نسمع دائماً عن الغجر وربما قد نراهم في بلادنا ولا نعلم عنهم الكثير سوى بأنهم قومٌ يعيشون ضمن مجموعات متنقلة ولهم أعمالهم خاصة، ولكن ما هي أصولهم؟! وما هي عاداتهم ومعتقداتهم؟! لنتعرف أكثر على هؤلاء القوم..
من هم الغجر؟
وفقاً لقاموس المعاني فالغجر لغةً تعني بأنهم قومٌ متجولون جفاة، ينتشرون في كل القارات متمسكين بتقاليدهم الخاصة، ومعتمدين على التجارة في معاشهم، أو قراءة البخت وعزف الموسيقى، أو حتى التسول أو بعض الصناعات البسيطة، وللغجري وصفٌ بأنه متشدد عادةً ومتسكع، وهو متحلل من قيم المجتمع ومواصفاته.
ما هو أصل الغجر؟
تختلف الأقوال والأبحاث في أصول الغجر، حيث يعتقد الكثير بأن الغجر قد قدموا من المجر أو رومانيا، بينما يعتقد باحثون آخرون بأن أصل الغجر يعود إلى مجموعة عسكرية متنوعة تجمعت خلال القرون الماضية لقتال المسلمين في منطقة البنجاب التي تقع شمال الهند، لتجنح هذه المجوعة فيما بعد إلى الشمال الغربي من إيران، وأرمينيا، لتنتقل بعد ذلك إلى شبه جزيرة البلقان، وحينذاك دخلت إلى لغتهم الكلمات الصربية والرومانية.
لم يبقَ الغجر كمجموعةٍ واحدة بل تفرقوا إلى مجموعاتٍ صغيرة لتنتشر في أوروبا وشمال إفريقيا، وفي بداية هجرتهم لم يلقى الغجر ترحيباً جيداً بل كانوا يتعرضون للمضايقات والإيذاء بسبب اختلاف مظهرهم ولغتهم، وذلك ما جعل حياتهم تعتمد على نمط التنقل والترحال، وقد تأسست في بداية انتشارهم مجموعاتٍ فرعية في ألمانيا، وبريطانيا، وأوروبا الشرقية، ورومانيا، والمجر، والاتحاد السوفييتي سابقاً. ولكن في يومنا هذا ينتشر الغجر في كل أنحاء العالم.
ما هي ديانة الغجر؟
تتنوع ديانات الغجريين حيث انقسموا فيها ليصبح جزءٌ منهم معتنقاً للإسلام كما في الهرسك والبوسنة، أما الغجر في أوروبا الغربية فقد تحولوا إلى الرومانية الكاثوليكية، بينما اتبع الجزء الآخر في الجبل الأسود وصربيا مذهب الأرثوذكس.
ما هي معتقدات الغجر؟
يتمتع الغجر بنظام محرماتٍ قوي، فمثلاً يُعتبر الجزء السفلي من الجسم ملوثاً كالقدمين والجهاز التناسلي، بينما يُعتبر الجزء العلوي نقياً، وإن أقدم أحدهم على ارتكاب فاحشةٍ فإنه سيُنبذ لمدةٍ تصل إلى أكثر من عام، وقد تصل العقوبة إلى طرده من المجتمع. وبما أن القدم تعتبر ملوثة فكل ما تلمسه يصبح ملوثاً أيضاً.
والتشدد في هذه الأمور يكون مع الكبار والمتزوجين بينما يكون هناك بعض التساهل بالنسبة لكبار السن والصغار، ويتم عزل المرأة الغجرية ومولودها عن بقية العائلة حالما تضعه باعتبارهما ملوثين، وذلك لوقتٍ معين.
كيف يعيش الغجر حياتهم الاجتماعية؟
للغجر تشددٌ قوي في تعليم الأطفال حيث لا يوافقون على تعليم أطفالهم اللغات الأجنبية، ويتمسكون بالإبقاء عليهم بالمحيط الغجري حيث لا يجب على الأطفال الاتصال مع غير الغجريين ولا العيش بأسلوب حياة غير غجري، وكذلك رعاية الأطفال لا يُسمح بها إلا للغجريين أنفسهم، ويتعلم الأطفال في المدارس حتى سنٍ معين يصل إلى 10 أو 11 سنةً ليتوقفوا بعدها عن الذهاب إلى المدارس ويكملوا تعليمهم في المنزل والمجتمع.
أما المرأة عند الغجر فلها تقدير واحترامٌ كبير، وذلك بسبب عملها بقراءة البخت الذي يدر عليهم المال، فهي تعتبر المصدر الأساسي للدخل بينما يكون عمل الرجل مصدراً داعماً للدخل.
تعتبر الأسرة الممتدة وحدة اقتصادية يؤمن بها الغجر، ويتم تزويج الأبناء حالما يكونوا في منتصف سن المراهقة أو في أواخرها، والآباء هم من يقومون بترتيب زواجات أبنائهم. وعند الزواج يعيش الزوجان بدايةً في منزل والد الزوج إلى أن ينجبا طفلهما الأول أو الثاني، ويتجمع الغجر في مجموعاتٍ قد تصل أعدادهم فيها للمئات أو الآلاف عند المناسبات كالعزاء أو الزفاف.
كيف يعيش الغجر حياتهم الاقتصادية؟
بسبب ترحالهم الطويل على مر القرون حاول الغجر أن يعملوا في وظائف تناسب ترحالهم، كالأشغال المعدنية، والخشبية، وتجارة الخيول، والنجارة. وكانت وظائفهم تتنوع وفقاً لمجموعاتهم العرقية، فقد كان غجر رومانيا يعملون في تدريب الحيوانات والاستعراض، بينما كانت مجموعات أخرى يعتمد عملها على قراءة الطلع.
بشكلٍ عام يشتهر الغجر بعملهم في الرقص والغناء في جميع أنحاء العالم، وحتى المهارات الموسيقية، وهم من ابتكروا رقصة الفلامنكو في إسبانيا، ولكن مع تطور الزمان تطورت أعمال الغجر ليتحول العمل في المعادن إلى العمل في المجوهرات والساعات، وتحولت تجارة الخيول إلى تجارة السيارات وإصلاحها.
توزع الغجر في الشرق الأوسط
يصل عدد الغجر في الشرق الأوسط إلى 2.563.000 نسمة، ويطلق عليهم هناك اسم الدومر، ويتوزعون في مجموعاتٍ تعيش في مناطق بين آسيا الوسطى والدول العربية، أي بين إيران ومصر وفلسطين والأردن والعراق وسوريا، وحتى باكستان وأوزباكستان، ومن هذه المجموعات المعروفة: النّوَر، الغربتي، المهتار، اللولي، الحلب، الزط، الكراتشي، تشوري والي، اليورك، المزنوق، والبراكي.
كيف اضطٌهِدَ الغجر؟
كان الاضطهاد للغجريين شائعاً في أوروبا وكبيراً يصل إلى الذل ، وذلك بعد اتهامهم بالسرقة وقيامهم بأعمالٍ غير مشروعة، ومن الإضطهادات التي حدثت عندما أُصدر مرسوماً عام 1725م من قبل ملكٍ بروسيا ينص على إنهاء حياة كل غجري قد جاوز الثامنة عشر عاماً. وقد تم إنشاء وزارة من قبل بافاريا مخصصة لشؤون الغجر. حتى أنهم لم يسلموا في زمن هتلر حيث تعرضوا للاضطهاد باعتبارهم شعوباً غير آرية، ورُحلوا إلى معسكر أوشفينتز، وكان هناك 20 ألف غجري يعيش في ألمانيا ويُقال بأنه تم إنهاء حياة 15 ألف شخصٍ منهم، وفي عام 1929م صدر قانونٌ يلزم الغجر الذين لا يعملون بمهنة ثابتة أن يقوموا بالعمل القسري ويعني السّخرة!
وحتى هذا اليوم في أوروبا الغربية ما زالوا يعتبرون الغجر عبئاً ثقيلاً عليهم، ويعيش الغجر في ظروفٍ صعبةٍ هناك حيث يعانون من التشرد والبطالة والفقر.