نظرة قصيرة على مقاومة الشعب الأوكراني للعدوان!
إننا في الأيام الأخيرة من الشهر الثاني للعدوان على أوكرانيا.. البلد الذي فضل فيه الجيش والشعب المقاومة بشكل بطولي المقاومة على الاستسلام بخيارات بالغة التكلفة، وقد حشدوا العالم لدعمهم.
استند تصميم القوة الغازية إلى حقيقة أن أوكرانيا كان لا بد من احتلالها في غضون يومين لكن الرئيس المنتخب من قبل الشعب في هذا البلد وقف وصمد ودعا الناس إلى الثبات الأمر الذي لم يؤدي إلى تسمّر القوة المعتدية فحسب بل جعل الأنظار متجهة اليه أيضا على المستوى العالمي، وبذر بذور الأمل في قلب المجتمع البشري، ومن هذا المنطلق صمدت أوكرانيا وأجبرت العالم على الوقوف إلى جانبها!
إعتقدت القوة الغازية برسوخ مع بداية تأسيس أول قدم لها بالميدان بأن حكومات العالم قد تحلت عن زمام الأمور وقررت مغادرة المشهد، وأنهم بإعلانهم عن استعدادهم من أجل رحيل رئيس أوكرانيا قد أظهروا قبل كل شيء طبيعتهم الإسترضائية الإستسلامية، وإذا حدث ذلك فستكون أوكرانيا الآن تحت سيطرة القوة البوتينية المحتلة، لكن رد السيد زيلينسكي الرئيس المنتخب من قبل الشعب على “تصريحات الاستعداد” هذه كان في عبارة: “هنا حرب قائمة وأنا بحاجة إلى ذخيرة وليس الإستعداد لإخلاء البلاد ومغادرتها”.
أظهرت ترجمة هذا الموقف الوطني والشعبي لرئيس أوكرانيا خط “التوازن السلبي” ما حدث ببعض الدول من تجارب في جوانب مختلفة لصالح الشعب ومن بين هذه الدول تجربة إيران إبان حكومة الدكتور محمد مصدق الوطنية عام 1952 التي أدى إلى تأميم صناعة النفط!
وليس خافيا على أحد بأن الحرب على أوكرانيا بين الغرب وروسيا كانت على الأقل منذ عام 1991، وعندما شَرَعَت روسيا بشن هجومها في 24 فبراير 2022 لم يعتقد الغرب أبدا بإندلاع هكذا مقاومة في أوكرانيا ضد القوة الغازية، ولذلك كان وجود “المقاومة المشروعة” أمرا صادما للغرب أيضا!
ولقد أبقت القوة الغازية في الأيام الأولى لهجماتها أبواب دخول الحرب العالمية الثالثة مفتوحة للمجتمع الدولي مهددة باستخدام القنبلة النووية! تهديد أكثر كارثية بمراحل من العدوان على دولة مجاورة مظهرا نقطة تحول في تاريخ الإنسانية المعاصر!
التهديد باستخدام الأسلحة النووية أخطر بمراحل من “استخدام الأسلحة النووية” ولهذا السبب كانت هناك حاجة إلى قنبلة أكثر قوة ضد هذا السلاح الخطير المعادي للإنسانية، ولهذه القنبلة اليوم أبعاد مليارية عند بدء نقطة الإنفجار! ولا تسمح القنبلة الإنسانية (أي النزعة الإنسانية) أبدا باستخدام القنبلة النووية وتعارضها بشدة!
شعوب العالم اليوم، ومعظم حكومات العالم قلقون من استمرار الحرب وتوسعها.. حرب كانت مقدمتها أوكرانيا وأصبحت نقطة تمركزها وتمحورها، وينظر لبطولاتها واستبسالها بعين اليوم بعين الإعتبار، ويقدر أولئك الذين يعيشون في صلب المقاومة المشروعة المقاومة الأوكرانية أكثر من أي شخص آخر ذلك لأن لدى كل قوى المقاومة المشروعة “ألم مشترك”كما لديهم ذات القاسم المشترك وهو”الحق في الدفاع عن النفس” و “الحق في الوجود والبقاء”.
ووفقا لهذا السياق دعمت المقاومة الإيرانية مقاومة الشعب الأوكراني منذ البداية، وإن مقاومة الشعب الإيراني التي هوجمت من قبل قوى الرجعية الدينية المعتدية طيلة 43 عاما، وعاشت وتعيش تجربة أفظع دكتاتورية عُرِفَت في تاريخ هذا البلد ألا وهي “الدكتاتورية الدينية” وهي الآن في طليعة أنصار مقاومة الشعب الأوكراني، وكان المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية قد أصدر بيانا في صبيحة اليوم التالي للعدوان على التراب الأوكراني، وكشف المجلس في البيان عن: ” دعم خطباء سوق جمعة خامنئي ورئيسي جزار سنة 1988 ووزير خارجيته للهجوم على أوكرانيا واحتلال هذه الدولة التي بقت بمفردها، وكذلك فضح طبيعتهم التوسعية في هذه الحرب غير العادلة على الملأ من خلال البيان” وجاء فيه ما يلي: ” تبدأ حقبة تاريخية جديدة بعد مضي 77 عاما على نهاية الحرب العالمية الثانية، ويسعى النظام لاستغلالها”، ويستحق المشردون في أوكرانيا وخاصة المدنيين منهم تقديم الدعم اللائق الكامل والفعال لهم بجميع الجهات” وفي هذا الإطار لا تُعد العقوبات وحدها كافية بحق النظام”.
أما بشأن المقاومة المشروعة للشعب الأوكراني فقد قال وزير الدفاع الأوكراني أليكسي روزنيكوف: “عندما تقاوم يضطر العالم كله إلى الوقوف بجانبك”وتشبه هذه الجملة إلى حد كبير المقولة التي أدلى بها السيد مسعود رجوي رئيس المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية قبل سنوات عندما تعرض معسكر أشرف (التابع للمقاومة الإيرانية) في محافظة ديالى العراقية لهجوم من قبل النظام الإيراني وعملائه العراقيون حيث قال: “إذا نهضت أشرف فإن على العالم أن ينهض” واليوم تحقق المقاومتين الايرانية والأوكرانية “انتصارا مشتركا” في إختيار “المقاومة” كخيارا لهما.
وقالت السيدة كيرا روديك عضوة البرلمان الأوكراني التي تقاتل الآن بحمل السلاح للدفاع عن شعبها وبلدها ضد القوة المعتدية خلال مشاركتها في الموتمر العالمي للمقاومة الإيرانية مؤكدة على إختيارها الذي عزمت عليه: “اليوم أُدرك ما قد حدث في أشرف!”.
وانتقد السيد تيموفي ميلوفانوف مستشار رئيس الجمهورية الأوكراني نفسه بشكل مخجل لكونه كان غير مدركا لآلام ومعاناة الأمم الأخرى حتى وقع بشكل مباشر في الحرب والقتل والمآسي في أوكرانيا، وختم حديثه بالإعراب عن تضامنه مع نضالات الشعب الإيراني ضد استبداد النظام الحاكم في إيران، واستنتج نهايةً بأن: “الدكتاتورية خطر على الإنسانية جمعاء وعلينا جميعا أن نحاربها معا”.
وعلى الرغم من أن للمقاومة المشروعة جوانب مختلفة في بلدان وسياقات مختلفة، إلا أن ألمها الرئيسي هم مشترك، وهذا هو سبب كونهم داعمين محبين مؤازرين لبعضهم أيضا، ويعتمدون على قدراتهم وقدرات شعوبهم ، وينطلقون من شرعيتهم التي تنير العيون وتبث الأمل بالقلوب!
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأ