الطعام يرتبط بالحياة، وهذا يعني أن الذين يتناولون الطعام مع بعضهم البعض، إنما تكون حياتهم مشتركة، ولها منبع واحد في الأفراح والأتراح. ولذلك نجد أن فكرة العزيمة مرتبطة ليس بالطعام فقط، وإنما بالحياة المشتركة التي يكون الطعام هنا سنداً لها أيضاً.
أي إن الذين يعزمون بعضهم البعض، إنما لتقوية الروابط الحياتية المشتركة.
وقد تذكرت كل ذلك، حين سمعت بأن أمير الإيزيدية قد دعا أخواننا الكورد على مأدبة إفطار هذا اليوم، وفي مطعم ” كَڤَركى ” بدهوك مدينة التعايش المشترك، وسأكون حاضراً، والذين تمت دعوتهم، لهم مكانتهم الاجتماعية والسياسية في الحكومة وفي البلد.
إنها خطوة ذكية ومؤثّره بخلفيتها الاجتماعية والأخلاقية النبيلة طبعاً،ومن قبل رمز إيزيدي كبير، ودعوته موجهة إلى رموز كبار من أخواننا المسلمين الكورد، تعبيراً عن أهم سمة اجتماعية وأخلاقية بها يقوى المجتمع، وتصان أخلاقه المشتركة التي تمثل مصيراً مشتركاً للجميع .
لم لا؟ ألسنا نعيش جميعاً على الأرض نفسها، أرض آبائنا وأجدادنا المشتركين، أرض أبطالنا ممن دافعوا عنها وعنا، دون تمييز. الأرض هي العش الدافىء والمتين والذي يشكل حاضنة الأمل المشترك للجميع، وفيه احترام الجميع للجميع في معتقداتهم وأفكارهم.
بمقدار ما يتعمق التسامح، بمقدار ما يقوى فهم الآخر في دينه أو عقيدته أو توجهاته، طالما أن المشترك بين الجميع هو الذي يحميهم من شرور الأعداء وأطماعهم .
مثل هذه الخطوة التي يقدِم عليها أمير الإيزيدية تاريخية، وهو يذكّرني بأخلاق البارزاني الخالد، الذي كان يساوي بين جميع مكونات كوردستان. فهُم جميعاً من نسل واحد أساساً. وبخطوته تلك يكون قد أكَّد على أهم القيم التي تدعم العلاقات الاجتماعية، وتقوي الروح الاجتماعية كذلك، لأن ليس هناك ما هو أهم وأغلى من قيمة التعايش المشترك، من التسامح. وحين يتلاقى الجميع وفي يوم مبارك من شهررمضان مبارك، فهو تأكيد على أواصر القربى الإنسانية. وحين يتناول الجميع الطعام معاً، فهم يؤكدون على أن حياتهم واحدة، وهم قريبون من بعضهم البعض .
في الحالة هذه، من يستطيع أن يفرّق هؤلاء الذين يحترمون بعضهم البعض، ويشاركون مناسبات بعضهم البعض، وفي آلام بعضهم البعض؟
هذا التقارب يقرّب القلوب من بعضها البعض، والعقول من بعضها البعض، ويحرّر الجميع من تلك الأفكار الخاطئة، والتصورات الخاطئة التي لا يستفيد منها إلا أعداؤهم جميعاً، أعداء وطنهم الواحد،وبذلك تزداد أواصر المحبة والأخوة قوة ومناعة .
الأرض واحدة، السماء واحدة، الماء واحد، الطعام واحد. ماذا يبقى لكي يصبح الجميع، في مقام الواحد؟ هو هذا الشعور المشترك، والتشارك في مناسبات تعم الجميع.
وطن واحد، مصير واحد، ومعتقدات مختلفة. هل من وطن أقوى من هذا الوطن ؟
بورك كل من يقوم بعمل كهذا، من يبارك عملاً كهذا، ومن يشيد بكل من يقدِم على عمل أو قول خيّر كهذا، مهما كان حسبه ونسبه، دينه وعقيدته ! حباً بالسلام المشترك طبعاً !
هذا هو ما نحتاج إليه في هذا الزمان الصعب.
هذا ما يمكننا القيام به، إذا أردنا ذلك، وأردنا أن نعيش في وطن حر وكريم وسعيد بالجميع !