أظهر استبيان قياس مُدركات الرشوة في دوائر تنفيذ محافظات العراق كافة، أن العاصمة بغداد ومحافظة البصرة تتصدران قائمة تعاطي الرشوة بنسب مُرتفعة وغير مقبولة في عمل المؤسسات الحكومية.
والاستبيان الذي أجرته هيئة النزاهة الاتحادية، سجّل نسبا عالية في تعاطي الرشوة لقاء إنجاز معاملات المُراجعين.
كما يشير إلى أن الفريق المركزي للهيئة، والفرق الساندة له والمؤلفة في مديريات ومكاتب التحقيق في بغداد والمحافظات، قامت باستطلاع آراء 9,880 مراجعٍ في 102 من دوائر التنفيذ، بينها 13 دائرة في بغداد و89 في المحافظات، من خلال 536 زيارة ميدانية إلى دوائر التنفيذ.
وأظهرت نتائج تحليل الاستمارات، أن مستوى تعاطي الرشوة (إدراك) أي المعدّل العام لمن يعتقد بوجود تعاط للرشوة في عموم العراق بلغ 12.4%، ومستوى دفع الرشوة فعلاً (قياس) بلغ 5.6%.
وسجلت النسب في دوائر تنفيذ بغداد، وتحديداً في مديرية تنفيذ الرصافة أعلى نسبة في تعاطي الرشوة (إدراك) وبلغت 27.2%، تلتها الكرادة بنسبة 22.6%، ثم المحمودية 22.1%، فيما سجلت دائرة الدورة والحسينية أقل نسبة، إذ بلغت على التوالي 7.4% و8.7%.
أما أعلى نسبة في دفع الرشوة (قياس) فسُجلَت في تنفيذ البياع، وبلغت 13.6%، تليها الكرادة والمحمودية بنسبة 12.4% و11.5% على التوالي، وسجلت الدورة وأبو غريب أقل نسبة بلغت 3.7% و4.7%.
وفي المحافظات، حلَّت دائرة تنفيذ المعقل في البصرة كأعلى دائرة في نسبة تعاطي الرشوة (إدراك) بنسبة وصلت إلى 65%، ثم دائرتي تنفيذ الزبير وشط العرب بنسبة 45% و40%، فيما حازت دوائر تنفيذ الرميثة وكركوك والحلة على النسب الأقل، حيث بلغت 0.9% و1% و1.1% على التوالي.
وسجلت تنفيذ الزبير وشط العرب والمعقل أعلى نسبة في دفع الرشوة (قياس) وبلغت 24.5% و19% و16.3%.
كما تم تسجيل (17) دائرة توزعت على محافظات بابل والقادسية وديالى والنجف وصلاح الدين وذي قار والمثنى والأنبار نسبة صفر في المئة، وفق التقرير.
وأشار إلى أن نتائج الاستبانة أظهرت أن 51.4% من المُستطلعة آراؤهم في بغداد أكدوا أن الإجراءات المُعتمدة من قبل الدوائر تؤدي لتأخير أو عرقلة إنجاز المعاملة.
وقال 63% من المُراجعين الذين صرحوا بدفع الرشوة إنهم قاموا بالدفع مباشرة للموظف، وفي المحافظات سجلت نسبة قيام الموظف بتأخير وعرقلة إنجاز المعاملة نسباً عالية جداً، بلغت في المعقل ـ البصرة 63%، والديوانية 55%، والزبيرـ البصرة 50%.
اختيار أو إجبار؟
في هذا السياق، يرى الباحث الاقتصادي حامد علوان، أن نتائج الاستبيان التي تُظهر تعاطي الرشاوى من دون القيام بأي نشاط حقيقي للحد منها لا تعني شيئاً مهماً.
“لأن الكثير من الأبحاث التي أُجريت خلال الأعوام الماضية في هذا الشأن وغيره، لم تخرج لنا إلاّ بالأرقام والوصايا والاستنكارات” حسب علوان.
ويوضح لـ”ارفع صوتك”: “في العادة حيث يُفترض العمل بالوصايا تجاه النتائج، تميل المؤسسات الخدمية الحكومية إلى اتباع قرارات تبدو شكلية للحد من تنامي الرشوة داخلها، من حيث تعقيد إجراءات إنجاز العمل بذريعة المراقبة والضغط على الأفراد المراجعين بطريقة مملة، فقط كي يشعر المُراجع بالتغيير.
ويشير علوان إلى أن تكرار شكوى المُراجعين من عدم القدرة على إيجاد من ينجز المعاملات من الموظفين في مؤسسة ما مقابل رشوة، سببه أن تلك المعاملات أو الخدمات المقدمة “صار إنجازها معقداً وغير سلس”.
ويؤكد أن المُراجع يقوم بها مجبراً ولو بشكل غير مباشر، فهو يدرك بأن معاملته لن يتم إنجازها بسهولة ووفق القوانين، إذا لم يدفع الرشوة.
الفساد والقانون
ورغم عينة الآراء في هذا الاستبيان، إلا أن الأمر يظل محدوداً.
تقول الناشطة الحقوقية تغريد أياد، إن “هذه الاستبيانات تُظهر القليل مما يحدث بتعاطي الرشوة في المؤسسات الحكومية ودوائرها”.
وتضيف لـ”ارفع صوتك”: “الناس على استعداد لتدفع الرشاوى حتى لو كانت قيمتها مرتفعة، فقط كي ينجزون معاملاتهم ويحصلون على الخدمات، لأنهم يدركون جيداً أن رد الفعل إذا ما امتنعوا، قد يعني تأخير إنجاز المعاملات وكذلك الامتناع عن تقديم الخدمات لهم”.
ويتم استيفاء مبالغ مالية (الرسوم) أكثر من المسجلة رسمياً، فضلاً عن تقاضي مبالغ مالية إضافية مقابل خدمات مقدمة للمراجعين، بحسب الاستبيان.
تقول أياد: “أظهر الاستبيان أن الفساد يحدث في المؤسسات الحكومية، كما أكد على أن التركيز الأكبر في تعاطي الرشوة يقع على الموظفين في تلك المؤسسات”.
ووفقاً لهيئة النزاهة العامة في العراق، تورط 11 ألفاً و605 مسؤولين، بينهم 54 وزيرا “بالفساد” خلال عام 2021.
وتؤكد أياد: “نحن بحاجة إلى ثقافة تنفيذ القانون. فحقيقة أن من ينخرطون في تقديم الرشاوى مقابل إنجاز معاملاتهم ليس لديهم ثقافة بالقانون وتنفيذه، إذ دائما ما يتم استنزاف المُراجع مالياً بحيل أن القانون لا يسمح بذلك، لذا فإن الرشوة هي لمساعدته”.
ووفقاً للقانون العراقي، فإن جميع الأحكام التي تصدرها المحاكم العراقية أولية قابلة للطعن أمام محكمة التمييز الاتحادية خلال 30 يوماً من صدوره.
وترى أياد إن “هذا الأمر يفسح المجال للمتورطين بتهم الفساد في تبرئة الجاني، أو تخفيف الاحكام عليه”.
وتشير إلى أن المتعارف عليه ألاّ يوجد تجاه تنفيذ القانون مُحصّن، أو يمكن التسامح مع الجاني، ولكن ما يحدث في البلاد أنه “يتم التلاعب بالظروف أو الوقائع التي تحيط بالقانون، وخاصة في تهم الفساد وإهدار المال العام”.
وتبين أياد أن المشكلة الأساسية في تعاطي الرشاوى وارتفاع نسب معدلاتها، يعود إلى “ضعف سلطة القانون وغياب الوعي بالمواد القانونية من جانب المواطنين”.
وفي أغسطس 2020، شكل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، لجنة خاصة للتحقيق بملفات الفساد الكبرى، وأوكل مهام تنفيذ أوامر الاعتقالات إلى قوة خاصة برئاسة الوزراء.
ومنذ أكتوبر 2019، تعد محاربة الفساد على رأس مطالب احتجاجات عارمة، في البلد المصنف بين أكثر دول العالم فسادا، وفق مؤشر منظمة الشفافية الدولية على مدى السنوات الماضية.
وفي 23 مايو 2021، قال الرئيس العراقي برهم صالح في كلمة متلفزة إن 150 مليار دولار هُربت من صفقات الفساد إلى الخارج منذ عام 2003.