ما هي الأولويات في معالجة أوضاع سياسية وأقتصادية وأجتماعية في بلد كالعراق اليوم، هل هي في إيجاد حلول أو السعي لإيجاد حلول للمشاكل التي يمر به البلد، أم الهروب للأمام في توجيه الرأي العام لمشاكل هي بالأساس نتائج مباشرة لسوء الأوضاع السياسية والأقتصادية والأجتماعية؟ أزمة تشكيل الحكومة هي نتاج مباشر لنظام المحاصصة الطائفية القومية وفشله في حل مشاكل البلاد على مختلف الصعد، وعوضا عن المضي قدما لتوفير مناخ سياسي صحّي يأخذ على عاتقه الأسراع في تشكيل الحكومة والخروج بسرعة من أزمة الفراغ السياسي والشد والجذب بين نفس القوى التي تقاسمت أمتيازات السلطة منذ الأحتلال لليوم، خرج علينا قيادي في الأطار الشيعي وبمناسة ذكرى تأسيس ميليشياته في إيران، ليعلن في كلمة له من أنّ التحديات الكبيرة التي تواجه العراق هي “ظاهرة الألحاد والمثلية والتخلي عن القيم الأصيلة وأنتشار الأفكار المنحرفة والوهّابيّة والمساس بالمقدسّات وآفة المخدرات والأخطر من ذلك فقدان الأمل لدى الشعب”!!
من الصعب إن لم يكن من المستحيل ربط الألحاد (ليس ظاهرة كما يقول هادي العامري) بتبني الملحدين بالعراق لفلسفة معيّنة أو آيديولوجية ما، بل وحتى تأثرّا بالعلم الذي يستند أساسا على التشكيك بالظواهر الطبيعية والميتافيزيقية، كون الملحد العراقي وهو يعيش في مجتمع بلغ عدد الأمييّن فيه وفق أحصاءات وزارة التربية 12 مليون مواطنة ومواطن من مختلف الأعمار لا يملك هذا الترف الفكري بغالبيته العظمى. بل على العكس فأنّ هؤلاء الـ 12 مليون أمّي ومعهم ما يقابلهم من جمهور في اسوأ الحالات متأثر بالعادات والافكار الدينية، والذي هو تحت رحمة برامج دينية طائفيّة مكثفة. فالقوى الدينية ومعها المؤسسات الدينية تصول وتجول في عقول الناس البسطاء والأميين من خلال الأعلام المرئي والمسموع والمقروء لحدود (لأنتشار الأميّة) والمنابر، لتزرع في هذه العقول كل شيء الّا التفكير بحاضرهم وحياتهم، فهي تربطهم دوما بحياة آخروية مليئة وغنيّة بما يفتقدونه في الحياة الدنيا. هذا الجمهور بالحقيقة هو أوسع من الأرقام التي ذكرناها، فلو أضفنا لهم عوائلهم والعاطلين عن العمل وجيش الفقراء المتنامي بأضطراد وأنصاف المتعلمين والمثقفين والذين باعوا ضمائرهم للسلطة الدينية من “مثقفين وأعلاميين”، سنرى أنّهم جيش من مواطنين مؤمنين بما تصدرّه لهم المنابر. وهؤلاء المؤمنون بعيدون عن الألحاد أو هكذا يجب أن يكونوا، فلماذا أذن تزداد نسبة الالحاد في المجتمع كما يقول العامري وقبله الكثير ومنهم ممثل السيد السيستاني في خطبة له بكربلاء، هذا أذا وافقنا العامري وأمثاله بما أعلنوه! أنّ زيادة نسبة الملحدين لا يعود الى الفضاء الديموقراطي والحرية والتحصيل العلمي وتأثيره على عقلية المواطن كما في الغرب، بل يعود أساسا كردّ فعل لجرائم الأسلام السياسي بحق الناس منذ الأحتلال لليوم. وقد لعب الفضاء الافتراضي دورا كبيرا في أظهار الوجه القبيح لبعض رجال الدين وهم يأتون بالترهات من بطون كتب صفراء، من على منابرهم التي تتقيء التجهيل والدجل والكذب. وأصبح رجال الدين هؤلاء هزءا أمام أنظار الملايين، وهذا ما جعل الدين أو المذهب نفسه هزءا للأسف الشديد. وهذا الأمر لا يتحمله الملحد مطلقا، بل المؤسسة الدينية التي لا تريد عقلنة الخطاب الديني وأنسنته، فترى هذا الخطاب اليوم وفي عصر الفضاء يغوص في غيبيات لا يقبلها العقل البشري مطلقا. هذه كانت النقطة الأولى في كلمة السيد هادي العامري، بمناسبة تأسيس ميليشاته من قبل السلطات الإيرانية أثناء الحرب الصدامية – الخمينية.
النقطة الثانية التي اثارها السيد العامري هي المثلية الجنسية، وهي اساسا نتاج عوامل وراثية أو بايولوجية أو أجتماعية أو بيئية، ولو تركنا العاملين الأولين لأنهما فوق المستوى الفكري والعلمي للكثير من ساسة المحاصصة ورجال الدين، فأننا بحاجة لمعرفة الطبيعة الأجتماعية والبيئة الأجتماعية للشعب العراقي، المتّهم اليوم من قبل العامري وغيره من الاسلاميين بشيوع المثلية فيه! العامري وغيره من قادة الاسلام السياسي ومعهم المؤسسة الدينية يملأون الدنيا صراخا أثناء الزيارات المليونية للمراقد الشيعية، ويعتبرون هذه التجمعات مبايعة من قبل هذه الجماهير للخط العلوي الحسيني الذي يدّعون تمثيله طبعا، وبالتالي فأنّها أي هذه الزيارات وبهذه الأعداد الكبيرة صك مبايعة لهم!! فهل هؤلاء الزوّار الحسينيون العلويون المبايعون للعامري والاسلام السياسي مثليون!!؟؟ ومن المسؤول عن شيوع المثلية إن وجدت كظاهرة كما يقول العامري، هل هو النظام السياسي الفاسد والفاشل في تلبية حاجات الناس أم الطبيعة والبيئة الأجتماعية، ولماذا لم تكن المثلية ظاهرة في الأنظمة التي سبقت الاحتلال كما يدّعي السيد العامري؟ تعتبر المجتمعات المنغلقة بيئة خصبة للمثلية الجنسية، إذا ما أهملنا العوامل الوراثية والبايولوجية. ولا توجد أحزاب ومؤسسات تعمل على ترسيخ مثل هذه البيئة، وأتهام أي علاقة بين شاب وشابّة في الجامعة على سبيل المثال بالفجور كما الأحزاب والمؤسسات الدينية.
النقطة الثالثة التي أثارها السيد العامري كانت التخلي (اي تخلّي المجتمع) عن القيم الأصيلة ، ولغويا فأنّ “قيمة الشئ في اللغة هي قدره ، وقيمة المتاع ثمنه . يقال : قيمة المرء ما يحسنه ، وما لفلان قيمة ، أي ما له ثبات ودوام على الأمر”، من خلال هذا التعريف نريد أن نعرف ما يعنيه السيد العامري تحديدا، وما هو تعريفه للقيم والقيم الأصيلة؟ فعلى سبيل المثال ما هي قيمة وثمن تشكيل الوزارة العراقية اذا ما تمّت بأوامر من خارج الحدود؟ وأين هي قيمتها وهي تقوم على أساس نهب ثروات البلد من خلال المحاصصة الطائفية القومية؟ “قيمة المتاع ثمنه” فما هو ثمن الفقر الذي ينهش جسد المجتمع، وما هو ثمنه وهو يباع من قبل أطفال صغار في تقاطعات المرور!؟ لقد دمّرت حروب الدكتاتورية الكثير من القيم الأصيلة في مجتمعنا، وجاء الأسلام السياسي ليعلن مقتل هذه القيم، بعد أن أصبح العراق مرتعا للجريمة المنظمة والميليشيات والفساد والعادات والتقاليد العشائرية البالية. ولمّا كانت قيمة المرء ما يُحسنه، فلنسأل السيد العامري عن محاسنهم وهم على رأس السلطة، والبلد يسير نحو المجهول؟
النقطة الرابعة في كلمة السيد العامري كانت حول “أنتشار الأفكار المنحرفة”، وهنا نكون أمام سؤال كبير ومهم وبحاجة الى تعريف وتوضيح كي يكون مفهوما للجماهير المغلوبة على أمرها، نتيجة فساد وجرائم السلطة وأركانها. ما هي الأفكار المنحرفة التي تعصف بالمجتمع العراقي اليوم، والتي جعلت فرائص الأسلاميين ترتجف من وقعتها!؟ هل هي الأفكار التي تقف على الضفّة الأخرى من افكار السيد العامري، أم توظيف المؤسسة الدينية لخدمة الأسلام السياسي وميليشياته من خلال أصدار فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان لزرع وتعزيز الأفكار المنحرفة في هذه التنظيمات، والتي هي سببا اساسيا في الأرهاب والقمع؟
حصر السلاح بيد الدولة يعني عدم أحقيّة أي جهة سياسية في أن يكون لها ذراع عسكري، ويعني أيضا وصف كل فصيل مسلح من أنّه ميليشيا خارجة عن القانون. لذا فأنّ المؤسسة الدينية ولغرض منح الأسلام السياسي وميليشياته وسيلة السيطرة على الشارع وتهديد السلم المجتمعي، قامت بأصدار فتوى الجهاد الكفائي والذي لم تعلّق المؤسسة الدينية العمل به بعد أن انتهى مفعول الفتوى. وأستمرار العمل به من قبل الأسلام السياسي وميليشياته، هو تفسير حقيقي لوجود أفكار منحرفة تريد أن تقود البلاد الى المجهول. أنّ الفكر الديني الطائفي والأفكار العشائرية، هي من صلب الأفكار المنحرفة وإن إستمدّت “شرعيتها” من “الدولة ومؤسساتها”.
النقطة الخامسة في كلمة السيد العامري كان تناوله للوهّابية، وهو يعني بالضبط دورها كفكر منحرف وهدّام في تغذية المنظمات الأرهابية، كما يغمز من خلالها للدور السعودي بالعراق من خلال دعمها وبقية دول الخليج وتركيا وقوى أقليمية ودولية لتنظيم القاعدة وداعش وغيرها من المنظمات الأرهابية التي دمّرت بلادنا وهو على حقّ في ذلك. الّا أنّه يتجاوز في حديثه الخمينيّة كفكر ونهج هو الآخر، ودورها في تأسيس ودعم ميليشيات ساهمت في الإقتتال الطائفي لتصدير ثورته الأسلامية، علاوة على دورها المشبوه كما الوهّابية في تدمير سوريا واليمن ولبنان. أمّا عن العراق ودورها في نهبه وتخلفه وضعفه عن طريق ميليشياتها وعلى رأسها ميليشيا بدر بزعامة العامري، فالتاريخ شاهد على قبحه قبل جرائمه.
النقطة السادسة في كلمة العامري كانت حول المساس بالمقدسّات!! هنا نكون أمام سؤال بحاجة الى أجابة من قبل السيد العامري وهو أن كانت بيوت الله من مساجد وحسينيات من المقدسّات أم لا، وإن كان القرآن مقدّس أم لا؟ ولا أظن من أنّ الأنسان العاقل وهو يرى هدم المساجد والجوامع وتفجير المآذن وحرق مئات أن لم يكن الآلاف من نسخ القرآن، بحاجة ليكتشف من الذي يدنّس المقدسات التي يتباكى عليها العامري، ومن الذي يفجرّها؟ أجزم من أنّ العامري وغيره من دهاقنة الأسلام السياسي لن يستطيعوا ولو بعد مئة عام أن يلصقوا التهمة بأحزاب ومنظمات ذات آيديولوجيات غير أسلاميّة، لكننا وبكل أريحية نقول أنّ الأحزاب والميليشيات الأسلامية هي المسؤولة وصاحبة المصلحة الحقيقية بالمساس بالمقدسات الاسلامية، بل وبأهانة المقدسّات الاسلامية. وأحداث الأيام الاخيرة من الصراع الشيعي الشيعي، وحرق وتدمير بيوت الله وحرق كتب القرآن فيه، شاهد حقيقي على ما نقول.
النقطة السابعة التي تناولها العامري في كلمته كانت عن انتشار المخدرات بالبلاد، ولا يسعنا هنا الا ان نشاطر العامري خوفه على شباب العراق من هذه الآفة الخطيرة والقاتلة. لكن هل يعرف العامري من أنّ تعاطي المخدرّات كان شبه معدوما ومحكوما بقوانين قاسيّة جدا للحيلولة دون أنتشاره في الأنظمة العراقية السابقة ومنها النظام البعثي، وحتّى في ظل النظام البعثي بعد حروبه الكارثية كان العراق ممرا للمخدرات القادمة من ايران وليس سوقا مستهلكة له بشكل يشكل خطرا على النسيج الأجتماعي كما اليوم عهد الأسلاميين!
السيد العامري وانت قد عشت سنوات طويلة في ايران وشاهدت بأمّ عينيك قوافل المدمنين وهم يفترشون الأزقّة الفقيرة وسط طهران، والشباب الأيراني الضائع وهو يدمن على المخدرات بأصنافها المختلفة، تعرف جيدا منشأ هذه السموم ونقاط عبورها وتجارها المحميين من السلطة.
السيد العامري صدقني من أنّ الأرجنتين لا حدود لها مع بلادنا لتحملّوها نشر المخدرات ببلادنا، وصدقني من أنّ ايران ومعها الأحزاب الأسلامية لها المصلحة الحقيقية في أدمان الشابات والشباب العراقي على المخدرات، فهؤلاء يضافون الى جيش من الشباب الضائع الذي يضاف الى جيش العاطلين عن العمل.
وفي ختام كلمته تحدث العامري عن فقدان شعبنا لأمله في حياة حرة وكريمة!! ما هو السبب الذي جعل شعبنا يصل الى هذا اليأس القاتل بنظركم ايها السيد العامري، وهو يعيش في ظل حاكم جعفري وليس سنّي كما كانت الدولة العراقية سابقا كما تقولون. للأجابة على هذا السؤال علينا قراءة تاريخ الأسلاميين وهم على رأس السلطة، من خلال الكم الهائل من الجرائم المرتكبة بحق شعبنا ووطننا، فاليأس وفقدان الأمل بحياة كريمة ووطن معافى لن يتحقق بوجودكم في السلطة مطلقا ولو بقيتم في السلطة حتى ظهور المهدي الذي تنتظرون. الحل الوحيد ايها السيد العامري لأعادة الأمل لشعبنا هو بناء نظام ديموقراطي علماني يحترم عقائد الناس ومنها الأديان المختلفة، على أن تحترم المؤسسات الدينية السلطة السياسية والقانونية وتبتعد عن المشاركة والتأثير فيها وفق قوانين دستورية وضعية. دولة علمانية ديموقراطية تبدأ ببناء وطن ومجتمع جديدين على أنقاض وطن ومجتمع دمرته الحروب والحصار والفساد والارهاب والميليشيات، دولة تستند وتعتمد على القانون في محاسبة كل من يتخابر مع دولة أجنبية على حساب “وطنه وشعبه”..
أذا كانت تجربة الأسلام السياسي والمؤسسات الدينية التي نشرت وتنشر الفساد والجهل والتخلف والأميّة، ودمرّت وتدمّر القطاعات الزراعية والصناعية والصحية والتعلمية والخدمية وغيرها مما يشكل خطرا على مستقبل شعبنا ووطننا أيمانا، كونكم على رأس السلطة ومؤمنون بالله ونبييه وآل بيته. فأني أيها السيد العامري أعلن أمامكم عن رفضي لأيمانكم هذا معلنا كفري وألحادي بكل ما تؤمنون به ..
زكي رضا
الدنمارك
21/4/2022