ليست الازمة السياسية الحالية وليدة الانتخابات التشريعية الأخيرة أو سنة ما قبلها فحسب، بل هي نتاج سنوات ما بعد السقوط والاحتلال، الأسباب معرفة وقد اشرنا لها في السابق وشرحنا أسبابها ونتائجها وقدمنا ما نستطيع من رؤيا واقعية بخصوص الإصلاح والتغيير، إلا أن البعض من القوى صاحبة القرار والمتنفذة المدعومة خارجياً ظلت متعنتة ورافضة أي مقترح او رأي لمعالجة المأساة التي خلقتها السياسة والتوجهات تحت طائلة الطائفية والمال والسلطة، سنين غير قليلة والقوى الوطنية والديمقراطية وكل من تعز عليه قضية العراق ومصالحه الوطنية جاهدوا في سبيل الهدف الاسمى وهو تعزيز الرؤيا الوطنية والاستفادة من الإمكانيات للخروج من مأزق المحاصصة الى فسحة التعاون الوطني الشامل، إلا ان ذلك لم يحرك ساكناً في اولئك الذين بقوا يتصورون أن الخروج من المحاصصة يعني فقدان السلطة المحصورة في الطائفية والتقسيم الطائفي بينما ينص الدستور على مبدأ هام وهو تبادل السلطة سلمياً ولم يحدد التقسيم الطائفي والمحاصصة الضيقة ،أن الازمة المستفحلة التي تزداد يوما بعد آخر تنذر بخطر التقسيم والذهاب للحرب الاهلية وبصراحة عندما تدق ساعة الخطر فلن يستطيع أحد ولا تستطيع أية قوة على الأرض أن تقف بوجهها وتمنعها، وامامنا من تجارب التاريخ الكثير في هذا المضمار، وما آلت اليه الأوضاع المتدهورة التي لم تعالج بشكل جذري ومنطقي وعادل ، وهذه الأزمة تجلت اليوم بعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة وكنا نتوقعها في هذا الانسداد السياسي وهذا الصراع غير المبدئي بين القوى المتنفذة نفسها التي احتكرت السلطة منذ الانتخابات التشريعية الأولى وبقت مهيمنة عليها بطرق عديدة بما فيها قانون الانتخابات غير العادل ، ومن هذا المنطلق بوجود الأزمة اعترف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يوم الثلاثاء 19 / 4 / 2022 أن العراق يمر بأزمة سياسية وأشار في كلمته في احتفالية الذكرى لتأسيس منظمة بدر الشيعية “، “نحن نجتهد في إيجاد الحلول، واحيانا نجتهد وللأسف في ابتكار العوائق والانسداد السياسي” وعقب ايضاً بالقول “الشعب قلق من المستقبل ومن نتائج الانسداد السياسي مما يعرقل الحياة” ورأى أن “شعبنا مؤمن بالنظام الحالي و بالديمقراطية الحقيقية و بالتداول السلمي للسلطة وبالدولة” والمعنى الحقيقي لهذا الانسداد السياسي هو الإصرار على بقاء تشكيل الحكومة العراقية الجديد على نهج المحاصصة والتقسيم الطائفي والحصص التي يجب الاتفاق عليها وبالضد من حكومة الأغلبية السياسية التي تعتبر أحد المفاتيح لفتح الطرق نحو الانطلاق إلى الوطنية والبناء والتغيير الشامل.
أن الانسداد السياسي الذي يتحكم في التوجهات لتشكيل الرئاسات الثلاثة وبخاصة رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء بات اكثر تعقيداً ومخالفاً للاستحقاق الدستوري وهو ظاهرة خطرة تدفع التفكير الواقعي للاستنتاج، أن أكثرية القوى المتنفذة تتحدث عن صيانة الدستور والتمسك به وفي الوقت نفسه يغالطون انفسهم وهم بدورهم من يخرق الدستور ويعطل الاستحقاقات الدستورية ويساهم بطريقة وأخرى في استفحال الأزمة ودفع الأوضاع السياسية إلى الهاوية وتعطيلها بشكل يجعل سهولة التدخل في شؤون العراق الداخلية من قبل قوى خارجية متربصة تعمل من أجل مصالحها ، لا يمر يوم على الصراع بين القوى الشيعية المتنفذة إلا ويزداد الانسداد السياسي في البلاد وتتعقد الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية كما يساهم في جر البلاد الى مشاكل جديدة بما فيها مشكلة انتخاب رئيس الجمهورية والمجلس الرئاسي وعدم التوجه لتكليف رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة وفي هذا الاشكال المريب بالحياة والأوضاع في البلاد قال برهم صالح رئيس الجمهورية ” الانسداد السياسي الراهن في انجاز الاستحقاقات الدستورية وتشكيل حكومة جديدة بعد خمسة أشهر على إجراء الانتخابات” وهذا يعني زيادة قلق القوى الوطنية وأكثرية الشعب العراقي ” و بات أمر مقلق وغير مقبول، ويؤدي إلى الانزلاق نحو مخاطر الفوضى والاضطرابات وعدم الاستقرار وهنا يكمن بيت الداء حيث واصل برهم صالح مؤكداً ” أن “هناك من يريد أن ينشغل العراقيين بصراعات داخلية تستنزف قوتهم وتضعف كيانهم” وقد نستشف من وجود
1 ــــــ قوى تتحرك وفق تعليمات خارجية تهدف البقاء في موقع التبعية وإبقاء الأوضاع على حالة المحاصصة الطائفية والتوافقية
2 ــــ قوى تعارض هذا النهج وتسعى إلى انقاذ البلاد من الأزمات المتلاحقة وإيقاف التدهور وبدلاً من الانزلاق نحو استخدام السلاح تشكيل الحكومة وفق معايير وطنية بهدف التغيير والخروج الى مجال العمل الوطني السليم لبناء الدولة المدنية ذات سيادة حقيقية وفق إصلاحات جذرية.
3 ــــ قوى تسعى إلى عدم حل الأزمة واستمرار الانسداد السياسي بهدف تعطيل مجلس النواب والوصول إلى إعادة الانتخابات التشريعية وهي نقطة اللاعودة للحياة الدستورية الطبيعية ، وفي هذه النقطة بالذات أشار كريم شكور الداوودي النائب عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في 19 نيسان 2022، أنه “حتى الآن ما زلنا تحت وطأة الانسداد السياسي والمشهد مربك للوصول إلى نتائج ناجحة، ويبدو أننا سنذهب في آخر المطاف لإعادة الانتخابات” وهذا الرأي يحظى بتأييد البعض من قوى الإطار التنسيقي التي تشكك بنتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة.
أن الراي حول إعادة الانتخابات التشريعية له اهداف قريبة وأخرى بعيدة كلاهما يصبان في مجرى تعطيل التوجه لقيام حكومة الأغلبية السياسية وتراها مقصلة إعدام لهيمنتها وهيمنة نهج المحاصصة الطائفية والقومية الضيقة التي هي بالمحصلة أساس الداء الذي جر البلاد إلى كوارث عديدة منها الفساد المالي والإداري وتشويه التوجهات الديمقراطية وتعطيل عمل مؤسسات الدولة وتشجيع الميليشيات المسلحة التابعة وانفلات السلاح وغض البصر عن التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية غيرها من الآفات التي ساهمت في تدمير البلاد، وقد أكد الحزب الشيوعي العراقي ” ليس مقبولا بعد كل هذا أن يأتي تشكيل الحكومة وفق نمطية معتمدة منذ 2003 ولحد الآن” أي بوضوح العودة للمربع الأول لاستحواذ القوى التي تخالف عملية الإصلاح الجذري والتغيير الشامل، أن التجربة الغنية التي مرت على العراق منذ عام 2003 ولحد الآن اثبت بما لا يقبل الشك استهتار البعض من القوى المتنفذة بمطالب أكثرية الشعب العراقي التي سطرها بمظاهرات واعتصامات واحتجاجات في اكثرية مناطق البلاد ثم في انتفاضة تشرين المجيدة، هذه المطالب التي دفع ثمنها حوالي اكثر من 800 شهيداً واكثر من 20664 مصاب وجريح عدا المعتقلين والسجناء والمغيبين حسب تقارير حقوق الانسان وقد تكون الأرقام أوسع وأكثر مما ذكر، اليوم وبعد كل التضحيات الجسام من قبل عشرات الآلاف من المواطنين المتظاهرين والمنتفضين تسعى هذه القوى المتنفذة الالتفاف على تضحياتهم وشهدائهم ومطالبهم وتجيرها لمصالحهم كما ذهبت هباء دماء ضحايا سبايكر البالغة اكثر من 2050 وغيرهم ولم تحاسب الحكومة ولا شخص رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة بالأسباب التي أدت إلى هذا الكم من الضحايا الأبرياء ولا من سهل احتلال المناطق الغربية من قبل داعش الإرهاب، أولئك المسؤولين هم الامتداد للذين لهم مصلحة في الانسداد السياسي الحالي، ومثلما قاموا الحداد على تلك الضحايا سوف يقيمون الحداد على المطالب المشروعة للمنتفضين والمتظاهرين وينفذون ما خططوا من اهداف منذ اول اتفاق طائفي بغيض وهيمنوا على السلطة بمختلف وسائل الترغيب والترهيب والتزوير والخداع والتهديد؟ ان ما أكده الحزب الشيوعي العراقي في مطالبته ” ليتوقف هذا التلاعب بمصير الوطن والشعب « لعين الصواب وتأكيده أن ” إطلاق التهديدات والسعي الحثيث إلى تحكم البندقية بالقرار السياسي، إنما يعزز أجواء الشك والريبة بقدرة هذه المنظومة واقطابها الفاعلين، المتمسكين بنهجها والرافضين لأي مسعى جدي لإصلاح ما جرى تخريبه وما دفع بلدنا سنوات الى الوراء” . بالتأكيد أن العراق تراجع خطوات غير مسبوقة إلى الوراء وأصبح في أدنى المستويات بالنسبة لدول العالم وبخاصة الدول الفقيرة التي لا تمتلك إمكانيات العراق الهائلة ،لا طريق إلا طريق النضال السلمي والضغط السياسي والجماهيري ضد القوى المتنفذة التي تسعى لإبقاء العراق مختل في التوازن الداخلي والخارجي ، وإنقاذه من براثن هذه الآفات المدمرة ووقف التدهور المستمر من أجل قيام الدولة المدنية كاملة الحقوق وعدم التجاوز على مقدرات الجماهير الشعبية.