي اسم أمي”، هناك 4000 طفل في العراق ولدوا نتيجة اغتصاب أمهاتهم من قبل مسلحي تنظيم داعش في الفترة بين عامي 2014 و 2017، وليست لديهم الآن بطاقات هوية.
تم إعلان تلك الحملة في 25 كانون الأول 2018 من قبل عدد من منظمات المجتمع المدني و مختصي القانون، الى جانب العديد من عضوات برلمان إقليم كردستان و مجلس النواب العراقي (في الدورتين السابقة والحالية)، بهدف إعداد مسودة تعديل خاص لقانون البطاقة الوطنية العراقية رقم (٣) لسنة (٢٠١٦)، بغية ايجاد “حل مناسب” للأطفال مجهولي النسب.
تنص الفقرة الثانية من المادة 19 من قانون البطاقة الوطنية العراقية على أنه، ” يعد الاسم كاملا اذا تضمن اسم الشخص المجرد و اسم أبيه و اسم الجد الصحيح واللقب إن وجد”، لكن منظمي حملة (اسمي اسم أمي” يطالبون بتعديل هذه الفقرة بالشكل الآتي، ” يعد الاسم كاملا اذا تضمن اسم الشخص المجرد و اسم أبيه أو أمه و اسم الجد الصحيح من الطرفين واللقب ان وجد”.
رازاو محمود، محامية و عضوة في الحملة قالت في تصريح سابق أنه، “حسب قانون البطاقة الوطنية، يحمل الطفل اسم أبيه أو جده، دون إعطاء هذا الحق للأمهات الوحيدات، على سبيل المثال الأطفال الذين لا يعرف آباؤهم بسبب مشاكل اجتماعية أو اختلافات مذهبية، أو الذين ولدوا نتيجة تعرض امهاتهن للاغتصاب على يد مسلحي تنظيم داعش، أو الذين تزوجت أمهاتهم بصورة شرعية بمسلحي داعش لا يعرف الآن مصير آبائهم لذا لا يتم منحهم وثائق تسجيل لأن مصير آبائهم ومكانهم مجهول، وذلك في الوقت الذي ينبغي على هؤلاء الأطفال الآن الالتحاق بالمدارس، لذا فإن هذه الحملة و جل مساعينا هي لحل مشكلة هؤلاء الأطفال”.
وقال مدير المخيم الذي تعيش فيه سميرة وابنتها، “الحل هو أن تتزوج سميرة بشخص وتسجيل اسم الطفلة على اسم والدها الجديد، حتى الآن جاء ستة أو سبعة أشخاص الى المخيم وطلبوا الزواج من سميرة وعقد القران عليها رسمياً في المحكمة، لكنها رفضت الزواج”.
“لا نحن ولا الجهات المعنية نستطيع إصدار بطاقة هوية لتلك الطفلة، لأنه بموجب القانون يجب أن يكون اسم الوالد معروفاً، حيث أن القانون لا يسمح بتنسيبها الى والدتها”.
ملاحظة: زينا و سميرة و ابراهيم خدر، اسماء مستعارة للطفلة ووالدتها و مدير المخيم، ارتأت (كركوك ناو) عدم نشر أسميهما الحقيقيين حفاظاً على حياتهما ودرءاً لتداعيات القضية داخل المجتمع.
عمار عزيز – دهوك