نيران الحرب الروسية في اوكرانيا.. هل ستصل إلى فنلندا؟
هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز
عن طريق الشعب عدد يوم 17 نيسان 2022
مع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، تمر العلاقات الروسية الفنلندية في أحرج مراحلها، وبدا أن حلف الناتو والولايات المتحدة الامريكية نجحتا في إثارة مخاوف وعدم ثقة فنلندا والعديد من دول المنطقة بالجانب الروسي، وضرورة الاستعداد للخطوات القادمة التي قد يلجأ لها حاكم الكرملين الغاضب، ومنها الحرب. وإذ نشطت الدبلوماسية الفنلندية في البدء لمحاولة تجنب الحرب في أوكرانيا، فبعد حدوثها واستمرارها واستعصاء محادثات السلام الجارية بين الطرفين الروسي والاوكراني، بدا أن مسألة ضمان أمن فنلندا هي الأولية الأساسية للقيادات السياسية الفنلندية، وتبعا لذلك تغير كثيرا مزاج الشارع الفنلندي، فبعد أن كانت فنلندا طويلا راضية وتتبع ما سمي بسياسة (الباب المفتوح) التي تتمثل في عدم الانضمام إلى حلف الناتو ولكن في الوقت نفسه عدم إغلاق الباب في التنسيق والتعاون مع الحلف في نشاطاته، وتبعا لهذا شاركت فنلندا في قوة حفظ السلام في أفغانستان، وعدد من المناورات العسكرية للحلف. تصاعدت مؤخرا الدعوات من قادة العديد من الأحزاب السياسية في البرلمان الفنلندي، بالدعوة للانضمام السريع إلى حلف الناتو كخيار أساسي، واشارت الدراسات الاستقصائية لشهر آذار المنصرم أن 60 بالمائة من الفنلنديين يؤيدون الآن الانضمام إلى الناتو وان النسبة قفزت 43 نقطة عن الخريف الماضي، واعلى مستوى لها منذ عام 1998. ورغم ذلك بدا ان القيادة الفنلندية، رغم مخاوفها، لا تريد اتخاذ قرار يؤثر مستقبلا على علاقاتها الإستراتيجية مع روسيا، الجار الأكبر، حيث الحدود بينهما تمتد لأكثر من ألف وثلاثمئة كيلومترا عبر غابات وبحيرات متشابكة، كما أن المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية متشابكة تاريخيا ومرت في منعطفات كثيرة.
مؤخرا طرحت وزارة الخارجية ما سمي بالكتاب الأبيض، وهو تقرير وزارة الخارجية، الذي يتناول الخيارات المطروحة أمام فنلندا لضمان أمنها آخذة في الحسبان علاقاتها مع روسيا. وأشار وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو (حزب الخضر) في أحاديثه الصحفية إلى أن التقرير لا يتضمن أي استنتاجات أو يقدم مبادئ توجيهية جديدة للسياسة الأمنية. وأوضح بان (التقرير يهدف إلى إتاحة الفرصة للبرلمان للمشاركة في نقاش واسع وشامل حول السياسة الخارجية والأمنية والدفاعية). ويذكر أن نصف التقرير يتناول قضايا الأمن الخارجي والسياسة الدفاعية، بينما يبحث النصف الآخر في الآثار الاقتصادية وأمن الإمدادات ومستوى استعداد فنلندا. ووصف التقرير غزو روسيا لأوكرانيا بأنه (انتهاك صارخ للقانون الدولي ويهدد أمن واستقرار أوروبا بأكملها)، وعن هذا قال هافيستو (إن الوضع الأمني في أوروبا وفنلندا أكثر خطورة وأصعب توقعًا من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب الباردة. من المتوقع أن تستمر التغييرات لفترة طويلة)، وبين أن فنلندا حاولت الحفاظ على العلاقات الثنائية مع روسيا ضمن الحدود التي تسمح بها العقوبات المفروضة على روسيا. واحد من اهم الخيارات المطروحة في التقرير، هو الانضمام السريع إلى حلف الناتو، وهذا القرار، حتى لو تم فهو لا يحدث اوتوماتيكيا، بل يمر بمراحل، فرئاسة الجمهورية والوزراء عليهما اخذ موافقة البرلمان الفنلندي في تقديم الطلب لقمة الناتو القادمة في مدريد نهاية شهر حزيران. وارتفعت في فنلندا الأصوات التي تنادي بضرورة اجراء استفتاء شعبي على مثل هذا القرار الخطير ولا يكفي تصويت البرلمان، رغم انه منتخب شعبيا في انتخابات ديمقراطية. وعند تسلم قيادة الناتو الطلب الفنلندي، فهناك مدة شهر لدراسته وتقرير أهلية فنلندا للانضمام للحلف، ينتقل بعدها الطلب إلى برلمانات دول حلف الناتو لدراسته. ويشير الكثير من المراقبين ان هذه العملية ستمر بسلاسة كبيرة، فقيادة الناتو والعديد من الدول الاعضاء طالما طالبت فنلنداــ ومعها السويد ــ للانضمام، معا إلى الحلف. وبرز هذا الاحتمال كثيرا إثر الزيارة التي قامت بها رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين (الاشتراكي الديمقراطي) إلى السويد والتقت نظيرتها السويدية ماجدالينا أندرسون (الاشتراكي الديمقراطي)، ولتصرح بان قضية طلب الانضمام إلى حلف الناتو ستحسم خلال أسابيع وليس خلال شهور.
الجانب الروسي لم يسكت عن هذا كله، فالرئيس الروسي السابق، دميتري ميدفيديف، الذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، حذر من أن روسيا ستضطر إلى تعزيز دفاعاتها في منطقة بحر البلطيق، بما في ذلك عن طريق نشر أسلحة نووية، إذا انضمت فنلندا والسويد إلى الناتو. وفي ظل هذه الأوضاع، يخيم شبح الحرب في المنطقة، تحسبا لفعل تأديبي ما يقوم به الجانب الروسي ضد فنلندا، ربما في الفترة التي تلي تقديم الطلب وقبل منح العضوية فعليا. فعقدت الحكومة الفنلندية عدة صفقات لشراء أسلحة نوعية، بل وراحت القوات الفنلندية تكثف من تدريباتها بما في ذلك القوات الخاصة بحماية العاصمة، هلسنكي، بالاشتراك مع قوات الشرطة وقوات المتطوعين. وتعالت الأصوات بما ذلك من جهات رسمية، تدعو إلى تخزين ما يكفي من الماء الصالح للشرب تحسبا لتسميم المياه، والشموع تحسبا لانقطاع التيار الكهربائي، وسلة غذائية تكفي لأسبوع أو أكثر، بل وحتى مبلغ من المال، تحسبا من هجوم سيبراني (هجوم إلكتروني) يعطل عمل البنوك، وكل هذا يترافق مع تكرار التصريحات بأن فنلندا تواصل الدبلوماسية (النشطة والاستباقية) ـ على حد تعبير وزير الخارجية ـ وتعزز أمنها وقدرتها الدفاعية.
فهل الحرب قادمة إلى فنلندا، أم أن الشعب الفنلندي يضع جانبا تاريخ الحروب والصراعات في المنطقة، ولا يتجاوز الجغرافيا، لأنها تملك دائما حقيقة واقعة، إذ لا توجد وسيلة للهرب من العلاقات السلمية بين الدول والشعوب المتجاورة. ومن أجل المحافظة على المنجزات الديمقراطية للشعب الفنلندي، فأن السلام مطلوب في المنطقة وضروري جدا.