بمجرد ذكر العراق، يتسلسل تاريخ طويل، من العنف، القتل، سفك الدماء، الحروب الداخلية والخارجية. لا ننسى بالمقابل، كيف لهذا العراق، عراق الحضارات المتعاقبة، والثقافات المتعاقبة لزمن طويل، منذ حضارة السومريين، كيف له أن يقترن بالدمار والخراب ؟
كيف للإنسان أن يقرأ صفحات طويلة عن قوانين مدنية، مثل قوانين حمورابي، أن يقرأ صفحات طويلة تبعث على الفخر، عن ألواح سومر، ومكتبة آشور، وغيرها، ومقابلها تنفتح صفحات طويلة طويلة من الدسائس والمؤامرات والخيانات والحروب الأهلية ؟
قالوا: لأن برج بابل، وقد ظهرت بأسمه لعنة السماء، على من صنعوه، كان بداية لهذا القتل المستمر بأشكاله المختلفة .
أين ذهب أنبياؤه، رسله،علماؤه وكتّابه الكبار ومصلحوه ؟
قالوا: لأن أرض العراق، مثل اسمه، أرض العراق ، أرض الشقاق والنفاق .
قالوا:لأن كل من يدخل العراق سالماً، يخرج منه قاتلاً أو مقتولاً أو يفقد الصواب، من هول ما يرى ويسمع.
اليوم، في الكثير منه، شبيه بالكثير من الأمس. حتى حضارات العراق، وثقافات أهل العراق، لا تخلو من أخبار، ومن روايات عن حروب دموية، مفاخرات من يقتلون بعضهم بعضاً .
في عالم اليوم، نشهد محاولات في جهات كثيرة تشهد توترات وصراعات، لتجاوزها.
شعوب كثيرة أوربية وغيرها، وحتى أفريقية عاشت في أجواء الحرب، في الحرب العالمية الثانية مثلاً، وحرب رواندا حديثاً، وانتقلت إلى نطاق السلام .
وحدها المنطقة التي نعيش فيها تنتقل من حرب إلى أخرى، وحروب الداخل كثيرة ومتنوعة.
هل وجِدت شعوب المنطقة هذه لتولد كي تكبر قليلاً وتموت ؟
يقولون : هناك نحس، لعنة، عقاب إلهي ؟ هل العراقيون وحدهم يرتكبون أخطاء قاتلة ، تبقيهم غارقين في العنف وضحايا عنفهم ؟
أليس الحديث عن الذي يجري بأنه القدر من يفعل فيه ذلك، تبرير للقتل والعنف والكراهية القائمة، ومنع أي كان لتحديد من يكون المسئول؟ وكأن الجميع سواء في ذلك !
لماذا الاستعداد للقتل، للتباغض، للأحقاد، يغلب الاستعداد للمحبة، للدعوة إلى السلم والتعاون ؟
لماذا نشهد حماساً لدى المستعدين لأن يقتلوا غيرهم بحجج ودون حجج، ليقتلوا هم أنفسهم في النهاية، في مختلف أرجاء العراق ؟
أليس من حقنا كعراقيين، بمختلف ألسنتنا، وأدياننا ومعتقداتنا، أن ننظر إلى نفوسنا، ويحاول كل منا، مراقبة نفسه، والضغط عليها ولو قليلاً، ليؤمن حياة له ولعائلته ، وأحفاده وأحفاد أحفاده؟
خيرات العراق كثيرة، وتكفي الجميع. ألا يجب أن نبدأ من هنا؟ ألا يعتبر البعض، وهم قليل، أنهم وجِدوا ليكون العراق بخيراته، العراق بلاداً وعباداً لهم ؟
أن ينظر أحدنا إلى الآخر، على أنه إنسان ولديه العقل نفسه، والقلب نفسه، وقادر على يفكر ويحب ويبني مع غيره، ليكون أهلاً لبناء العراق: عراق المحبة والسلام المنشود ؟
قليل من التضحية، أي تقليل الأنانية، من قبل كل منا، يحوّلنا من عراق الكراهية إلى عراق المحبة.
لا ألتاريخ يستحق التفاخر به، حين يقوم على سفك الدماء والحقد الأعمى وكراهية الآخرين.
إذاً لنكتب تاريخاً مشتركاً،يُبنى بسواعد المحبة، وألسنة المحبة والتعاون، والسلام المنشود .
القليل من الإرادة المشتركة، فقط، ضمان ألسلام للجميع. كل ذلك ممكن، إذا حاولنا. لا يجب أن يقول أحد إنه لا يستطيع، نعم، يستطيع مادام لديه إرادة، وفي خدمة الخير للجميع والسلام للجميع، وهو من بين الجميع، في العراق، وطناً للجميع، والجميع في وطن واحد !
ألا يكفينا أن نبقى محل سخرية الآخرين وشماتتهم فينا ؟