وتريد تركيا قطع الطريق على قوات سوريا الديمقراطية “قسد” المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا، ومنع أي اتصال استراتيجي أو عسكري، في الوقت الذي تطمح إيران لاستمرار طرق إمداداتها العسكرية إلى سوريا عبر الحشد الشعبي العراقية.
وتمكنت القوات العراقية من بسط سيطرتها على قضاء سنجار بما يمكن أن يخفف من حدة التوتر في المنطقة، حيث قال المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة التابعة لوزارة الدفاع العراقية اللواء تحسين الخفاجي أمس الخميس، إنه لا يوجد مظاهر مسلحة داخل قضاء سنجار باستثناء الجيش والشرطة.
من جانبه، قال الفريق الركن عبد الأمير الشمري نائب قائد العمليات المشتركة في العراق إن القوات العراقية فرضت الأمن والقانون والنظام وفتحت جميع الطرق في القضاء، مشيراً إلى أن قوات الأمن ستلاحق كل من يحمل السلاح ويحاول فرض هيمنته على القضاء.
هل كان تحركاً عراقياً بدوافع تركية؟
من جهتها، أصدرت قيادة وحدات مقاومة سنجار “اليبشة” المقربة من حزب العمال الكردستاني، بياناً حول الأحداث الأخيرة التي شهدها قضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى الشمالية، هاجمت فيه الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي، متهمة إياها بتنفيذ “أوامر” تركية وبدعمٍ من الحزب الديمقراطي الكردستاني، في مهاجمتهم، محذرة من “احتلال” أرض العراق.
وجاء في بيان صادر عن قيادة وحدات “مقاومة سنجار”، حول الوضع الأمني في القضاء، إنه “منذ فترة وحكومة الكاظمي تحاول الهجوم علينا وعلى شعبنا بشتى المحاولات التي لا تخدم العراق، لكن وفي كل مرة يحاولون إراقة الدماء ونحن بذلنا جهداً كبيراً لعدم حدوث هذا الشيء وتعاملنا مع الوضع بحساسية كبيرة”.
وأردف: “في الوقت الذي كنا كشعب وقوة نتحضر لاستقبال عيد رأس السنة الأيزيدية لنحييها معاً، هاجمت حكومة مصطفى الكاظمي إحدى النقاط التابعة لأسايش أيزيدخان (تابعة لوحدات مقاومة سنجار) في 17 من نيسان الماضي”.
وأكمل أنه “لغرض السيطرة على هذه المشكلات ومعرفة نوايا هذه المحاولات بذلنا جهداً كبيراً لحلها، لكن وللأسف في تلك الليلة هاجموا قواتنا وحاولوا السيطرة على مكتسباتنا وقواتنا وسطوها وإنهائها”.
واتهم البيان: “حكومة الكاظمي بتنفيذ هذه الهجمات بأمر من الدولة التركية ومساعدة الحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث نفذت هذه الهجمات بيد قائد عمليات الموصل“، معتبراً أن “حكومة الكاظمي تأخذ هذه الأوامر بشكل مباشر من الدولة التركية وبمساعدة أعوانها في الحزب الديمقراطي الكردستاني لتلبي مطالبهم”.
وأسست “وحدات حماية سنجار” بدعم من حزب العمال الكردستاني عام 2014 للدفاع عن المدينة بعدما سقطت بيد تنظيم الدولة “داعش”.
عملية تركية متزامنة
خطوة الجيش العراقي جاءت تطبيقاً لاتفاق 9 من تشرين الأول 2020، الموقع بين حكومتي بغداد وإقليم كردستان العراق، الذي يقضي بأن تتولى القوات الاتحادية مسؤولية الأمن في سنجار، بالتنسيق مع قوات الإقليم، وإخراج كل الجماعات المسلحة غير القانونية من القضاء.
كما ينص الاتفاق (الذي تطالب أنقرة بتطبيقه) على إنهاء وجود حزب العمال الكردستاني (الذي تصنفه تركيا على قوائم الإرهاب) في سنجار، وإلغاء أي دور للكيانات المرتبطة بها في المنطقة.
والعملية العسكرية العراقية، جاءت بعد أسابيع قليلة من إطلاق تركيا لعملية “المخلب – القفل” في 17 من نيسان 2022، وتم خلالها تنفيذ هجمات جوية واسعة النطاق بواسطة المقاتلات والمسيرات التابعة للقوات الجوية بالإضافة إلى طائرات التزود بالوقود والإنذار المبكر، وفق وكالة الأناضول.
ونفذت العملية في إطار احترام سيادة العراق ووحدة أراضيها كما هو الحال في العمليات الأخرى، وفق تعبير الوكالة.
وعقب قصف المواقع المحددة بالطائرات، بدأ قصفها بنيران كثيفة من المدفعية التركية وبعد ذلك بدأ إنزال قوات الكوماندوز وعناصر من القوات الخاصة مع دعم من الطائرات المسيرة والمروحيات الهجومية.
وعقب انتهاء الهجوم الجوي، أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إتمام المرحلة الأولى من العملية والسيطرة على الأهداف التي تم تحديدها مسبقاً.
إيران لها أجندتها
في المقابل لإيران خططها في سنجار أيضاً، حيث رجحت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وجود تنسيق بين الفصائل العراقية الموالية لإيران و”حزب العمال الكردستاني” ضد القوات التركية المنتشرة في العراق وسوريا.
وأشار تقرير صدر عن المفتش العام في البنتاغون بخصوص مستجدات عملية “العزم الصلب” خلال فترة ما بين أول كانون الثاني و31 من آذار 2022، إلى “تكثيف الميليشيات الموالية لإيران وتيرة هجماتها على القوات التركية في العراق وسوريا”.
وذكر التقرير أن هذه الفصائل المسلحة العراقية خلال الربع الأول من العام الجاري استهدفت قواعد عسكرية للجيش التركي في العراق، مضيفة أن هذه الهجمات في بعض الأحوال جاءت بالتنسيق مع “العمال الكردستاني”.
وينص التقرير على أن “الميليشيات البارزة” تعرب بشكل متزايد عن معارضتها لتصرفات الجيش التركي وشنت هجمات صاروخية على قواعد عسكرية تركية في العراق وسوريا.
ولفت التقرير في هذا الصدد إلى هجوم تعرضت له قاعدة تركية شمالي الموصل، بعد غارات جوية شنتها أنقرة على مواقع لـ”العمال الكردستاني” شمالي العراق في شباط الماضي.
وسبق أن قال القنصل الأميركي في إقليم كردستان شمالي العراق روبرت بالادينو، في مؤتمر صحفي في آب الماضي، إن حكومة بلاده تأسف لوجود ميليشيات موالية لإيران في قضاء سنجار بمحافظة نينوى، مؤكداً أنها “لا تريد معالجة مشكلة القضاء”.
من جانبه، حذّر الخبير الأمني والاستراتيجي العراقي أعياد الطوفان، من أن وصول الصواريخ البالستية الإيرانية ذات المدى الطويل، مثل صواريخ “ذو الفقار” و”الشهباء”، سيؤدي إلى سقوط المنطقة، مشيراً إلى أن سنجار تحولت من مشكلة محلية إلى مشكلة إقليمية مهمة، تتنافس عليها تركيا وإيران.
وقال الطوفان لشبكة رووداو الإعلامية، يوم الثلاثاء الماضي، إن إيران تحتاج إلى سنجار، حتى تحافظ على طريق الحرير المار من إيران باتجاه العراق، مروراً بالموصل ووصولاً إلى سوريا ولبنان”.
وأضاف “لهذا اكتسب قضاء سنجار وجبلها الممتد 71 كيلومتراً، وبارتفاع 1440 عن مستوى سطح الأرض، أهمية كبيرة، كونه يسيطر على تلك المنطقة جمعاء”.
ولفت إلى أن “حزب العمال الكردستاني بالتعاون مع بعض الميليشيات استطاع أن يعمل له منظومة أنفاق كبيرة في هذا النفق”، محذراً من أنه “إذا ما وصلت صواريخ “ذي الفقار” والشهاب البالستية الإيرانية التي يتجاوز مداها 1200 كيلومتر إلى سنجار، فستسقط جميع المنطقة”.
وأردف أنه “من جبل سنجار لمنتصف تل أبيب تبلغ المسافة 780 كيلومتراً، ومن سنجار إلى القاعدة البحرية الروسية في اللاذقية 535 كيلومتراً، وكذلك من سنجار إلى القاعدة الأميركية الموجودة في التنف بسوريا 340 كيلومتراً، ومن سنجار إلى مدينة القائم تقريباً 302 كيلومتر، ومن سنجار إلى قاعدة عين الأسد 352 كيلومتراً، ومن سنجار إلى مدينة قامشلو 82 كيلومتراً، ومن سنجار إلى تركيا 80 كيلومتراً، ومن سنجار إلى دهوك 123 كيلومتراً، أما إقليم كوردستان بأكمله فهو تحت سيطرته”.
وأردف أن ذلك يعني أن صاروخ ذي الفقار الذي تبلع سرعة إطلاقه 1200 كيلومتر، “بإمكانه الوصول إلى كل هذه المناطق، ومن الممكن أن تهدد ليس فقط العراق وتركيا، بل المنطقة بأكملها”.
وتابع طوفان أنه “كان من الخطأ الكبير بعد أحداث 2014 وسيطرة داعش، أنه لم تعد الحكومة العراقية بقوة إلى هذه المنطقة، وتركتها للميليشيات التي تعاونت مع حزب العمال الكردستاني، والذي أمّن التواصل بين قواعده الرئيسة في سلسلة جبال قنديل ومتين وصولاً إلى شمال وشرق سوريا، لذلك أصبح وجودهم خطيراً جداً”.
ما مبرر التدخل التركي؟
وفي ظل التنافس الذي يبدو استراتيجياً بين أنقرة وطهران في سنجار، تجري تركيا عمليات عسكرية واضحة في شمال العراق، على عكس إيران التي تحرك ميليشياتها على الأرض أو تمول حزب العمال الكردستاني في الوقت الذي تعتمد فيه تركيا على القانون الدولي.
وبحسب الباحث طوفان فإن العلاقة الحدودية بين العراق وتركيا تنظم في ثلاث معاهدات، وهي معاهدة سيفر عام 1920 ومعاهدة لوزان عام 1923 ومعاهدة أنقرة عام 1926، والمعاهدة الأخيرة وضعت شرطاً قاسياً جداً لم تستطع الحكومات العراقية من ذلك العام وحتى الآن، مناقشته أو إعادة النظر فيه، على أقل تقدير في هذه الاتفاقية”.
وأردف أن “الشرط يقول إن سنجار جزء من الأمن التركي الإقليمي، وولاية الموصل تعني كركوك ودهوك وأربيل والسليمانية وصولاً إلى خانقين، أي وفقاً للقانون الدولي يحق لتركيا أن تدخل وتصل لأبعد نقطة في هذه المناطق”.
وأكمل أنه “من جهة أخرى، الجميع في الحكومة العراقية يستنكرون وينددون القصف التركي لاعتباره خرقاً للسيادة، وهنا لا أريد أن أبرره، لكن هل هناك سيادة للدولة العراقية في المناطق التي قصفت من قبل تركيا؟، إذ أن الموجودين على الأرض هم عصابات ومنظمات إرهابية، والحكومة العراقية لا تحرك ساكناً، وفي الوقت نفسه يدعون أن ذلك خرق للسيادة وهو باعتقادي سياسية الكيل بمكيالين وغير دقيق جداً”، وفق تعبيره.
إلى أين وصل التنافس؟
ولعل السؤال المهم في ظل المعطيات السياسية والميدانية الراهنة، أن التنافس الإيراني التركي على سنجار بيد الحكومة العراقية وقواتها التي سيطرت على المدينة، رغم تأكيد تقارير أن قوات حزب العمال الكردستاني ما زالت موجودة في المنطقة لكن بنفوذ أقل، وهو ما قد يدفع الجانب التركي لزيادة الضغوط على الحكومة العراقية لإنهاء وجودهم مع الاستمرار بتنفيذ عمليات محدودة داخل العراق لقطع الطريق على التواصل بين “قسد” وحزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق بشكل كامل وإنهاء حالة التهديد التي تشكلها على أنقرة.
وعلى الجانب الإيراني، هناك تغلغل لميليشيات الحشد الشعبي (المرتبطة بإيران بشكل شبه كامل) في الجيش العراقي، ما يعني الحفاظ على نفوذها في سنجار من خلالهم كنقطة عبور إلى سوريا.